السبت، 23 نوفمبر 2013

ليبيا على شفا الهاوية بعد عنف الميليشيات في طرابلس




ليبيا على

شفا الهاوية بعد عنف

الميليشيات في طرابلس

23/11/2013
cce5ea92e02353dc075b0fbeb6cd05f3[1]

معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى-أندرو اينجل:

في 15 تشرين الثاني/نوفمبر، قامت جماعات مسلحة من مصراتة في ليبيا بإطلاق النار على متظاهرين خرجوا إلى شوارع طرابلس مطالبين بمغادرة الميليشيات الإقليمية للعاصمة. ووفقاً لمنظمة "هيومان رايتس ووتش"، فإن المصادمات في منطقة غرغور أسفرت عن وقوع 43 قتيلاً و560 جريحاً - وهي حصيلة استمرت في الارتفاع بعد وقوع مزيد من المناوشات بين الميليشيات خلال عطلة نهاية الأسبوع. وتؤكد الأزمة على ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية بينما تحاول ليبيا تسريح الثوار وصياغة أول دستور بعد الإطاحة بالقذافي.


بلد تحكمه الميليشيات.


أصبح الثوار الذين صعدوا خلال ثورة 2011 الحكام الفعليون لليبيا بمجرد سقوط نظام القذافي. وقد سعت السلطات الانتقالية الضعيفة إلى كبح جماح العنف وزيادة شرعيتها، لذا تعاقدت مع ميليشيات للمساعدة في تأمين  البلاد، حيث شكلت قوتين شبه رسميتين: "درع ليبيا"، تحت إشراف وزارة الدفاع، و"اللجنة الأمنية العليا"، تحت إشراف وزارة الداخلية. وقد كان الهدف من الاعتماد على الميليشيات - ومن بينها الكثير من مصراتة - أن يكون ذلك خطوة مرحلية أثناء بناء الدولة للجيش والشرطة (إقرأ دراسة معمقة لوضع الميليشيات ما بعد الحرب).


بيد أن الدولة لا تزال ضعيفة اليوم - وهو وضع أكده اختطاف رئيس الوزراء على زيدان في طرابلس لفترة قصيرة في 10 تشرين الأول/أكتوبر على يد "غرفة عمليات ثوار ليبيا" ذات التوجهات الإسلامية و "اللجنة الأمنية العليا" وميليشيا شبه رسمية أخرى. وتبرز تلك الأحداث المنافسات السياسية التي لا تزال تقسم البلاد. على سبيل المثال، أُنيطت بـ "غرفة عمليات ثوار ليبيا" مهمة تأمين العاصمة من قبل رئيس "المؤتمر الوطني العام"، نوري أبو سهمين، الذي تنافس مع زيدان على السلطتين التنفيذية والعسكرية.


في مطلع أيلول/سبتمبر، صرح زيدان أن 19,000 من رجال الشرطة "وبضعة آلاف" من الجنود في الجيش الوطني تلقوا تدريبات لكنهم يفتقرون إلى الفاعلية. وفي 5 تشرين الثاني/نوفمبر، أقر وزير الدفاع عبد الله الثني بأن ما يزيد عن 170,000 فرداً كانوا يتلقون أجوراً رغم تزايد عدد من يتخلفون عن الخدمة. كما أقر بأن العديد من الوحدات العسكرية غير موجودة سوى على الورق. وفي اليوم ذاته، أخبر رئيس الأركان الجنرال سالم العبيدي صحيفة "الشرق الأوسط" العربية الشاملة أنه "تم إنفاق مبلغ هائل من الأموال على هذه الوحدات الوهمية".


وفي غضون ذلك، سعت الدولة إلى تلبية احتياجاتها الأمنية من خلال الاعتماد على نحو 225,000 من الثوار المسجلين لدى العديد من الميليشيات. وقد ذكر تقرير صدر مؤخراً عن "مصلحة الإحصاء والتعداد" أن تعداد سكان ليبيا وصل إلى 5,172,231 في عام 2012، مما يعني أن ما يزيد عن 4 بالمائة من تعداد سكان البلاد يعملون ضمن الميليشيات. كما تم تكليف "هيئة شؤون المحاربين للتأهيل والتنمية" بمهمة نزع سلاح هؤلاء المقاتلين وتسريحهم وإعادة دمجهم في المجتمع؛ وقد تم تسجيل 213,702 حتى الآن، رغم أن عملية التسريح الفعلية تمضي ببطء أكثر من ذلك بكثير.


الاشتباكات الأخيرة.


يذكرنا الحادث الأخير في طرابلس بشكل مأساوي المصادمات الدامية في 8 حزيران/يونيو في بنغازي، والتي قتل فيها عشرات المتظاهرين أثناء المطالبة بحل اللواء الأول من قوات "درع ليبيا". وفي 7-8 تشرين الثاني/نوفمبر، اندلعت مصادمات شملت ثواراً أشقياء من مصراتة في مناطق فشلوم وسوق الجمعة وزاوية الدهماني في العاصمة، الأمر الذي أدى إلى تصعيد التوترات بشكل كبير ودفع السكان المحليين إلى وصف رجال الميليشيات بـ "المتمردين" و"المجرمين". واستجابة لذلك، أيّد "المجلس المحلي لمدينة طرابلس" دعوات لتنظيم احتجاجات جماهيرية، مثلما فعلت منظمات المجتمع المدني المختلفة وقادة الثوار المحليون ومفتي ليبيا الأكبر الشيخ صادق الغرياني. ثم وافقت وزارة الداخلية على قيام مظاهرة في 15 تشرين الثاني/نوفمبر. بيد أنه عندما دخل المتظاهرون منطقة غرغور في ذلك اليوم، استهدفتهم الأسلحة الآلية والمدافع المضادة للطائرات. وقد سيطر "درع ليبيا- مصراتة" في النهاية على الوضع، بإبعاده المتظاهرين قبل نقل المنطقة إلى اللواء 161 في الجيش الوطني.


وبعد ذلك، أخبر قائد "درع ليبيا- مصراتة" طاهر باشا أغا تلفزيون ليبيا غاضباً أن مصادمات غرغور كانت حرباً "أطلق فيها المدنيون الذين يحملون أسلحة آلية" النار على الثوار. كما زعم أن بعض القوى السياسية - في إشارة على الأرجح إلى "تحالف القوى الوطنية"، وهو التكتل الأكبر في البرلمان - "استغل" النساء الطاعنات في السن والأطفال، من خلال إرسالهن على ما يبدو إلى التظاهر.


وقد استمر الوضع في التدهور عندما أوقفت ميليشيا في تاجوراء، على بعد عشرين كيلومتر شرق غرغور على الطريق المؤدي إلى مصراتة، موكباً لمصراتة مكوناً من ثلاثين مركبة في طريقه إلى طرابلس. ورغم أن الموكب وافق في البداية على عدم التقدم، إلا أنه أغار في وقت لاحق على قاعدة عسكرية محلية، وتشابك مع ميليشيا تاجوراء، وانطلق بالمركبات والأسلحة والذخيرة. وقد خلّف القتال العديد من المقاتلين بين قتلى وجرحى.


بعد التصعيد، هل يمكن الوفاق؟


تعم المشاعر المريرة طرابلس ومصراتة في أعقاب مصادمات غرغور. فقد حذر رئيس "المجلس المحلي لمدينة طرابلس" سادات البدري هيئة الإذاعة البريطانية من أن طرابلس ربما تهوي قريباً إلى أتون حرب مسلحة، بينما اتهم عطية الدريني، نائب رئيس "المجلس المحلي لمدينة مصراتة"، البدري بالتحريض على العنف. وفي غضون ذلك، تعهدت مجموعة من السكان المحليين الغاضبين بالقرب من "دوران القدس" بعد وقوع المصادمات، لـ "تلفزيون ليبيا" بأنها سوف "تحرر العاصمة" من الميليشيات. وقد وجه أغا المرتبك سؤالاً بلاغياً لنفس المجموعة قائلاً "ألم تقابلونا بالورود عندما حررناكم؟"


ورغم المؤشرات الأولية على التصعيد، رضخ "المجلس المحلي لمدينة مصراتة" و"المجلس العسكري لمدينة مصراتة" لدعوات الميليشيات بإخلاء العاصمة، بما في ذلك "درع ليبيا- مصراتة". وفي 17 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلن أن الانسحاب سيتم خلال اثنين وسبعين ساعة، وفي نهاية 18 تشرين الثاني/نوفمبر، كانت أرتال مسلحة تغادر طرابلس متجهة إلى مصراتة. ثم انتشر الجيش في أنحاء العاصمة تحت رعاية المنطقة العسكرية في طرابلس.


بيد أن انسحاب مصراتة وحده لن ينزع فتيل التوترات في طرابلس. فالميليشيات مجال البحث لم تغادر العاصمة إلا تحت الضغط، ولم يتم اتخاذ أي خطوات لتسريحها، الأمر الذي يعطي ثقلاً ينذر بالخطر لتحذير أغا في 15 تشرين الثاني/نوفمبر بأن "الحرب لم تبدأ في طرابلس، لكنها آتية". والأهم من ذلك، لا تزال هناك ميليشيات قوية أخرى في العاصمة، من بينها ميليشيات الزنتان في غرب طرابلس (أي القعقاع) ولواء النواصي في شرق طرابلس. وبالإضافة إلى ذلك، يجري التخطيط للقيام بمزيد من الاحتجاجات في 22 تشرين الثاني/نوفمبر؛ وكما قال أحد شهود العيان على مصادمات 15 تشرين الثاني/نوفمبر لـ "تلفزيونليبيا"، بأن غرغور "كانت مجرد البداية".


وبشكل أوسع نطاقاً، في حين أن تجدد التواجد الأمني للحكومة في طرابلس يبعث على الأمل، إلا أن فعالية الجيش لا تزال مفقودة. على سبيل المثال، إن نشر قوات الصاعقة الخاصة والمشاة في بنغازي لم يعزز الاستقرار هناك (رغم الاعتراف بأن المدينة تواجه مجموعة مختلفة من التحديات).


الحاجة إلى المصالحة الوطنية.


في 17 تشرين الثاني/نوفمبر، ذكر الأدميرال وليام ماكرافين، رئيس "قيادة العمليات الخاصة" الأمريكية، أن الولايات المتحدة سوف تتولى تدريب ما بين 5000 إلى 7000 فرد من القوات الليبية التقليدية وقوات مكافحة الإرهاب. ورغم أن هذه الجهود مشجعة، إلا أنها غير كافية. ومن بين أكبر المشاكل في إعادة بناء الجيش الليبي هي تشكيل الوحدات التي تتقاطع عبر خطوط إقليمية وقبلية وأيديولوجية.


هناك عداء مستحكم بين الجيش الذي يعج بالقيادات من عصر القذافي، والمجندين الجدد أو المحتملين الذين قاتلوا في الثورة. وقد أوضح رئيس المنطقة الجنوبية لـ "درع ليبيا"، أحمد الحسناوي هذا التوتر في 18 تشرين الثاني/نوفمبر عندما شكك في ولاءات الجيش ووجه سؤالاً بلاغياً من على قناة "الجزيرة" وهو "إلى من يجب أن نسلم أسلحتنا؟"


ومن أجل ضمان نجاح جهود "نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج"، وأن جهود التدريب الأمريكية سوف تساعد على إنشاء جيش لعموم ليبيا، هناك حاجة إلى عملية مصالحة وطنية شاملة. وبخلاف ذلك، فإن المساعدات التي ستقدمها الولايات المتحدة ربما تعزز بكل بساطة من وجود هيكل ضعيف في زي أنيق، أو الأسوأ من ذلك أنها قد تساعد على وجود فصيل مسلح آخر. كما أن المصالحة سوف تسهم في عملية كتابة الدستور، التي شابها الكثير من الجدل منذ بدايتها.


لقد مضت جهود المصالحة المحلية في جميع أنحاء ليبيا وساهمت في تحقيق بعض النتائج الإيجابية. وفي الجنوب الشرقي، عملت المصالحة بين المتحاربين من قبيلتي عرب الزوي وتبو في الكفرة على خفض العنف بشكل كبير. وفي شمال غرب البلاد، أشرف قادة الزنتان على عملية ثابتة للمصالحة مع القبائل الغربية، رغم أن ذلك كان من واقع مصالحهم الإقليمية الخاصة.


وفي سبيل تأمين أهداف السياسة الأمريكية في ليبيا ما بعد القذافي، ينبغي أن تسهم واشنطن بالدعم النقدي والمتخصصين لـ "بعثة الدعم التابعة للأمم المتحدة في ليبيا". كما يمكنها الجمع مع "سياسة الجوار في الاتحاد الأوروبي"، التي تتولى دعم عمليات المصالحة في ليبيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق