فائض السلاح وضعف المؤسسة الأمنية يُغذيان ظاهرة الاغتيالات
فائض السلاح
وضعف المؤسسة الأمنية
يُغذيان ظاهرة الاغتيالات
5/9/2013
تتعمق
المخاطر الأمنية في ليبيا كل يوم أكثر فأكثر مع ارتفاع منسوب الإغتيالات
والتفجيرات التي تنفذها ميليشيات مسلحة عجزت الدولة عن ضبطها ولجمها. ولم
تقتصر موجة الأعمال المسلحة على الجرائم السياسية وإنما امتدت أخيراً إلى
مراكز تصدير النفط، الذي يُعتبر عصب الاقتصاد، لتعطيل التصدير من موانئ
رئيسية مثل زويتينة ورأس الانوف أو حتى من الحقول.
ونتيجة لاضطراب الأوضاع الأمنية انخفض مستوى الإنتاج الليبي بحوالى مليون برميل يومياً عن الطاقة الإنتاجية للبلاد. ولوحظ
أن موجة الاغتيالات التي حصدت قيادات رفيعة المستوى في الجيش وأجهزة الأمن
امتدت إلى حقوقيين ونشطاء سياسيين آخرهم المحامي عبد السلام المسماري،
الذي قتل لدى خروجه من المسجد في بنغازي عقب صلاة الجمعة. وهاجم متظاهرون
بعد تشييعه مقرات تابعة لـ"العدالة والبناء"، فيما تمكن 1200 معتقل من
الفرار من سجن "الكويفية" في بنغازي.
كما
اغتال مسلحون مجهولون في بنغازي أيضا وفي اليوم نفسه القاضي مفتاح الخفيفي
بعد أدائه صلاة الفجر. إلا أن الاعلامي رضا دحيل البوم قلل في تصريح خاص
لـ من ظاهرة الاغتيالات وقال إنها تقتصر على مدينتي بنغازي ودرنة (شرق) حيث
تقوم جماعات تكفيرية بتصفية عناصر أمنية وعسكرية اشتغلت مع النظام
السابق. وبسبب تزايد المخاطر الأمنية فضل عدد من السفراء
الأجانب، من بينهم السفيرة الأميركية ديبورا كي جونز، مغادرة ليبيا في خطوة
تدل على أن عواصمهم تتوقع ظهور مزيد من القلاقل الأمنية في هذا البلد،
وخاصة الاغتيالات.
وتعتقد
مريم وحيد المُعيدة بقسم العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم
السياسية بجامعة القاهرة، أن ليبيا تمثل نموذجا للبلدان التي انتشر فيها
عنف الجماعات بعد الثورة بسبب ضعف المؤسسة العسكرية وعجز الحكومة عن بناء
مؤسسات قوية إذ لم يستطع "المجلس الوطني الانتقالي" (2011 – 2012) ومن بعده
"المؤتمر الوطني العام" نزع سلاح هذه الميليشيات أو دمج مقاتليها في ألوية
الجيش الرسمية أو تسريح الراغبين في العودة إلى الحياة المدنية.
وقالت
وحيد لـ إن العنف عبر الاقليمي هو عنف يخترق الحدود و"تتشابك فيه الجماعات
المسلحة، لاسيما التي لديها مُغذيات من السلاح والتمويل"، وضربت مثلا على
ذلك التشابكات بين الجماعات الليبية المسلحة ومثيلاتها في سيناء وتونس،
أقله في مستوى التسليح. واستنتجت مريم وحيد بناء على هذه القراءة للمشهد
الليبي وجود "علاقة ارتباطية طردية بين غياب شرعية الحاكم وارتفاع حدة
العنف". وينسجم هذا القول مع نظريات كبار علماء الاجتماع من أمثال ماكس
فيبر، الذين ربطوا مشروعية العنف باحتكار السلطة الشرعية صاحبة السيادة له
وفق القواعد القانونية، وتوظيفه في فرض الأمن والنظام والاستقرار في
المجتمع، ومن ثم استئثار السلطة بأدوات القهر الاجتماعي في نطاق الارادة
الجمعية المنبثقة من العقد الاجتماعي.
في
المقابل لا يستند العنف غير المشروع على أسس المشروعية القانونية أو
الشرعية السياسية إذ أنه يتحول إلى أداة لتحقيق مصالح ذاتية سواء التشبث
بالسلطة أو تفكيك بنية المجتمع وإعادة توزيع عوائد التنمية، ناهيك عن
العصابات الإجرامية الهادفة للثراء غير المشروع. وفي هذا السياق يُحذر
خبراء مما سمته الكاتبة ليلى بن هدنة بـ"فائض السلاح" في ليبيا اليوم، إذ
أن المخازن فتحت بعد الاطاحة بمعمر القذافي "ليحصل منها الشعب على ما يشاء
من مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والأسلحة الثقيلة". وأضافت: "بحسب
استخبارات غربية، يُقدر عدد الصواريخ التي اختفت من مستودعات السلاح
الليبية بنحو ثلاثة آلاف صاروخ في يونيو (حزيران) الماضي فقط، علماً أن هذه
الصواريخ بالغة الخطورة، وهو ما يثير المخاوف من خضوع السلاح لعناصر
"القاعدة"، وقيامها بعمليات تفجيرية" على ما قالت.
مؤسسة أمنية ضعيفة
وفي
مشهد نادر أقر رئيس الحكومة الليبية علي زيدان اخيراً أمام "المؤتمر
الوطني العام" بأن وزارة الداخلية كونت 19 ألف عنصر من قوات الأمن، إلا أن
رجال الشرطة الذين يُكلفون بحراسة الوزارات والمؤسسات الرسمية سرعان ما
يختفون سواء أكانوا من الضباط أم من المرؤوسين. صمت زيدان وكأنه متردد ثم
أضاف "حتى الذين يحرسون رئاسة الوزراء، بل حتى الذين يحرسون مقر المؤتمر
الوطني لا نجد لهم أثرا أحيانا". وطالما أن المؤسسة الأمنية على هذه الدرجة
من التفكك وقلة الانضباط، لا يعود مستغربا أن تتسارع وتيرة الاغتيالات
السياسية في ليبيا خلال الأيام الأخيرة.
وقد
أتى اضطراب حبل الأمن معطوفا على أزمة حادة بين القطبين الرئيسيين في
المشهد الحزبي هما حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان
المسلمين من جهة، وتحالف القوى الوطنية الذي يضم عددا كبيرا من الأحزاب
ويقوده رئيس الوزراء السابق محمود جبريل. على هذه الخلفية
يمكن القول إن المشهد السياسي زاد تعقيدا باستقالة وزير الداخلية محمد
خليفة الشيخ مُطلقا اتهامات ضد رئيس الحكومة الانتقالية علي زيدان بعرقلة
عمله وحجب "الدعم المادي والمعنوي عنه". وقبل زيدان الاستقالة فورا وكلف
نائب الوزير الصديق عبد الكريم بتسيير الوزارة، واتهم بدوره الوزير
المستقيل بكثرة الغياب عن اجتماعات مجلس الوزراء.
لكن استقالة الشيخ حملت دلالات سياسية باعتباره محسوبا على جماعة الإخوان
المسلمين، كما أنها الاستقالة الثانية من هذا المنصب بعد العميد عاشور
شوايل الذي فُرضت عليه الاستقالة قبل أشهر بموجب قانون العزل.
ويتسبب تغيير وزراء الداخلية بإرباك تنفيذ الخطط الأمنية، فقد وضع شوايل
مع رئيس هيئة الأركان السابق اللواء يوسف المنقوش خطة مشتركة بين الشرطة
والجيش لفرض الأمن في ليبيا، وبخاصة مدينتي بنغازي وطرابلس، لكنها لم تُنفذ
بعد إعفائهما من منصبيهما. كما اشتكى وزير الداخلية المستقيل أخيرا محمد
خليفة الشيخ من كونه لم يحصل على الدعم المالي والمعنوي اللازمين من أجل
تطبيق برنامج الإصلاحات الذي وضعه على ما قال.
إجراءات عاجلة
مع
ذلك فرض تصاعد وتيرة الاغتيالات وسطوة الجماعات المسلحة اتخاذ بعض
الاجراءات العاجلة، التي اكتست طابعا فنيا لمحاولة تطويق العنف المسلح
ومنها انضمام عناصر اللجنة الأمنية العليا الموقتة في العاصمة طرابلس إلى
مديرية الأمن الوطني تفعيلا لقرار حكومي صدر اخيراً في هذا الصدد.
وأتت تلك الخطوة في إطار استكمال عملية دمج اللجان الأمنية ضمن إدارات
وزارة الداخلية وأجهزة الشرطة، إلا أن الجماعات المسلحة الرئيسية ما زالت
خارج سيطرة وزارتي الداخلية والدفاع، بل إن أعضاء في "المؤتمر الوطني
العام" أكدوا لـ أن الحكومة تصرف قرابة مليار دينار ليبي على تلك التشكيلات
بأمر من رئيس الوزراء لمحاولة ترضيتها وتفادي لجوء عناصر الميليشيات إلى
إثارة المزيد من القلاقل. وفي هذا السياق رأت الدكتورة مريم وحيد أن ليبيا
لم تعرف تراجعا للعنف إبان الثورة ولا في المرحلة الانتقالية "بسبب تشرذم
مؤسسة الجيش وعدم قدرة حكومات ما بعد الثورة على إعادة بنائها ونزع سلاح
الميليشيات".
صحيح
أن رئيس الحكومة حذر في أكثر من مناسبة من أن انتشار السلاح خارج إطار
الجيش والشرطة، أي خارج إطار القوات النظامية بحجة الثورة أو بحجة الحفاظ
عليها "سيكون فتاكا وسيفتك بمن يعتقد أن السلاح سيحميه"، مؤكدا في الوقت
نفسه أن مصدر هذا السلاح هو مخازن نظام القذافي، ونافيا أن تكون الدولة
مقصرة في حفظ الأمن. لكن طالما أن الدولة لا تملك القوة التي تخول لها فرض
هيبتها والتحكم بالجماعات المسلحة وإخضاعها للقانون، فإنها هي التي ستستمر
بفرض إرادتها على الدولة مما يُهدد بتقويض المكاسب القليلة التي تحققت في
طريق الانتقال الديموقراطي.
المصدر: رشيد خشانة - صحيفة القدس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق