الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

المرحوم الفنان / عوض اعبيدة


المرحوم الفنان / عوض اعبيدة

 

نقلاً عن صفحة وجوه مشرقه ليبية .
عوش إعبيده

 

عوض إعبيده احد وجوه مدينة بنغازى  المشرقة و المشرفة و احد اشهر فنانيها التشكيليين الذين تميزوا بحضورهم فى ذاكرة الوطن و ذاكرة مدينة بنغازى و يعد الفنان التشكيلي الليبي عوض عبيدة احد كبار رواد الفن التشكيلي الليبي ورمز الواقعية الليبية ، وهو من الفنانين القلائل الذين عملوا منذ النصف الأول للقرن الماضي ، بأن يكون له أسلوبه الخاص من جانب ، وأن يكون للوحة الليبية خصوصيتها وهويتها وسط المشهد التشكيلي العربي والعالمي من جانب آخر.وقد ساهم عبيدة من خلال أسلوبه الخاص في تشكيل تلك الخصوصية عندما رسم على مسطحات لوحاته الموروث الليبي بمختلف أشكاله ، من عادات وتقاليد وتراث وأرض وبحر وسماء وعمارة.. حتى تستفيد منه الأجيال القادمة.. ويكون مرجعاً لها .


عوض اعبيدة اصيل مدينة بنغازي و المولود بها فى العام 1923م ، و بعد حصوله على الثانوية العامة فى المدارس الايطالية فى عام 1937 ابتعث ليدرس الفن فى ايطاليا لمدة من الزمن . أقام أول معرض فني له فى دكان صغير بشارع عمر المختار فى بنغازي أيام الإدارة العسكرية البريطانية فى برقة عام 1946 . للفنان عوض اعبيدة معرض دائم هو أقرب للمتحف أسماه ” دار الفن و التراث ” يعرض فيه لوحاته التي تعكس و تؤرخ مظاهر الحياة فى بنغازي منذ الثلاثينات من القرن الماضي ، و هذا المزار يقع وراء المدينة الرياضية و قرب مصرف التجارة و التنمية – وكالة الفروسية ببنغازي ، و قد دأب على فتح هذا المعرض ليلا خلال شهر رمضان الكريم للزوار . لوحات عوض اعبيدة تجسيد تأريخي مصور لمدينة بنغازي خصوصا لفترة الثلاثينات و الأربعينات ، و بالرغم من الضنك و الفقر و البؤس الذي عاشته المدينة و سكانها بسبب سنوات الحرب و الاستعمار الذي سبقها فانك ترى حياة تنبض فى لوحاته و حماس لعلنا نفتقده الآن فى شوارعنا .

قال عنه المرحوم الأديب خليفة الفاخرى :
” ماذا أراد أن يقول الفنان عوض اعبيدة فى لوحاته ؟
لقد أراد أن يجسم مدى ارتباطه العاطفي الدافئ بهذا المجتمع . رسم مراسم الزواج .. رسم الحرفيين .. لكن أكثر ما شده هو علاقته بالأطفال . و كان لكل لعبة موسمها .. هناك ألعاب الربيع ، و أخرى فى الصيف . لقد جسد الفنان عوض اعبيدة أمال أطفالنا فى زمن الفقر . كان توثيقا لذاكرة مهولة ، محبة . “
و قال عنه صالح بن دردف فى صحيفة أخبار بنغازي الصادرة يوم الأحد الموافق 9 أغسطس 2009 :

” انه الفارس و الذاكرة و المؤرخ …
لوحاته الفنية النابضة بالحيوية و الحركة و الصدق وحدها تشهد له و تحكى و تتكلم و تنطق عن إبداع موهبته و تمكنه من تطويع أدواته و اختياره لمواضيعه المستلهمة من لوحات متكاملة تنبض حيوية و حركة سجل من خلالها كل الحرف و الصناعات التي كان يتعيش منها الناس ، و سجل فيها مواسم الزراعة و الحصاد و مواسم الأعياد الدينية فى زوايانا الصوفية و فى خلوات مساجدنا كما سجل بمهارة كل تفاصيل طقوسنا و ممارساتنا فى أعراسنا و أفراحنا استخلصها بريشته من واقع الحياة و ترجمها باللون و الصورة و الحركة … ساهم الفنان التشكيلي عوض اعبيدة بفنه فى ثقافة الارتقاء بالحس و الذوق … “
و فى حوار له مع الدكتور محمد محمد المفتى نشر فى كتاب حنين الألوان روى للدكتور محمد سيرته الذاتية فى كلمات بسيطة ، كما يلي :
” كنت طفل منزوي .. سميه انطواء .. لم أكن ألعب مع الأطفال فى الشارع .. على عكس آخى حسن .. كان اجتماعيا .. ربما لاننى لم أجد وقتا ..

لا ، لا أحب العنف .. عمري ما درت عركة .. اللي يزعلنى ربما نضرب له فص .. عمري ما فجخت حد و لا فجخونى .. و لا أحتمل مشاهدة الملاكمة حتى على التلفزيون ..
درست فى المدارس الايطالية .. كلها باللغة الايطالية .. حصة واحدة بالعربي .. و كان يدرسها الشيخ السنوسي المرتضى الله يرحمه .. و تخرجت من الثانوية عام 1937 .. كنا سبعة أو ثمانية .. من جميع برقة .. أنا و حسن الغناى و امحمد الفيتورى و محمد بن على و محمد الصابرى و عبد العزيز بن سالم و زكى البيجو ..

الثانوية كان فيها تركيز على الفنون و الصنايع .. و درست تجليد الكتب ..آه الرسم ؟ كنت كثير الرسم ، فى البيت و فى كراساتي و كان ذلك يثير مشاكل مع المدرسين . كنت أخربش على الجدران فى الشارع و كان الجيران يشتكون منى لأبى. فى البيت استغرق فأتاخر على الوجبات .. مما دعي أمي أن تكتب حجابات لابعادى عن الرسم .. و كنت تلقاها تحت المخدة أحيانا .. نفتحها و نتفرج على خطوطها و أحيانا رسومات فيها .. “

” أول تدريب جدي خارج حصص الرسم كان على يد الأستاذ فيردى مدرس الرسم . دعانا أنا و أربعة طليان الى دروس خصوصية فى بيته . لكنه كان يصر على أن ننسخ لوحات و رسومات خاصة ليوناردو دافنشى ..

فى عام 1938 ذهبت الى ايطاليا و درست الرسم الهندسي لمدة ستة شهور . و ذهبت عدة مرات بعد ذلك ، و درست الاناتوميا – التشريح – و زرت المتاحف و الكنائس حيث كنوز الفن الايطالي فى عصر النهضة .

زرت متاحف العالم من اليابان الى أمريكا الجنوبية .
معجب برامبرانت ، فقد كان أفضل من رسم البور تريه ، و تأثرت بالفنان الاسباني جويا .
لا .. لم أتوظف إطلاقا .. و لم اعمل بالسياسة و لم أنتم الى أي تنظيم سياسي .
من يكره الفلوس .. حياتي فى الصغر كانت مريحة ، و اسرتى كانت ميسورة . والدي لم يعمل ، كان صاحب أملاك .. لم يبخل على بالكتب .. لكن همي كان دائما أن أكون رساما .. كنت المجنون الوحيد ، فقد كان الفن شبه عيب فى ذلك الوقت .. مقياس تقدم الشعوب فى فنها ..

بعد الحرب فى سنة 1946 أجرت محلا من إدارة أملاك العدو بثلاثة جنيهات فى الشهر ، فى شارع عمر المختار ، مقابل مبنى البريد . كان أول معرض رسم فى ليبيا . لوحة الفتى الأسود الحامل لقفة برتقال هي الوحيدة الباقية من افتتاح المعرض .

بعث الأمير ( إدريس السنوسي ) عمر باشا لينوب عنه لافتتاح المعرض . لكن أحدهم قال لي بعد افتتاح المعرض : ايش زرك على ها الدوة .. تلك كانت عقلية ذلك الوقت .
لا ، لم يكن محل تصوير ، كان معرض لوحاتي .. كان رجال الجيش الانجليزي يشترون . لوحة بخمسة جنيه أو عشرة ، و أشترى بيو ناحوم ( يهودي ليبي ، من تجار خردة الحرب ) لوحة ب 120 جنيه فكانت أعجوبة ، عندما كان أصدقائي على الساحلي و ونيس القذافى يعملون فى البلدية أتذاك .. مرتب الواحد عشرة جنيه ..

لا أحب بيع لوحاتي .. لوحاتي هي أولادي ، أعيش معهم . ما بعته ما زال يحز فى نفسي . عشرات أخذها منى المستر جون ريد ( مدير مكتب الاستعلامات البريطاني خلال الإدارة العسكرية البريطانية فى برقة خلال الأربعينات ) . أمنيتي أن أرى تلك اللوحات لأعرف كيف كنت أرسم .. و حاولت الاتصال بأقاربه فى سكوتلندا ، و لكن دون جدوى .
الفن لا يجب أن يكون حرفة .. هواية قبل كل شئ .. و لكن لابد من يرعاه .. فى أوروبا كان للكنيسة الفضل فى تقدم الفنون .

فى الليل أتخيل ما سأرسمه .. أرسم فى الصباح ، و بطني خالية ، إذا أكلت لا أرسم . أستيقظ مبكرا مع أذان الفجر لسبب بسيط . الجامع على بعد خطوات من البيت . لقد ثبت التوقيت فى رأسي حتى فى أوروبا أصحو فى نفس الوقت تقريبا .. فطوري فنجان قهوة .
الرسم ، تقدر تقول مرض . لا أستريح دون خربشة حتى الآن . عادة لا أستطيع التخلص منها . و هي متعة . لكنني أرسم ساعات معينة . تمر أوقات ، شهر أو اثنان أحيانا دون أن أرسم .
أحب الموسيقى .. تمنيت لو تعلمت العزف ، لكن الموسيقى كانت عيب . أرسم حتى الآن على موسيقى هادئة . “

الفنان عوض اعبيدة كان يوصد باب غرفته و يقضى الأوقات الطويلة يستمع للموسيقى من اسطواناته ، و يرسم . و ظنت أمه رحمها الله أن ابنها قد خطفته جنية مما دعاها لان تستنجد بالشيوخ و الفقهاء كي يكتبوا له التمائم ….

اختار الفنان عوض عبيدة الذي وهب حياته ووقته لخدمة فنه ومجتمعه وبلاده التي عشقها ، حياة العزوبية.. وعاش متعبداً في محراب الفن مفضلاً الفرشاة واللون على الزواج.. لذلك وصفه البعض بالراهب ، والبعض الآخر بالقديس المتأمل.رحمة الله عليه رحمة واسعة و اللهم الله ذويه الصبر و السلوان و انا لله و انا اليه راجعون …..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق