السبت، 20 فبراير 2016

مصر… هل يتسبب أمناء الشرطة في سقوط النظام؟


مصر… هل يتسبب أمناء الشرطة في سقوط النظام؟

رأي القدس


وحدهم من يعرفون مصر، سيدركون مدى خطورة هذه الاحتجاجات التلقائية المستمرة لليوم الثاني على التوالي، بعد ان انطلقت مساء امس الأول الخميس من حي الدرب الأحمر الشعبي في قلب القاهرة القديمة، نحو مديرية أمن العاصمة، وادت إلى إغلاق أربعة اقسام للشرطة، تنديدا بمقتل مواطن بسيط يعمل سائق «توك توك» برصاصة من أمين شرطة خارج ساعات عمله.

وليس من المبالغة القول ان النظام قد اهتز في لحظة نادرة أمام هذه الغضبة الشعبية، واضطر إلى التزام اشد درجات ضبط النفس، متقبلا الانتقادات التي لم تستثن احدا بدءا من الشرطي الذي اطلق النار إلى وزارة الداخلية ورئيس الجمهورية شخصيا.

ولم يتردد والد القتيل في تحميل الرئيس عبدالفتاح السيسي المسؤولية، وقال في فيديو لقي رواجا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي،» ان القاتل احتمى ببذلته الرسمية في ارتكاب الجريمة»، وانه ينتظر من السيسي شخصيا «ان يأتي له بحق ابنه». وظهرت في الفيديو سيدة اخرى مكلومة قد تكون والدة القتيل وجهت كلامها مباشرة للسيسي قائلة: «إذا كنت تقبل هذا لأولادك فنحن مستعدون ان نقبله ايضا»..

هذا تحديدا نوع المظاهرات التي لا يستطيع النظام ان يواجهها أو يقمعها، ولا تنفع معها المدرعات أو بنادق الرش التي كانت قتلت الناشطة شيماء الصباغ، وفقأت عيون عشرات المتظاهرين اثناء الثورة.

انها غضبة الفقراء الذين يكافحون يوميا للحصول على حد الكفاف، ولا يمكن اتهامهم بميول إخوانية أو سياسية، أو المشاركة في مؤامرات أقليمية وما إلى ذلك. 

وحسب الوالد، فان السائق المشهور باسم (دربكة) كان يخرج يوميا سعيا وراء رزقه بالعمل على «توك توك» ليس مملوكا له، ليحصل على أربعين جنيها فقط (أقل من خمسة دولارات)، لكن أمين الشرطة قرر ان يطلق النار عليه بعد مشادة كلامية. كانت هذه القصة الإنسانية كافية لتشعل الشوارع خلال دقائق في تلك المنطقة التاريخية من القاهرة الفاطمية. ولم يهدأ الغضب حتى بعد ان أعلنت النيابة العامة التحفظ على أمين الشرطة بتهمة القتل، وانه في حالة صحية حرجة لاسباب مازالت غامضة.

ولم يكن كافيا كذلك ان السيسي سارع إلى استدعاء وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار إلى اجتماع عاجل في شرم الشيخ، حيث يتواجد للمشاركة في مؤتمر حول الاستثمار يبدأ اليوم، ومطالبته العلنية غير المسبوقة بتعديلات تشريعية لاصدار قوانين جديدة تضمن ضبط الاداء الأمني.

وكأنه كان يجب ان تحدث هذه الجريمة المروعة ليدرك السيسي خطورة الانتهاكات الحقوقية المتواصلة ضمن حالة الاحتقان والغليان التي يعانيها المواطنون لاسباب عديدة.
من الواضح ان المطلوب شعبيا اليوم أكبر كثيرا، من قرارات السيسي، خاصة ان هذه الجريمة ليس سوى حلقة جديدة من مسلسل مأساوي من الجرائم شبه اليومية. 

لا مفر من إعادة هيكلة شاملة وفورية لهذا الجهاز الأمني الذي لم يعرف على مدى أربعين عاما سوى قوانين الطوارئ التي تبيح للشرطة ان ترتكب ما تشاء من انتهاكات بحق المواطنين وهي تعرف انها تتمتع بحصانة قانونية.

ان أهم ما يمكن قراءته من هذه الاحتجاجات الشعبية ان «المصالحة الشعبية» مع الشرطة التي اعقبت مظاهرات الثلاثين من حزيران/يونيو قد انتهت، وان المصريين قرروا ان يرفضوا المبررات المتعلقة بـ «محاربة الإرهاب» التي يستخدمها النظام للعودة إلى ممارسات ما قبل ثورة يناير. 

الواقع ان قتل مواطن بسيط مثل «دربكة»، أو أي مواطن آخر خارج نطاق القانون، ليس في حقيقته سوى عمل ارهابي مكتمل الأركان، يتحمل مسؤوليته النظام الذي يسمح باستمرار هذه الانتهاكات تماما مثل من أطلق الرصاص. بل ان الجماعات الإرهابية تبقى المستفيد الأكبر من هذه الجرائم، لما توفره لها من قدرة على التجنيد ونشر افكارها المتطرفة.

وفي النهاية، لا يمكن إلا ان نكرر ما كتبناه قبل اسبوعين في هذا المكان، وقبل اندلاع أي مظاهرات، من ان المصريين مستعدون للتعايش إلى حين مع المصاعب الاقتصادية وضيق العيش، لكنهم لن يقبلوا من النظام أو غيره ان يستفزهم في كرامتهم او دمائهم.
فهل سينفع النظام إدراكه المتأخر لهذه الحقيقة، ام انه سيواصل ارتكاب الخطايا نفسها التي كانت أطاحت بمن كان أشد منه قوة وصلابة؟

انها لأيام حبلى، وان غدا لناظره قريب.

رأي القدس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق