الأحد، 16 نوفمبر 2014

المرحوم الحكيم / صالح عبدالله الشيخ رجل من رجالات الوطن الذين نسيناهم ..!!

المرحوم الحكيم  / صالح عبدالله الشيخ

رجل من رجالات الوطن

الذين نسيناهم ..!!




المهندس / فتح الله سرقيوه

 

رجل من رجالات درنه ومن إحدى عائلاتها الطيبة التي يعود نسبها إلى (الأشراف)  تواجدت  فى هذه المدينة منذ ما يقرب من (600) ستمائة سنة عُرفت هذه العائلة بحفظ كتاب الله وإتباع سنة سيد الخلق محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وأحكام الدين الإسلامي، فهم من أهل الذكر ومن مُريدي الزوايا الصوفية،  هذه العائلة من العائلات التي أعطت المرأة حقها الشرعي في الإرث تطبيقاً لحدود الله في زمن إنتشر فيه الجهل وغياب الواعز الديني ، ولدى العائلة وثائق عرفية وعقارية تؤكد ذلك علماً بأن توريث المرأة كان منذ زمن ليس بالبعيد غير مستحب عند بعض قبائل المنطقة وعائلات معينة بدرنه ويعتبرونه هدراً للممتلكات وهذا مخالفاً للشريعة الإسلامية وما نص عليه القرآن الكريم غير أنه بعد انتشار التعليم والوعي الديني تغيرت تلك النظرة المتخلفة للمرأة وحقوقها الشرعية.


الحكين الشيخ

المرحوم / صالح عبدالله الشيخ كان طبيباً شرعياً بالفطرة

لم يوفد إلى أمريكا أو بريطانيا أو تركيا فى تلك الفترة

بل كان بتوفيق من عند إلله رجلاً مؤمناً مناضلاً يكره

الإستعمار ويحب وطنه ومن أسرة

مجاهدةولذلك سجل أروع البطولات .


كنت قد نشرت موضوعاً في السابق تحت إسم (مسطبة الرشيد ومحلة المغار) وتحدثت فيه عن ما تعرضت إليه هذه العائلة الكريمة وتحديداً في سنة 1702 م عندما رفضوا دفع الضرائب (الميرى) والذي اعتبروه ظلماً وطغياناً مما أدى إلى تشكيل محكمة لهذه العائلة حكمت (بذبح !!) (16) رجلاً من هذه العائلة ومصادرة أملاكهم لا لشيء إلا أنهم قالوا ربنا الله ، وأن الدين الإسلامي لا يأمر بالظلم، وقد أصبحت تلك الحادثة المروعة المؤلمة في عالم النسيان وانتهت حيث انتهت تلك العهود الظالمة المظلمة ولم يعد يتذكرها أبناء هذه العائلة إلا بالدعاء والرحمة لذويهم الذين راحوا ضحية من أجل الحق والعفو والمغفرة لمن كانوا سبباً في ذلك.

ولا ننسى حادثة قصف القوات الإنجليزية لمقر القوات الألمانية (فندق الجبل الأخضر حالياً) في نهاية الحرب العالمية الثانية حيث أصيب بيت آل الشيخ بمحلة المغار وراح ضحية ذلك أكثر من (12) شهيداً.


هذا الرجل الذي أردت التحدث عنه هو المرحوم / صالح عبد الله الشيخ طيب العيشه أو التمرجي كما يُسميه البعض أو الحكيم عند البعض الآخر، ولد المرحوم في سنة 1906 م في بيت متواضع من بيوت محلة المغار وتعلم القرآن وحفظ أجزاء منه في كتاتيب الحي كغيره من الأطفال ونظراً لفطنته المبكرة وضعه والده في مدرسة الرشدية التي أقامها (رشيد باشا) في فترة العهد العثماني الثاني ذلك العهد الذي حاول أن ينُصف الليبيين لما تعرضوا له من مآسي في فترات متلاحقة من حكم الأتراك.

إنها البداية ولكل بداية نهاية إلا التاريخ المشرف وصفحاته البيضاء الناصعة حيث تُحفر في ذاكرة الأجيال تسطع كشمس الظهر في ربيع الوفاء لأهل الوفاء.


لقد كان حديثي مع أحد أحفاده الأستاذ / عثمان حسين صالح الشيخ شيقاً وله شجون حيث سارع بدعوتي إلى بيتهم القديم وما هي إلا لحظات حتى وضع أمامي رزمة من الوثائق والمستندات المتعلقة بجده وقال لي نحن لا نتكلم من فراغ وفعلاً بدأت أتصفح تلك الوثائق وعندما رآني اندمجت في قراءتها من خلال نظرته الثاقبة، استأذنني لدقائق ثم جلب معه صندوق قديم وبدأ في إخراج المعدات والأجهزة الطبية البسيطة وقال لي هذه التي كان يستخدمها جدي في معالجة المجاهدين .. وهنا توقفت قليلاً وقلت له أريد المزيد حول هذا الموضوع فوالله عندما أسمع أو أقرأ عن من شاركوا في حركة الجهاد بالنفس أو المال أو الدعم اللوجستى أو العلاج أو أي مجهود كان .. أقف إجلالاً لاؤلئك الأبطال الأشاوس الذين ناضلوا من أجل الوطن في صمت فهؤلاء ليس لديهم بطاقات (VIP) ولا فيزا كارت للصرف خارج الوطن ولا حسابات هنا أو هناك ولا ينتظرون جزاءً من أحد ولا ثناءً ولا تكريماً إلا نيل الشهادة فى سبيل الله والوطن والقيم والمبادئ السامية.

الشيخ صوره 1

لقد استرسلنا فى ذلك الحديث الشيق حديث عن الشرفاء حديث عن أبناء الوطن العظام حديث ليس من أجل مصالح شخصية ومنفعيات ذاتية أو البحث عن مناصب ومهمات.

بل هو حديث من أجل الوفاء لمن أعطوا وليس لمن نهبوا وسلبوا ودمروا وخربوا حديث من أجل من شاركوا في تحرير الوطن لتعيش الأجيال القادمة في أمن وأمان وليس حديثاً من أجل من تآمروا عليه وشوهوه.


صورة الشيخ 2

لقد طلبت من حفيده أن يحدثني عن تلك الأحداث وكيف كان جده يقوم بمعالجة جروح المجاهدين خفية خوفاً من المخبرين والجواسيس. فقال….


لقد تعلم المرحوم الحكيم الشيخ كما نُسميه نحن في عائلتنا، أساسيات ومبادئ العلوم الطبية وهو صغير السن وأستطاع أن يتميز لما له من قدرة ذهنية صافية ، إضافة إلى تعليمه الديني الذي أعطاه القدرة على رفض المغتصب الإيطالي للوطن وهنا ما جعله يوافق على العمل في مستوصف صحي بالقرب من بيته يديره الإيطاليون نتيجة لمعرفته لأساسيات التعليم الطبي وقد كان ذلك في نهاية 1918 م حيث لا زال شاباً في مقتبل العمر مما مكَّنه من تقديم أفضل الخدمات الوطنية وهى إمداد المجاهدين بالدواء الذي كان يوفره بطريقته الخاصة التي لم يعرفها أحد إلى يومنا هذا ! ويقوم بالكتابة على الأدوية باللغة العربية بعد ترجمتها وخصوصاً دواء (تطهير الجروح ومضادات السموم)، وينقلها بنفسه إلى أماكن محددة لاستلامها من قبل المكلف بذلك.


صورة الشيخ 3

صدقوني .. لم اكتفى بذلك ولكنني طلبت المزيد من الأحداث التي يتذكرها الحفيد عن طريق والده وما لديهم من وثائق دالة. فقال ….


لقد كان حلقة الوصل بين المرحوم الحكيم / صالح عبد الله الشيخ وحركة الجهاد .. المرحوم المجاهد الصالحين بوالقاسى المنصورى الذي كان يتفق معه على مكان وضع الأدوية وعادة ما تكون بين منطقة عين مارة ووادي درنه وفى إحدى المرات كاد أمره ينكشف نتيجة لوشاية من أحد المخبرين ولكن الله سبحانه وتعالى سلَمه من ذلك المخبر ووشايته.

وما يجدر بالذكر أن المرحوم الطبيب / صالح الشيخ قام بنفسه بمعالجة الشهيد / عوض العقاب الغيثى أو العبيدى كما هو معروف في حركة الجهاد عندما أصيب في إحدى المعارك الشرسة في ساقه حيث جاءه ليلاً المرحوم / بوالقاسى المنصورى وليس من عادته أن يأتيه فجأة ثم أخذه على عجل لمنطقة عين ماره وكان ذلك لإجراء عملية جراحية لاستخراج رصاصة من ساق الشهيد العقاب، وقد كان الشهيد العقاب يتحدث معه باللغة التركية ويبادله المرحوم الشيخ بنفس اللغة التي يجيدها حيث تعلمها في مدرسة الرشيدية ويضيف الحفيد أن جده كان يقول رحم الله الشهيد العقاب فلم أرى في حياتي أشجع من ذلك الرجل وفى تحمله للألم.

علماً بأن الشهيد العقاب أصيب مرة أخرى وقام بعلاجه ولكن في المرة الثالثة هي التي أستشهد فيها ذلك البطل بعد حياة حافلة بالجهاد والبطولة المشرفة وهو من شارك في معركة القرضابيةالشهيرة.

لقد تعرض المرحوم الطبيب الشيخ للعديد من المآسي والتي كان أخطرها .. تعرضه للمحاكمة بتهمة تزويد المجاهدين بالأدوية ومعالجة الجرحى بنفسه ولكن الله نجاه من أولئك الوشاة الذين يتعقبونه ليل نهار ولا شك أن الله سبحانه وتعالى يدافع عن الذين آمنوا. وكيف لا ؟؟ وهذا الرجل المؤمن بقضية وطنه ينحدر من سلالة شريفة.

ولا أنسى أن المرحوم صالح الشيخ كان بمثابة الطبيب الشرعي للمنطقة لبراعته في كشف الإصابات القاتلة وهذا ما تؤكده الوثائق حيث رأيت من واجبي أن أنقل إليكم ما قرأته في تقرير كتبه بخط يده يقول فيه..


صورة الشيخ 4

(نشهد أنا الموقع أسمى أدناه يصفتي طبيب بأنه في عام 1926 ميلادية قد كلفني مدير عين ماره وبعض المشائخ بأن أتوجه معهم إلى المقبرة لأجل إجراء عملية تشريح لجثة رجل متوفى يدعى …… من قبيلة ….. وقد بينوا لي أهل المتوفى الموضع الذي يرغبون في تشريحه فأنزلت الموس في الدفة اليمنى ما بين الإصبع الثالث والرابع إلى الظهر فوجدت داخل جوف الميت ثغرة في منبت الصوابع من سلسول (العمود الفقرى) الظهر ولها عيون تنبع بالقيح (الصديد) نازل على الكبد ولآجل ذلك أعطيت هذه الشهادة والله خير الشاهدين). رغم بساطة التعبير الذي أستخدمه المرحوم إلا أنه أستطاع أن يشخص الحالة دون أن يتحصل على شهادات جامعية أو الماجستير والدكتوراه من جامعات العالم أو بعثات وإيفاد على حساب الدولة بل كانت جامعته هي الحياة القاسية والطبيعة الصعبة المحيطة به التي تعلم منها الكثير وإيمانه بالله وبقضية وطنه فوق كل اعتبار.


صورة الشيخ 5

إن الخدمات الوطنية والإنسانية التي قدمها هذا البطل لا تعد ولا تحصى فقد أصيبت درنه والمناطق المحيطة في سنة 1927 م بداء الجدري وقد أطلعت على قوائم ممن قام بتطعيمهم ضد ذلك المرض الخطير وكان يتحمل المشاق والسفر مستخدماً الأودية والطرق التي لا تصلها العيون والمخبرين لكي يقدم الخدمات لأبناء وطنه من المجاهدين والأهالي يوم كان ذلك يعتبر في القوانين الإيطالية جريمة تصل إلى حد الإعدام.

رحم الله ذلك الوطني المجاهد في سبيل الله والوطن الذي لم ينتظر الجزاء إلا من خالقه ورحم شهدائنا الأبطال الأشاوس وكل من ضحى في سبيل القضايا الوطنية من أجل رفع كلمة الله والدفاع عن الدين الإسلامي (وعلى أرواحهم سورة الفاتحة).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق