مخرج سهل
من موقف صعب ! ..
بقلم الكاتب / فتح الله ساسى
كلما زاد الألم .. كبر الأمل فينا .
لا أحد يستطيع أن ينكر أن
المؤتمر والحكومة قد أخفقا اخفاقا كبيرا في مهمتهما ، ولكن هناك أطراف أخرى
شاركتهما المسئولية وتسبّبت في هذا الاخفاق .. كانت تلك الأطراف تُملي
رغباتها وتفرض آرائها على المؤتمر والحكومة ولعل اقتحام المؤتمر اثناء
جلساته مرات عديدة ومُحاصرة الوزارات بقوة السلاح خير دليل على ذلك !..ان
الأحزاب السياسية وتكتلاتها والثوار والملشيات المسلحة والجماعات المتشدّدة
التي تلتحف برداء الدين كل من هؤلاء كانت له وجهة نظره وتدخلاته في اختيار
الوزراء وفي أداء الحكومة و بناء الدولة وفي اقامة جيشها وأمنها وما يصدر
عن المؤتمر من قوانين وقرارات !!.. ان ما يحدث في ليبيا الآن لا يُؤكد
مفهوم الوطن ولايؤسّس لبناء دولة !..
أعتقد انه في ظل الفوضى
العارمة والانفلات الذى مّس كل مفاصل الدولة الليبية لن تستطيع المحكمة
العليا أن ُتسّير الدولة .. ليس من حيث الكفاءة أو القدرة .. ولكنها
تحتاج الى أمن وجيش لينفذا قراراتها فعلا على أرض الواقع .. كلنا يعرف أنه
لا يوجد جيش ولاتوجد شرطة يستطيعان القيام بما يوكل اليهما من مهام ! ،،
ان الوضع في ليبيا ليس كالوضع في مصر ، يوجد في مصر جيش قوى وأمن على قدرة
عالية من الكفاءة والتجهيز، وفيها مؤسسات المجتمع المدني ذات فعالية وتأثر
في وسطها الشعبي ، وفيها اعلام وطني حر يعي مهمته .. لهذا عندما كُلّف رئيس
المحكمة الدستورية بمهام رئيس الجمهورية لم يكن هناك عائق يُعرقل تحقيق
هذه المهمة على أرض الواقع !.
يجب ألاّ ننسى أن ما
يُعانيه المؤتمر الوطني العام والحكومة المنتخبة بل والمجتمع الليبي عموما
هي تراكمات تركها لنا المجلس الوطني الانتقالي ! الذى بدل أن يُؤسّس لبناء
الجيش والشرطة منذ بداية مهمته أوجد أجساما غريبة ليست من طبيعة الدولة
المدنية مثل : ( كتائب الدروع واللجنة الأمنية العليا وكتائب مسلحة أخرى
ومليشيات تارة يُضفون عليها الشرعية وتارة أخرى ينزعونها عنها ..) فاصبحنا
أمام مشكلة جسيمة ورّطنا فيها المجلس الوطني الانتقالي وأصبحت حجر عثرة في
طريق بناء جيش وشرطة يكون ولاؤهما للوطن على غرار ما يوجد في بلدان العالم
المتحضر !.
لا توجد دولة في العالم
جيشها كتائب مسلحة وملشيات تحل محل الجيش و تحل محل الشرطة الاّ في ليبيا
التي تكاد ان تكون نشازا في المجتمع الدولي .. وان كنا قد قبلنا بوجود هذه
الأجسام الغريبة بداية الانتفاضةفيجب أن ينتهي ذلك ونشرع في بناء الجيش
والشرطة !..لا يمكن بناء الدولة الليبية في غياب جيش ولايمكن حماية حدود
الوطن بدون جيش ولايمكن أن يكون للدولة هيبتها بدون جيش ، حتى الأمن وحده
لا يكفي دون وجود جيش قوى يكون ساندا وداعما للأمن !.
ان هذه الكيانات التي فُرضت
فرضا على الشعب الليبي لم تتحقق لليبيين الأمن والأمان بل ازدادت عملية
القتل والخطف والتفجير ونهب الأموال العامة والخاصة وبروز نزعات انفصالية
مُهدّدة لوحدة الوطن ! .. ان الليبيين الذين يعيشون خارج الوطن في دول
الجوار من لاجئين رغم ما يعانونه من ظروف معيشية صعبة ! الاّ انهم ينعمون
بالأمن والأمان أكثر من الذين يعيشون داخل الوطن ! ….
تضمنت مبادرة مجموعة الوفاق
والحوار الوطني التي جاءت على لسان رئيس المجلس الوطني الانتقالي الأسبق
من ضمن ما عرضته .. ( اعتماد المجالس المحلية واعطائها صلاحيات وميزانيات
حتى يستريح كل المواطنين ويطمئنوا الى مستقبلهم ) .. يبدو أن المرحلة
الانتقالية لا يُراد لها أن تنتهي ! هذه المجالس المحلية أوجدها ظرف معين
وهو حرب التحرير لكي تقوم هذه المجالس بإنجازالمهام الموكلة اليها في
المناطق وحل أزماتها وتسيير أمورها اليومية الملحة ، استمدت شرعيتها من
شرعية المجلس الانتقالي المؤقت الذى أنتهت مهمته .. اذا ما هومبرر استمرار
هذه المجالس حتى الآن ؟! في وجود حكومة منتخبة تستطيع أن تقدم من خلال فروع
وزاراتها كل ما يحتاجه المواطن في تلك المناطق من خدمات فضلا عن وجود
مجالس منتخبة للبلديات .. هذه المجالس أصبحت عبئا ثقيلا ونشازا لا مبرر
لاستمرار وجودها حتى الآن .
لا توجد رغبة صادقة سواء من
الحكومة أو المؤتمر العام لبناء الجيش ، طالما يقوم رئيس المؤتمر الوطني
العام على مرآى ومسمع من أعضاء المؤتمر والحكومة والشعب الليبي بإخراج
أعداد كبيرة من الضباط والكوادر العسكرية واحالتهم على التقاعد المبكر دون
أن يعترض أحد ! كيف يتم هذا الاجراء في وقت يُريد فيه الشعب الليبي بناء
جيشه الوطني ؟!
.. هل الوقت مناسب الآن
لاتخاذ مثل هذا الاجراء وهل هو ضروري لكي يتم بهذا الاستعجال وهل يُساعد أو
يُعجّل في بناء الجيش ثم لمصلحة من هذا الاجراءالاقصائي التعسفي ؟!. كيف
يسمح المؤتمر الوطني العام لرئيسه الذى نصّب نفسه قائدا أعلى للقوات
المسلحة المنعدم وجودها بالأساس ليتخذ قرارا أبعد فيه 400 أربعمائة ضابط من
مختلف الرتب العسكرية ومن القيادات الكبرى التي يُعوّل عليها في بناء
الجيش وشارك بعضهم في حرب التحرير واحالتهم على التقاعد المبكر وهذا العدد
يُشّكل الدفعة الأولى من 3000 ثلاثة آلاف ضابط سيتم ابعادهم لاحقا !!.
والسؤال : هل مُقدّر لضباط الجيشالليبي اما أن يُقصوا تعسفاًأو يُقتّلوا
غدراً في الشوارع والميادين ؟ !!.
ان مسئولية بناء الوطن
مسئولية الجميع وليست مسئولية طرف دون الأطراف الأخرى ! .. وما يحدث في
وطننا من فوضى وفساد وانفلات و قتل واقتتال وخطف والعبث بمقدرات الشعب
وتعطيل مرافقه والتمردعلى الشرعية ، كل ذلك لا يُساعد على اقامة الدولة
وبناء وطن ! .. لا يمكنأن ُتقام دولة دون أن يكون لها جيش وشرطة .. من لا
يُريد قيام جيش وشرطةمُتعللا بحجج وذرائع واهية لم تعد مقبولة هو في واقع
الأمرضد قيام الدولة المدنية وضد استتباب الأمن فيها وضد قيام دولة
القانون والحرية ! .لقد تعرّض عناصر الجيش الليبي والشرطة الى التشكيك في
ولائهما منذ بداية الانتفاضة رغم أنهم شاركوا فيها بالقتال في الجبهات
وتدريب الثوار -بينما الذين يُقصونهم ويُخوّنونهم الآن لم يُشاركوا الشعب
الليبي انتفاضته -! ، واتخذوا من هذا التشكيك مبرراً واهياً للإقصاء
وايجاد أجسام وكيانات بديلة أوكلت لها مهمة الجيش والأمن .. ولأن من أوكلت
اليهم هذه المهام هم غير مُحترفين وتنقصهم الخبرة والدراية والانضباط نتج
عن ذلك فوضى وانفلات وفراغ أمني واختراق للحدود والعبث بمقدرات الشعب وتوغل
جماعات مُتشددّة ولغت في دماء الليبيين ، واصبحت الدولة الليبية منتهكة
الحدود والسيادة وفقدت مقومات الدولة ! مما يتعذّر معه قيام جيش وأمن في
ظل هذا الوضع المتأزم !.
المؤتمر الوطني العام فقد
مصداقيته ولم يعد يتقبّله الشارع الليبي وكذلك الحكومة الانتقالية لكونها
عجزت أن تؤدى مهامها أو أن ُتحقق الحد الأدنى من تلك المهام فضلا على
أنها فقدت هيبتها ..
في هذه الحالة لم يعد أمام
الشعب الليبي لتجنب أي فراغ سياسي قد يحدث بعد انتهاء مدة المؤتمر الوطني
العام .. الاّ أن يختار الشعب الليبي اما مجلسا للشيوخ يختاره الليبيون
بعدد أعضاء المؤتمر الوطني العام ، واعتباره – جمعية تأسيسية منتخبة – ثم
يقوم باختيار حكومة أزمة أو انقاذ وطني من التكنوقراط مُحدّدة الحقائب ..
هذا المجلس سيكون معبرا عن
كل الليبيين في أرجاء الوطن كله ..وسيحظى باحترامهم .. لن يخذلهم ولن
يخذلوه ! ..أو أن يُوكل الأمر للمحكمة العليا – رغم الظروف الصعبة المحيطة
بها – لتخرج الدولة الليبية من هذا المأزق .. وتختار حكومة انقاذ وطني
يُوكل لها ادارة شئون الدولة الليبية ومعالجة ازماتها الى أن يتم اعتماد
الدستور وترشيح نواب عن الشعب ..أو تبني ( المقترح المقدم من بعض
المجتمعات المدنية والذى جاء فيه .. ( تكليف المحكمة العليا بتأسيس المجلس
الأعلى للدولة يتكون من مستشارين من قضاة المحكمة العليا يُوكل له قيادة
المرحلة الانتقالية ، وتعيين حكومة طوارئ ، والاشراف على اجراء عملية
استفتاء عام على شكل الحكم يشارك فيه كل الليبيين دون استثناء .. الى آخر
ما ورد فيه من مقترحات) وفي اعتقادي هو أفضل المبادرات والمقترحات التي
طرحت حتى الآن ! ..
أما فيما يخص ” الدستور ”
لوتَرك الليبيون صياغة الدستور للجان أو أشخاص حتى لو كانوا مُنتخبين لن
يُصيغ هؤلاء دستورا يُلبي طموحات الشعب الليبي بل ربما يُصيغون دستورا
يُكبل الشعب الليبي ولايلبي طموحاته .. الشروط التي وضعها المؤتمر الوطني
العام الواجب توافرها بالمرشح لانتخاب لجنة الستين المعنية بكتابة مشروع
الدستور هي شروط قاصرة لا أعتقدأنها تستطيع أن تلبي طموحات الليبيين في
كتابة الدستور .. لم يشترط المؤتمر الوطني العام في المرشح ” المؤهل
والخبرة والكفاءة والقدرة على الأداء المتميز لتولي هذه المهمة ، اذ يفترض
أن تُوكل مهمة كتابة مشروع الدستور الى أناس يكونون على قدر كبير من الخبرة
والكفاءة في القانون وفي الاقتصاد وفي العلوم السياسية وفي العلوم الشرعية
وفي علم الاجتماع وفي الاعلام الى غير ذلك من التخصصات والخبرات التي يجب
أن تشارك في كتابة مشروع الدستور ليكتبوا الينا دستورا معبرا عن كل شرائح
الشعب الليبي .. وبالتالي لا نتوقع من هؤلاء اذا انعدمت فيهم الخبرة
والمؤهلات العليا والكفاءة والقدرة على الأداء أن يكتبوا لنا دستورا يُلبي
طموحات كل الليبيين !.
المملكة المتحدة – بريطانيا
– على سبيل المثال : دولة ملكية دستورية في الوقت الذى لا يوجد لديها
دستور مكتوب ويُعرّف – بالدساتير غير المدونة – ، وهي قواعد عرفية استمرت
لسنوات طويلة حتى أصبحت بمثابة القانون الملزم وتسمى أحيانا بالدساتير
العرفية ، ويعتبر الدستور البريطاني المثال الأكثر وضوحا على الدساتير غير
المدونة .
بالمقابل ..الصومال ..
تتمتع بدستور يعتبر الأعلى سموا في الدولة الصومالية لا يعلوه قانون لكونه
القانون الأساسي في الدولة مثل ما نصت عليه أغلب دساتير العالم بما في ذلك
دستور الدولة الايطالية ، ولكن هذا الدستور لم يمنع الصومال من الانزلاق
نحو الهاوية وتردى أوضاع الصوماليين على كل الصُعد ولم ينقذهم دستورهم ،
فسقطوا وسقط معهم دستورهم !. ليس الدستور هو من يُقيم الدولة أو يُحقق
العدالة أو يصنع التاريخ وانما هو الشعب ! بإصراره وعزيمته وارادته الحرة
!.. فالشعب هو صانع المعجزات !..
وللخروج من هذا المأزق :
لم يعد أمام الليبيين الاّ العودة لدستور المعطل 1951 وتعديلاته !..
ويُوكل لمجلس الشيوخ أو المحكمة العليا تكوين لجنة من الخبراء في القانون
وفي السياسة وفي الاقتصاد وفي العلوم الشرعية وفي الاعلام الى غير ذلك من
التخصصات – تكليفا لا انتخابا -تُوكل لهم مهمة تعديل النصوص الدستورية
الواجب تعديلها بما يتلاءم ورغبة الليبيين في شكل الحكم ..
لقد اختار الليبيون بداية
انتفاضتهم النشيد الوطني وعلم دولة الاستقلال دون استفتاء أو تحريض أو
ايعاز من أحد وانما تم ذلك بشكل عفوي تلقائي .. اذاً ماذا يمنع الليبيين من
أن يعودوا الى دستور دولة الاستقلال الذى صاغه الآباء المؤسّسون بمساعدة
منظمة الأمم دون أن يكون لهم حينذاك أغراض أو مطامع أو أجندات داخلية أو
خارجية تؤثر على صياغة ذلك الدستور !.
لم يبقى الاّ شكل الدولة
ونظام الحكم فيها .. هذا ما يُستفتى عليه الليبيون تحت اشراف مجلس الشيوخ
أو المجلس الأعلى للدولةأو حكومةالانقاذ الوطني – بحسب ما يكون عليه الوضع –
على أمرين لا ثالث لهما هما : ” دستور دولة الاستقلال وتعديلاته .. وشكل
الدولة الليبية ونظام الحكم فيها ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق