الأحد، 15 سبتمبر 2013

تقرير ليبيا في خطر في مرحلة ما بعد القذافي


تقرير

ليبيا في خطر

في مرحلة ما بعد القذافي

15/9/2013
 
e4376ffb4de1658e86e22aa32b8a8514[1]

مضى عام واحد على مقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز وثلاثة آخرين من أعضاء السلك الدبلوماسي الأمريكي، وليبيا ترزخ تحت وطأة العديد من التوترات. فبالإضافة إلى المشاكل السياسية والأمنية غير المستقرة التي أضعفت الدولة الليبية، تعاني البلاد من إخلال حاد في إنتاج النفط وصادراته مما حرمها من إيرادات مالية يصعب تعويضها. ومن المحتمل أن يكون هذا المزيج كارثياً ليس فقط لليبيا ولكن لجيرانها أيضاً.

الفشل في الحكم والإدارة

إن الظروف التي تمر بها ليبيا حالياً هي نتيجة لديناميكيات متعددة أهمها على الإطلاق افتقارها شبه الكامل للحوكمة الرشيدة. فـ “المؤتمر الوطني العام” كيان به عيوب هيكلية – إذ لم يكن الغرض منه مطلقاً أن يصبح برلماناً بل كان من المفترض أن يعمل فقط كمجلس لصياغة الدستور، أو في أحسن الأحوال الهيئة التي من شأنها أن تعين مثل هذا المجلس. ونتيجة لذلك، فهو الآن كيان قائم دون هدف واضح أو مسؤوليات محددة.

كما أن الخليط من التكتلات الحزبية والمرشحين المستقلين داخل “المؤتمر الوطني العام” هو أيضاً إحدى المسائل المثيرة للجدل. فحتى لو قامت جميع الأحزاب السياسية الممثلة بتكوين ائتلاف، فإنها مع ذلك ستبقى دون أغلبية وسينبغي عليها أن تستميل أعضاء مستقلين في كل مرة تريد فيها تمرير أي تشريع أو قانون. ومما يعقد المشكلة بصورة أكثر أنه ليس لدى أي من أعضاء “المؤتمر الوطني العام” خبرة سابقة في التشريع. كما أن بعضهم كانوا منشقين سياسيين؛ بيد، إن ذلك ليس بديلاً عن الحاجة إلى سن قوانين ولوائح.

ونتيجة لذلك، ليس بيد “المؤتمر الوطني العام” مقاليد الحكم، وحتى أن القوانين التي قام بتمريرها لا يتم تنفيذها إلا على نحو متقطع. وتشمل هذه قانون “العزل السياسي” المعروف والمثير للجدل بشكل كبير والذي كان من المتصور أن يطهر الحكومة من أتباع النظام السابق؛ بيد لم يجري حتى الآن تفعيل هذا القانون.

كما أن الجدل الدائر حول الدور السياسي للإسلاميين ساهم أيضاً في تمزيق صف الحكومة. وعلى وجه التحديد، لا يجد “حزب العدالة والبناء” المنتمي لـ جماعة «الإخوان المسلمين» غضاضة وحرج في انتقاده لرئيس الوزراء الأكثر علمانياً على زيدان، رغم أن ذلك لم يصل إلى حد المطالبة باستقالته أو تنظيم طرح تصويت بحجب الثقة عن “المؤتمر الوطني العام”. وربما يرى رئيس “حزب العدالة والبناء” محمد صوان أن انتقاد حكومة زيدان من الخارج هو أيسر وأسهل من تولي مقاليد الحكم لاسيما وأن الحزب سيرث نفس الاختلال الوظيفي والهيكلي الذي يعاني منه “المؤتمر الوطني العام” والذي أضعف حكومة زيدان.

وعلى أية حال، كانت الانتقادات التي وجهها “حزب العدالة والبناء” للحكومة تكبل يديها، الأمر الذي أجبر زيدان و “المؤتمر الوطني العام” على تكريس المزيد من الوقت للشؤون والآراء السياسية أكثر من الوقت المكرس لسياستهم في الحكم.

صعود الفيدرالية

حتى لو استطاعت الحكومة الليبية ترسيخ أقدامها في السلطة بشكل سريع، فستواجه ليبيا تحديات صعبة تخص الفيدرالية والتي كانت إحدى الأفكار التي تولدت من رحم الثورة ولكنها نضجت في جزء كبير منها نظراً للقصور والخلل من قبل زيدان و “المؤتمر الوطني العام”. وترى مناطق برقة وفزان وجبل نفوسة التي عانت من الإهمال إبان حكم معمر القذافي أن الحكومة المركزية ملزمة بتوجيه موارد إضافية إليها من أجل تصحيح أخطاء الماضي. وعلاوة على ذلك، ما زالت هذه الأقاليم مستمرة في فقد ثقتها العميقة في حكومة طرابلس وأصبحت أقل اقتناعاً بأنها ستحمي مصالح هذه المناطق.

ونتيجة لذلك، تشتد وطأة التوترات الفيدرالية مع إعلان برقة وفزان عن استقلال إقليمهما عن الحكومة المركزية. فبرقة تمتلك تحالفاً قوياً ومستقلاً عن المليشيات، كما أن زعماء مجموعات قبلية وعرقية في فزان قد عبروا عن دعمهم الصريح لأي مبادرة جديدة خاصة بالاستقلال الذاتي، بإدعائهم أنهم فقدوا الصبر مع طرابلس. وكلما كان زيدان و “المؤتمر الوطني العام” أقل قدرة وكفاءة على الحكم، كلما زادت مثل هذه النزعات.

انقطاعات امدادات النفط

مما يجعل الأمور أكثر سوءاً، هو ما تواجهه الحكومة المركزية من عجز في الإيرادات. فبعد أن أدى زيدان اليمين الدستورية عاد إنتاج النفط الليبي بشكل سريع في عام 2012، وظل في ذلك العام وفي الأشهر الأولى من عام 2013 في مستويات ما قبل الحرب. ومع ذلك رأت العديد من الدوائر مؤخراً أن قطاع النفط والغاز هو الخاصرة الرخوة للحكومة الليبية. فمن خلال استهداف مناطق إنتاج وتصدير النفط، استطاعت هذه الجماعات ممارسة الضغوط على الحكومة التي لم تكن على قدر المسؤولية مع حجم هذه الجماعات أو في التعاطي مع فداحة ما قدمته من شكاوى. وأصبحت الاحتجاجات والإجراءات العمالية والاعتصامات وقطع الطرق أكثر شيوعاً خلال الربيع الأخير وأوائل الصيف.

وبحلول تموز/يوليو وصل التأثير المتراكم لهذه الأحداث إلى مستوى الأزمة في الوقت الذي انخفضت فيه صادرات النفط من 1,3 مليون برميل يومياً إلى أقل من 200,000 برميل. ووفقاً لـ “مؤسسة النفط الوطنية” في ليبيا، فإن هذه الانقطاعات قد كلفت البلاد خسارة تقدر بخمس مليارات دولار من الإيرادات كما أن إنتاج النفط عانى منذ ذلك الحين من بعض المعوقات المستمرة.

وتتنوع أسباب هذه الانقطاعات من مخاوف مادية (المحتجون الذين يطالبون بتوفير وظائف لهم) إلى أجندات سياسية (المحتجون الذين يمارسون ضغوطاً على طرابلس للإذعان لمطالب الفيدراليين). وفي ضوء تباين الأسباب، تبذل الحكومة جهداً كبيراً لصياغة استجابة سياسية متسقة من شأنها العمل على استعادة قطاع إنتاج النفط والغاز لعافيته. فلو أذعنت طرابلس واستجابت إلى أي مجموعة واحدة من المطالب، فربما قد تكون مضطرة للإذعان إلى غيرها من المطالب المتعددة. وبناءً على ذلك لا تفعل الحكومة شيئاً يذكر أكثر من الحديث عن المشكلة، وحرمان الدولة من المزيد من العائدات.

الشواغل الأمنية

بالإضافة إلى المساس بتطلعات الشعب الليبي نحو الديمقراطية والرخاء الاقتصادي، تركت إخفاقات الحكومة خلال العام الماضي مساحة أكبر للجماعات الجهادية للقيام بسلسلة من العمليات بدءاً من مأساة بنغازي خلال العام الماضي وإلى أزمة الرهائن في إن أميناس على طول الحدود الجزائرية في كانون الثاني/يناير هذا العام. ولا يوجد سبب يجعلنا نعتقد أن مثل هذه الجماعات قد انسحبت من ليبيا فهناك العديد من الأسباب التي تدفعنا للاعتقاد أنهم سوف يزيدون من ترسيخ أنفسهم كلما أصبحت البلاد غير مستقرة على نحو متزايد.

ويتردد صدى العواقب المحتملة لانهيار الدولة الليبية إلى خارج حدود البلاد. وحتى هذه النقطة من الزمن، تحملت مالي وطأة الأسلحة والمقاتلين المتدفقين من ليبيا، الأمر الذي أدى إلى احتياج البلاد إلى تدخل عسكري فرنسي لاستعادة السيطرة على أراضيها في أوائل هذا العام. وكان وقد سبق أن اضطرت الجزائر إلى التعامل مع المأساة في هجوم إن أميناس؛ فإذا انحدرت ليبيا إلى المزيد من الفوضى، ستكون الحكومة مضطرة لمضاعفة جهودها لمنع وقوع أية هجمات إضافية. وفي شرق تونس، تكافح السلطات لاحتواء كتيبة “عقبة بن نافع”، وهي منظمة جهادية مرتبطة بـ تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وليس هناك شك بأنها استفادت من الحدود التي يسهل اختراقها في ليبيا ومن الأسلحة الوفيرة. وعلى نحو مماثل، من الصعب على مصر أن ترحب بأي إمكانية لقيام منطقة شاسعة تفتقر إلى حد كبير إلى أي شكل من أشكال الدولة تنشأ على امتداد حدودها الغربية.

الخاتمة

وقّعت مؤخراً مجموعة من المراقبين الليبيين – لبعضهم مصالح سياسية أو مهنية في استعادة الاستقرار إلى البلاد – على خطاب مفتوح أرسلوه إلى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. وفي ذلك الخطاب دعوا واشنطن إلى توسيع انخراطها في ليبيا، بما في ذلك دعم عملية الانتقال السياسي والإصلاح الأمني​ والتنمية الاقتصادية. كما قالوا أيضاً إن الثروة النفطية التي تنعم بها البلاد أدت إلى تجنب الحاجة إلى الدعم المالي الهائل، وأن ليبيا ديمقراطية ستكون حصناً ضد عدم الاستقرار في المنطقة.

ومع ذلك، فقد تكون هذه الجهود قليلة ومتأخرة جداً. فالعديد من الجهات ترى “المؤتمر الوطني العام” منعدم الأهلية، وأن زيدان قد فقد شرعية الشعبية، وعائدات النفط تستمر في الهبوط. وكان رئيس المخابرات السابق موسى كوسا قد حذر بعد فترة وجيزة من انشقاقه عن نظام القذافي في عام 2011، من أن تصبح ليبيا مثل الصومال. إلا أن تلك التصريحات نالت رفض العديد من الجهات التي وصفتها بأنها بعيدة الحدوث ومستحيلة – وهو بمثابة سيناريو قبيح رسمه شخص أُجبر على التخلي عن نظام لفظ أنفاسه الأخيرة. ولكن الملاحظة أثبتت عالم الغيب. ففي الواقع بدأت ليبيا في الانهيار والتمزق على امتداد الخطوط الإقليمية والأيديولوجية، وبدلاً من أن تكون إيرادات الثروة الهيدروكربونية (النفط والغاز) الشيء الذي يجلب التماسك للبلاد، أصبحت أداة لتمزيقها.

* جيف دي. بورتر هو رئيس “شركة استشارات مخاطر شمال إفريقيا”، وهي شركة متخصصة في المخاطر السياسية والأمنية في قطاع النفط والغاز في شمال افريقيا. 

المصدر: معهد واشنطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق