باق من الزمن خمسة وثمانون يوماً
باق من الزمن
خمسة وثمانون يوماً
منذ أكثر من شهرين
كتبت مقالة جعلت عنوانها (باق من الزمن خمسة أشهر)، وعنيت بذلك أن ما بقي
لدينا من وقت، قبل حلول الموعد الذي يكاد يجمع الليبيون على أن ولاية
المؤتمر الوطني العام يجب أن تنتهي عنده، هو خمسة أشهر فقط.. وقلت إن علينا
أن نفعل ما بوسعنا للتعجيل بإيجاد حل لما يراه كثيرون منا مأزقاً
تاريخياً، من خلال التوافق حول رؤية لخارطة طريق جديدة، تعيد ترتيب
الأولويات، وتضع جدولاً زمنياً واضحاً ومحدداً بكل الخطوات والإجراءات التي
سوف يكون علينا إنجازها حتى إيجاد مؤسسة شرعية جديدة، تستلم السلطة من
المؤتمر الوطني العام، ثم تواصل إدارة شؤون البلاد، حتى تبلغ بنا شاطئ
الأمان، الذي سيتمثل في الانتهاء من صياغة دستور دائم للبلاد، نتخذه عقداً
اجتماعياً بيننا، ونسلمه أمانة لأجيالنا القادمة.
ويؤسفني، كما أحسب أنه
يؤسف ويؤلم كثيرين غيري، أن نشاهد الوقت يتسرب من بين أيدينا، ونشاهد
إخواننا في المؤتمر الوطني العام كيف يتصرفون وكأنهم لا يعيشون مثلنا
المأساة التي يعيشها شعبنا.. نشاهدهم وهم يتصارعون ويتجاذبون، ويختلفون
ويتواجهون، بأسلوب، كثيراً ما يكون، لا بعيداً عن الديمقراطية والحوار
والتواجه السلمي بين المختلفين فقط، بل بعيداً حتى عن الخلق والسلوك
المحترم.. وجلسة بعد أخرى من جلسات المؤتمر، لا سيما تلك الجلسات التي أتيح
لنا أن نتابعها على الهواء، يزداد إحساسنا بمدى الأزمة، بقدر ما تتناقص
ثقتنا في إمكانية أن يكون المؤتمر الوطني في مستوى المسؤولية التاريخية
التي تقع على كاهله..
ولقد قلنا مراراً من قبل إن على إخواننا في المؤتمر أن يدركوا أمرين في غاية الأهمية:
الأمر الأول:
أن القناعة الغالبة عند شريحة واسعة من المواطنين المهتمين بالشأن العام،
ومن النشطين في المجتمع المدني والأحزاب السياسية، أن ولاية المؤتمر الوطني
تنتهي في 7 فبراير 2014، وأن مختلف التخريجات أو الفتاوى القانونية التي
يحاول بعض إخواننا في المؤتمر أن يقرؤوا بها الإعلان الدستوري، بالقول إن
ولاية المؤتمر محددة بمهام معينة، تنتهي بإنجازها، هي غير مقبولة لدى هذه
الشريحة من المواطنين التي أشرنا إليها، التي ترفض فكرة تمديد هذه الولاية
إلى أبعد من شهر فبراير 2014.
الأمر الثاني:
أن عدم بذل إخواننا في المؤتمر جهودهم لإيجاد حل للمأزق، والتوافق على
خارطة طريق جديدة، سوف يعد بمثابة تقاعس وتخلف عن تحمل المسؤولية التاريخية
عن إيجاد يديل يتمتع بالشرعية، يستلم منهم السلطة، ويواصل مسيرة البناء في
مرحلة انتقالية جديدة. ومن هنا فإنهم سوف يتحملون المسؤولية التاريخية عن
أي تطورات سلبية قد تحدث عند بلوغ هذا الأجل الذي نتحدث عنه لولاية
المؤتمر، دون التوصل إلى توافق حول مخرج من المأزق..
إن التاريخ لن يغفر
لهم هذا.. وإن الشعب لن يتسامح وإياهم، إن لم يرتفعوا إلى مستوى المسؤولية،
فيتخلوا عن خلافاتهم وصراعاتهم الصغيرة التافهة، ويعكفوا على البحث عن
حلول ومخارج.
وإننا لم نتوقف عن بذل
النصح والمشورة، وإبداء الرأي، وتقديم المقترحات، وسوف نواصل ذلك بكل ما
يسعنا من جهد، ولكن على إخواننا في المؤتمر أن يتعاونوا معنا كي نساعدهم في
بلورة الرؤى والحلول…
وإني ما زلت متشبثاً
ببصيص من الأمل في أن يتمكن إخواننا في المؤتمر من مواجهة المسألة المطروحة
بكل ما تتطلبه من شجاعة وحس وطني، ينظر إلى مصلحة الوطن والثورة، ومصلحة
الوطن ومصيره، قبل أن ينظر إلى أي مصالح شخصية أو حزبية أو فئوية، وأن
يعجلوا باتخاذ القرار التاريخي اللازم لحل الأزمة، قبل حلول الأجل المتوقع
لنهاية ولايتهم، وأتمنى أن يتم ذلك قبل نهاية شهر ديسمبر القادم..
وإني أدرك أن هذه
الأيام الخمسة والثمانين الباقية ليست كافية لإيجاد حل جذري للأزمة، ولكنها
يجب أن تكون كافية للتوافق حول ملامح للحل محددة بجدول زمني واضح.. وإني
أزعم أن توافق المؤتمر الوطني على خارطة طريق لمرحلة انتقالية جديدة، تتضمن
خطوات محددة لإيجاد بديل شرعي للمؤتمر، ونقصد بذلك جسماً تشريعياً
منتخباً، يستلم منه السلطة، ستكون مقبولة لدى الناس ولدى المواطنين، ولو
تجاوزت تاريخ السابع من فبراير 2014 ببضعة أشهر، نستطيع أن نتفق على ألا
تتجاوز أربعة أشهر بعد ذلك التاريخ.. بحيث يكون معلوماً وواضحاً ومحدداً،
أن جسماً شرعياً منتخباً سوف يكون موجوداً في مهلة نهايتها 30 يونية 2014
على سبيل المثال.
إذن ..
نحن في انتظار أن يعي إخواننا في المؤتمر الوطني حجم المسؤولية التاريخية
الملقاة على عاتقهم، وأن أنظار أبناء شعبهم الذين انتخبوهم تتطلع إليهم
ليجدوا حلاً للأزمة، ومخرجاً من المأزق.. وأن عليهم أن يبادروا على الفور
لبحث خارطة الطريق، وأن يضعوا جانباً أية قضايا أخرى أو موضوعات يحرص كل
طرف منهم على وضعها على جدول أعمال المؤتمر، ثم يعكفوا على بحث خارطة
الطريق، والتوافق حول ملامح الحل.
إن المجتمع المدني لم
يتخل عن دوره، فقد بادر كثير من النشطين السياسيين، مستقلين وعاملين في
مؤسسات مجتمع مدني وأحزاب سياسية، بتقديم مقترحات ومبادرات للحل.. وما على
المؤتمر إلا بحث هذه المقترحات، والاسترشاد بها للخلوص إلى موقف موحد منها،
يتخذون بموجبه القرار التاريخي المنتظر، يحددون فيه سقفاً زمنياً لبقاء
المؤتمر الوطني العام، وتاريخاً يسلمون فيه السلطة إلى كيان منتخب، كما
استلموها من المجلس الوطني الانتقالي. وبذلك يرتفع قدرهم في عيون مواطنيهم،
ولن نسمع من يقول: إني أعض على أصبعي ندماً على المشاركة في تلك
الانتخابات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق