الأربعاء، 17 فبراير 2016

للتاريخ... فبراير لم تكن مؤامرة ولم اتبرا منها



 للتاريخ... فبراير لم تكن مؤامرة ولم اتبرا منها



  عبدالرحيم الجنجان


17/2/2016



ثورة فبراير لم يكن اسمها "مصطفى عبدالجليل ولا محمود جبريل و لا شلقم ولا الدباشى ولا غوقة ولا كل المتسلقين"... ثورتنا ليست شخصاً بعينه ولا كانت لاقتحام باب العزيزية ولا مشاهدة حكيم بالحاج ولا غيره من القافزين والمجرمين... ولا هى كانت مجرد شعارات نكتبها على جدران محكمة بنغازى وساحات مدن برقة او كلمات لأغنية سوف نبقى هنا... ثورتنا كانت فعل اجتماعي شعبي مضاد للقهر والفقر والظلم والتخلف وغياب العدالة وتفضيل مدن وقرى عن مدن أخرى وتقديم فرص عمل ودراسة لنخبة من المطبلين، وبالتالي فإنني لست ممن يكفرون بثورة فبراير، أو يندمون عليها، لن أندم على ثورتنا فى فبراير ولا أعتبرها (مؤامرة) مثل بعض الذين تراجعوا من النادمين الذين حنوا لحكم القهر والتخلف. او ان ثورة فبراير سحبت البلاد إلى الخلف.
لن أندم على حملى للسلاح فى ثورة الحدس الشعبى الجماهيرى لمخاطر التردى فى حكم مكاتب الاتصال وعّربى المدرج الاخضر والمسوقين للجهالة ولا أعتبرها "انتفاضة للسارقين او ثورة الحبوب المهلوسة كما يدعون" اتباع من شدد قبضتة على الحكم وأسس لدولة الأمن المركزي وحكم الفرد من غير الوطنيون وآخرها محاولة الوراثة.
لن أندم على ثورة فبراير ولن أعتبرها "مؤامرة" جاءت بالإخوان لحكم ليبيا او الدواعش او الارهاب... لن أندم على ثورة فبراير ولا أعتبرها مؤامرة مضادة لتُعيد اى حكم قديم ومن البديهى أنه عندما تحدث ثورة لابد أن يندلع الصراع بشأن الاتجاه الذي تذهب إليه.. لا ثورة بلا شعب وحاضنة إجتماعية كما أنه لا ثورة بدون دوافع وغضب شديدة ضد وضع فاسد ومهترئ، لا ثورة بلا أمل في جديد يزيح عن عيوننا قبح ما كان ويزيح عن أنوفنا عفونة ما طال، ويزيح عن ظهورنا تشوه انحناء مذل وسياط ظلم وقمع وإفقار وتسلط، لا ثورة بلا وعي (فردي وجماعي) بما نريد، وبما لا نريد.. بما لا نريد أن يبقى من مساوئ، وبما نريد أن نؤسس عليه من قيم جديدة رفعت فيها فبراير شعاراتها ورويناها بدماء إخواننا ولابد من ليبيا وإن طال النضال ولابد لنا من هدم قلاع الفساد وإزاحة الفُساد، وإسقاط رموز الانتهازية للخونة والمتسلقين وسحق التبعية الطفيلية للإخوان والارهابيين، وفق قيم اجتماعية جديدة ومؤسسات جديدة ودستورا نرتضيه ينظف المجتمع بضوابطه وينظمه ويغرس فيه زهور الأمل والعدل والمساوة وتكافؤ الفرص ومعايير الاختيار لمجتمعنا المنشود، وإنى على يقين من حدوث هذا وإن كان على المدى البعيد سوف يحدث هذا في البيت والشارع والمدرسة.
فالثورة حدثت فى فبراير2011م. ومازالت هي القضية الرئيسية في بلادنا رغم انف من أنكرها.. او سفهها.. او تنصل منها.. او جحدها.. او من نسب جديد لنفسه دون غيره لتكون الثورة ملكه وحاول تغيير تاريخها تحت إسم ثورة تصحيح المسار.. أو غيرها من المسميات.
إنى أراها واضحة في الصراع الذي يدور عنيفا في كل مكان الآن: على ساحات القتال والشاشات، وداخل أسوار المعسكرات والقاعات والمؤسسات ونقاشات النخب وعوام الناس فى الخيام والاجتماعات القبلية وعند مشايخ قبائلنا ومقدميها وزعاماتها... اراها لدى المهجرين فى الداخل والخارج والنازحين كما انى اراها لدى المليشيات والجلادين وارى الرعب فى عيون الظالمين والقتلة والسارقين.
ولذلك لن اندم على فبراير ولا أرضى أن يحدثني أحد على أن ثورتنا كانت خديعة وضحك على الذقون، ولا أحب أن يبتسم محدثي بخبث وهو يدعي الحكمة بأثر رجعي ويقول شامتاً انتم من اتى بالناتو والإخوان والارهاب.
نعم سوف نمضي في طريقنا نحو هدف لن نتنازل عنه، ونعرف أن الطريق مظلم، ومهجور، ومليء بالأوحال والعقارب والذئاب واللصوص والمتسلقين وسماسرة الاوطان، وأيضا بالمخاطر والتضحيات. لكننا سنمضي، فلا طريق للمستقبل غير هذا الطريق الصعب. قد نتعطل أمام عقبة لا نتجاوزها إلا بحجارة صماء ولنسد بها هوة قد تقطع الطريق، قد نجعل للحجارة فضلا فى تجاوزنا لتلك الحفرة او العقبة، لكن لن تكون أبدا قائدة الطريق فى ثورتنا... قد نحتاج إلى مصباح صغير، وحيلة في مواجهة لص او لصوص، او استعداء عصابة على أخرى، لكن هذا لا يعني أبدا التسليم لِلصوص الطريق.. وبأنهم أصحاب حق في تحديد مسارنا ولا اتجاهنا، هذه ظروف اللحظة، ولابد أن نتجاوزها، هذا طبيعي جدا، فمن المؤكد أن تنظيف طريق الثورة يستوجب انارته وتكاثر الناس فيه، ليكون مضادا لمصالح لصوص وذئاب الطريق وأدعياء الثورة وممن شكل كتائب ثوار وأنتسب للثورة بعد 19.03.2011 والاخوان ومن يدور فى فلكهم (جماعة الأجندات ووجبات الكنتاكي والمقزر).
المهم أن العالم عرف أن مجتمعنا إستيقظ صباح 15 فبراير 2011 متطهراً من أوساخه، نقياً من عيوبه... ونحن نعلم بأن القوى الغير وطنية المضادة لثورة الشعب فى فبراير نظمت صفوفها، وشحذت طاقتها وأعدت أسلحتها لصراع انتقامي ظلامى خارج دائرة الوطنية لتقضي من خلاله على فكرة ثورة فبراير، وتضع العراقيل فى طريقها، وتشوه صورتها، وتهدم ما تحقق منها في المعنى.
علينا بإعادة حالة الفرز بين قوى الوطن ومن يدعى الوطنية ومافيا المال والسَراق والقوى الدولية المضادة لبلادنا، ومنع تجريف الوعي الوطنى نتيجة احتكار وسائل الإعلام والتوجيه، ومحركات قوة التشغيل الإخوانية بما توحي به من مشاعر زائفة لمصلحة المواطن البسيط، الذى قد يتصور أن مصالحه الخاصة تتطابق مع مصالح من يستغلونه، فيقف في صفهم، ويدافع عنهم، سواء بأجر، أو بحسن نية ويؤدي به إلى مسار الصدام.
إن ثورة فبراير ثورة الاهداف النبيلة، معرضة للسطو والتشويه والاكتفاء بالتجمعات او النقد او بصراخ البعض والاستغاثة لا يكفي لكي تكلل طريقها بنجاح، بل يجب أن تكون ثورتنا برؤية اجتماعية وليست فردية لتكون أعقل لتعايش سلمى اعم بعيدا عن التحيز والاقصاء.
ما يزعجني في نفسي، أنني لا أحب توجيه نصائح مباشرة، ولا يعجبني أن أرتقي المنصات او مخاطبة الشاشات مدعيا الحكمة، فقد راهنت دائما على الشعب وخاصتا ابناء مدينتى بنغازى التى اتشرف انى احد ابنائها ولا ادعى امتلاك الحقيقة، فالسلوكيات الخبيثة والمخجلة لا تنسب لمدينة بنغازى حين خرج شعبها فى فبراير 2011 كما انها ليست من قيم اهل المدينة ولا الثورة التي عشتها مع ابناء مدينتى لمجتمع يستحق منا الأنبل والأفضل... فالثورة عندي ليست صراعا على السلطة، بل صراع مع السلطة، ليس (دائما) بهدف إطاحتها او نقدها، ولكن بهدف أن تعمل كخادمة للشعب صاحب الحق ومانح السلطات.
إن استئثار السلطة بالكلمة والفعل والاتجاه هو أكبر انقلاب للقيم في تاريخ البشرية، ونحن نسعى لتصحيح هذا الوضع، وإعادة الحقوق لأصحابها، وثورتنا في هذا تعبئة الشعب من أجل استرداد حقه، وحقه ليس السلطة، بل منح السلطة لمن يعمل بكد وصدق لتحقيق مطالب الشعب، ونزعها ممن يتصور أنه الآمر الناهي المتحكم في مصالح وطموحات الشعب وإن غدا لنظاره قريب وقد قال لى الكثير ان الموضوع مؤامرة والموجة عالية اكبر منا وممن يقودون المرحلة فى أكثر المشاهد كرتونية في تاريخ الثورات وليس من الحكمة ركوب البحر وقت الأعاصير.
إن مرحلة “الموجة عالية” والتسويق بان ثورة الشعب مؤامرة سوف يسجلها التاريخ بأحرف من طين، متعجباً ممن قالوا هذه الجملة ولم يستكملوها.. فهي مقولة تحتاج إلى استكمال.. “الموجة عالية ولن ينفعنا فيها قارب.. علينا العودة للسفينة القديمة، ولنصبر على ذلك وإن سخر منا من سخر!! فإذا كان اعتقادكم بأن الموجة عالية، اقول لكم أن الثورة غالية وتضحياتها باهضة، تنبض بها قلوب كثيرة، وتمثل أحلام جيل أقسم ألا يتخلى عنها. ليس مثل الذين خانهم التقدير لما رأوا الأمواج، لم يفكروا في كيفية اتقاء الموج، والحفاظ على الثورة والإشادة بتضحياتها، واكتفوا - بالتبرؤ إبراء للذمة - دون أن يفكروا جدياً في كيفية إدارة معاركة على المدى البعيد وإن كانت للنقد فقط.
لن أتبرا من فبراير ولا ممن شاركنى فيها... ولابد من ليبيا وإن طال النضال...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق