الأحد، 4 يناير 2015

يحدث فى برلمان وحكومة طبرق كما حدث فى النظام السابق والمثل الشعبى !!

يحدث فى برلمان وحكومة طبرق
كما حدث فى النظام السابق


والمثل الشعبى !!
 
وزّع اللحم وأعرف وجوه التريس


المهندس / فتح الله سرقيوه


من لا يفهم فى حركة التاريخ وحركة المجتمع لآى شعب كان على وجه الأرض ، صعب عليه أن يتزعّم أو يقود هذا الشعب ولو لفترة وجيزه ما لم يكن ملماً بعادات وتقاليد هذا الشعب المُتعارف عليها ويعرف معانيها وتفسيراتها ، ربما  المثل الشعبى (وزّع اللحم وأعرف وجوه التريس) من أهم الأمثلة الشعبيه الضاربة فى عمق تاريخنا الشعبى والموروث الحضارى ولا يمكن أن نفصل بينه وبين ما يعتقد أنه صحيح أو غير ذلك من خلال ممارساته اليومية وعلاقاته مع بعضه فهذا المثل أردت أن أضعه كعنوان لمقالتى هذه لعل البعض يدركون ما أعنيه بأن شعبنا إلى جانب موروثه الحضارى مرت به حقبة من الزمن تجاوزت الأربعة عقود ، ترسّخت فيها الأنانية بأبشع صورها من خلال ثقافة (أنا وبعدى الطوفان) .

 هذه الثقافة من الصعب أن ننسلخ منها بسهولة لأنها كانت المرجعية السياسية فى تولى المناصب فى النظام السابق الموزعة بطريقة (الحصص) أو القرعه ، فكل منطقة من مناطق ليبيا تعلم  ان نصيبها سيكون (أمانة كذا ، وزارة  كذا ) حتى أن البعض إعتقد أن تلك المناصب موزعة بطريقة مكانية وجهوية وقبلية ولا للأقليات نصيب فيها ولا للمدن المكروهة من النظام فى تلك الفترة الزمانية حصة أو مكان ، وكل قبيلة كانت تعلم جيداً أن قرعتها فى الحكومة العليا على مستوى طرابلس العاصمة  أو حكومات المناطق  ثابته حتى أن البعض أصبح يُعلن بأن تلك (الأمانة) الوزارة قرعتنا ولا يجوز لأحد أن يتعدى عليها وكل من يريد مصلحة من هذه الأمانة كما كانت تُسمى عليه بالإتصال والإستجداء  وتقديم الولاء والطاعة  لتلك القبيلة والتقرب منها لكى يُنهى مصلحته ، حقيقة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها أو ينفيها أو يقول أنها لم تحصل فى زمن النظام السابق .

أعود بكم عبر التاريخ وبالتحديد فى العقدين الأولين من دولة الملك الصالح محمد إدريس السنوسى الذى كان صالحاً بمعنى الكلمة حيث كانت الحرية والديمقراطية فى أسمى معانيها ، حكم  مجلس الشيوخ ومجلس النواب والحكومة التى تُعتمد بموافقة هذه المؤسسات السياسية الديمقراطية ومباركة من الملك المؤمن الذى يتبارك به الليبيون فى كل أرجاء الوطن ، وهنا أقول أن القبيلة كانت تحترم نفسها فى إطار القانون ، وليس عيباً أن تُطالب القبيلة بحقها الإجتماعى والسياسى بتمثيلها فى مجلس النواب مثلاً آن ذاك من خلال صناديق الإقتراع وبكل شفافية وديمقراطية ، أى أن ذلك المثل الذى بدأت به مقالتى كان يُجسد بطريقة ديمقراطيه وليس المحاصصة أو التحيز أو تجاهل البعض ، وسفينة الحكومة فى الأوقات الراهنة بالذات لا بد أن تحمل على ظهرها الكل بدون إستثناء وخصوصاً إذا كان ذلك الإستثناء مقصوداً المراد منه إقصاء هذا أو ذاك ولكن ليس بطريقة توزيع اللحم وتكليف الوزارت والكراسى والمناصب لمن هم أهم أو أكثر عدداً أو بسياسة الترهيب والتلويح بالسلاح للحصول على ما يريدون ويكون لهم ذلك فى ظل إستخدام عبارة (أعرف وجوه التريس .. وإلا ).

حتى لا أبتعد كثيراً فقبائلنا قبل إنقلاب النظام السابق لم تكن تُطالب صراحة بتمثيلها فى الحكومة أو مجالسها الديمقراطية بل كانت تتفاخر فيما بينها أن لديها من أبنائها من يحملون الشهادات وربما تلك الشهادت العلمية التى لم تصل إلى درجة الشهادات العليا فى تلك الفترة بما يُسمون  (التكنوقراط) كما فى أيامنا هذه ، ولكن الأربعة عقود فى عهد نظام القذافى جعلت من مجتمعنا شبه مُتفكك ومُتناحر أحياناً بسبب ما كان يسمى (السلطة الشعبيه) الموجهة من قبل القذافى نفسه والذى يملك مفاتيحها ويديرها من خلال أتباعه من أصحاب الطاعة العمياء إلا القليل ، والذين  كان يستخدمهم فى نشر الفتن بين القبائل والمدن والقرى كلما يشعر أن هناك تقارب إجتماعى بين هذه القبائل والعائلات وكم من مشاكل وصلت إلى درجة التقاتل  بين أبناء المدينة الواحدة والقبيلة الواحدة والقرية الواحدة بسبب ما كان يُسمى التصعيد ، حقاً إنه وتر من أوتار الشر لعب عليه النظام السابق وإستخدمه فتيلاً لإشعال نار الفتنة والتفرق .

ولو تذكرتم معى خصوصاً فى المنطقة الشرقيه كيف كانت تُوزع المناصب الحكومية وبطريقة المثل الشعبى (وزّع اللحم وأعرف وجوه التريس) حيث تحولت الميزانيات المحدودة وهى من بقايا الأموال التى لا تفى بحاجة أى مدينة أو قرية لتأسيس مشاريع عامة ، وهو ما جعل هذه الأموال تختفى وتضيع فى إطار الخلافات المحلية وما يصاحبها من رشاوى وعمولات وإحتفالات فى غير طاعة إلله تعالى .

حدثنى أحد ممن كان لهم دوراً فى تلك الفترة فى توزيع المهام والمناصب لفك الإرتباط والنزاعات بين القبائل .. فقال .. فى إحدى إجتماعات توزيع المناصب يوماً ما ، حيث قال أحدهم فى إجتماع التوزيع للكراسى (نريد البقرة وراعيها) فتوقف الجميع عن الكلام ينظرون إلى بعضهم البعض ومن خلال هذه الدهشة .. قال لا تندهشوا فإن البقرة (منصب المالية) وراعيها (الرقابة الإدارية) وعندما إستغول أحدهم بقوة قبيلته مطالباً بأكثر من منصب يرد عليه البعض من الحاضرين (أشرب ومد القدح) أى خذ نصيبك وأترك لغيرك نصيبهم … هذا قليل من كثير ولم ولن نرضى لأى مسؤول فى الدولة أن يجعل من المحاصصة أو المثل عنوان مقالتى مرجعية فى إختيار حكومته أو وزارته  أو إدارته ، ولكن نقول لهم ،، إن شعبنا يحتاج إلى التواصل مع مسؤوليه والحديث معهم والشرح لهم أن نظام القذافى وما رافقه من تجاوزات ونهب وأخطاء وإستغوال وتهميش لن ولم تكون لثقافة ذلك النظام المنهار أى صلة بمستقبل ليبيا وتحدياتها المستقبلية .

وأن الشباب الثوار الذين إنتفضوا وأسقطوا القذافى ونظامه وصمدوا لأشهر يواجهون الموت من أجل تحرير الوطن لا يمكن أن يتم تجاهلهم أبداً فهم القوة الرادعة وأصحاب الجرأة على تحدى الصعاب ولا ننسى جميعاً أن (المصائب محك الرجال) ، ولذلك لنبدأ الآن من تجهيز شبابنا ممن شاركوا فى الثورة حقيقة من الأطباء والمهندسين والإقتصاديين والمثقفين وغيرهم ممن لا تتجاوز أعمارهم الأربعة عقود وهم الذين بدأوا حياتهم أطفالاً فى ظل  نظام معمر القذافى  وعاشوا شبابهم فى ظلم وحرمان  وإستبداد وسجون وقهر  فهم أولى من غيرهم بقيادة هذا الوطن وأن يتم تسليمهم المهام بمجرد إنتهاء فترة الإنتقالية عندما يكونوا جاهزين لذلك وأعلموا أنهم سيكونون أحرص من أى كان على مستقبلهم ولن يكون يومها للمثل (وزع اللحم وأعرف وجوه التريس) قيمة إعتبارية لأن كل أبناء الوطن رجال وتريس بمعنى الكلمة… والله من وراء القصد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق