الأحد، 17 يوليو 2016

رحلة سيوه خلال شهر نوفمبر 2010م.. بقلم / فتح الله سرقيوه

رحلة سيوه خلال شهر نوفمبر 2010م


الأستاذ الفاضل  / أحمد مفتاح الغزوانى

المهندس / فتح الله مفتاح  سرقيوه

الأستاذ المحترم / فرج بوشناق الجازوى

 

بقلم / فتح الله سرقيوه 

 

الجغبوب / سيوّه

والتكامل الإجتماعى والتاريخى

(الليبى / المصرى)

المهندس / فتح الله سرقيوه




درنه وموروثها الحضارى

(كانت العين مزار … فى زمان عدا يا

علم)



عندما يتحدث أهلنا فى درنه عن تاريخ مدينتهم يتذكرون عشرات الآلاف من النخيل المثمرة بجميع أنواع البلح والرطب حيث كانت درنه قبل خمسة عقود من الزمن تشتهر  بزراعة النخيل والموز وهى الزراعة المتميزة التى جاء بها البعض من سكانها من الجنوب الليبى  ومن حضارة أهل الأندلس أصحاب العلم والمعرفة فى شتى المجالات ، فعندما يشتد الحوار والنقاش والدردشة  يتحسّر أولئك الكبار من أهل هذه المدينة على نخيل درنه الذى جرفته آلات ما يسمى بالحضارة الجديدة وبناء المدن ويزيدهم ذلك تحسراً عندما يجدون أسعار الرطب والبلح وهى  تتعدى الخيال وهنا يردد البعض (آه يا سيوه يا ما فيك من تمر واجد) هذه كناية عن ضخامة وكثافة النخيل المتواجد فى  قرية سيوه الصحراوية وتحسراً كذلك على مدينتهم التى كانت مُصدرة لإنتاج النخيل والموز والرمان والأعناب والتين ، فدرنه إنتهت وتحولت إلى مدينة جرداء من النخيل بعدما كان يقدر عدد أشجار النخيل فيها بــ (50 ألف نخله) فى سنة 1965م  واليوم نشاهد آلات فتح المسارات الجائرة تُجرّف ما تبقى من تلك الثرورة فلم يبقى سوى  بضع نخيلات علّها تذكرّها بالماضى الزاهر لمدينة عاشت حضارة إجتماعية وإقتصادية وزراعية  حضارة سادت ثم بادت بفضل أؤلئك البسطاء من  المسؤولين السذج  الذين لا يدركون قيمة هذا الموروث الحضارى فأفسدوا فيها فحق عليها القول فدمّروها تدميرا بفضل جهلهم وعدم درايتهم بالتاريخ ، حتى أصبحت شبه قرية جرداء وكأن جيوشاً غازية دخلتها وزادتها دماراً وخراباً بحوافر الخيل ، جيوشاً من المسؤولين الذين لم يكن همهم سوى الكسب الحرام أؤلئك الذين خرجوا من رحم مرابيع الفساد المظلمة ، فلم يعد هناك أمل فى إصلاح ما أفسدته تلك المرابيع ولا فى من  يحركها ويصرف عليها من المتنفذين الكبار الذين وقفوا ضد التيار الإصلاحى الذى أضاء نوراً فى آخر نفق الفساد المظلم  سوى  ماتغنّى به الشاعر الشعبى عندما فقد الأمل فى رجوع محبوبته التى هجرته فطال إنتظاره كما ننتظر نحن من آمنّا بالإصلاح  حيث يقول متحسراً كما نتحسر نحن على الإصلاح فيقول … (رجيتك وطال رجاى …. إنسيتك ألله غالب على ).

Derna Valley.jpg

درنه كيف كانت ؟؟ وكيف أصبحت !!!!


أستميحكم عذراً فهاجس وهم مدينتى لا يفارقنى أبداً ، فلا أفوت فرصة إلا وأكتب عن دمار مدينتى وما لحق بها من سوء إدارة وفساد مبرّمج ، ولكن الموضوع الذى أردت الكتابة عنه فهو فى غاية الروعة التاريخية والجمالية ، وأود أن أبدأ بربط هذا الموضوع الشيق بتاريخ ليبيا القديم وتشكيله لحلقة إجتماعية صحراويه لها طابع خاص فى كل ما يخطر على المفكر والكاتب والمهتم …. وسوف لن أكون بعيداً عن درنه ولن أحرمها من أن أتذكرها من خلال ما يرد من إشارات تاريخية ….فأقول …

PICT0093

سيوه المحمية من عيون

الحاسدين بين أشجار النخيل

بسم الله الرحمن الرحيم .


(ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ، إنا مكنا له في الأرض وءاتيناه من كل شيء سببا ، فأتبع سببا حتى أذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا)

وهى الآية (83) من سورة الكهف ونزلت عندما سأل اليهود الرسول صلى ألله عليه وسلم عن (ذى القرنين) إسمه الإسكندرولم يكن نبياً وقد إختلف فيه الكثيرون وألله أعلم .

رأس للإسكندر الأكبر

الإسكندر الأكبر

PICT0115

معبد الإسكندر الأكبر

ومقر إقامته فى سيوه



عندما يُذكر الإسكندر الأكبر ، تذكر الإسكندرية وعندما يُذكر الإسكندر الأكبر تُذكر سيوه وعندما تُذكر سيوه تُذكر الجغبوب وعندما تُذكر الجغبوب تُذكر العائلة السنوسية التى تواجدت فى صحراء ليبيا الشرقيه داعية من خلال زواياها الصوفية لنشر وتثبيت الدين الإسلامى الذى ضاع بين الناس فى القرن الثامن عشر  نتيجة للغزوات الإستعمارية التى تعرضت لها تلك المناطق البعيدة عن الشمال ، فقد لعبت تلك الزوايا دوراً هاماً مثلها مثل القادرية والعيساوية والظافرية والتى غالباً ما تسمى بأسماء أصحاب الدعوة تقديراً وإحتراماً لهم فجزاهم ألله تعالى ألف ألف خير على ما قاموا به من أجل الدين الإسلامى والحفاظ عليه وتحفيظ القرأن الكريم والعمل به  .

PICT0084

القلعة القديمة التى تتوسط سيوه

PICT0077

 

الأستاذ المؤرخ / أحمد الغزوانى 

والكاتب / فتح الله سرقيوه

داخل القلعة القديمة



فعندما قام الإسكندر الأكبر بالتحرك بجيوشه نحو سيوه فى الجنوب الغربى من أرض مصر والتى تلتقى فى خط واحد صحراوى مع واحة الجغبوب الليبية  حيث أنشأ مقر إقامته  هناك وهو من بين المناطق الأثرية التى زرتها رفقة كل من المؤرخ الليبى الكبير/ أحمد مفتاح الغزوانى والباحث التاريخى بجمعية الهيلع  الأستاذ/ فرج بوشناق الجازوى ، حيث إلتقطت لتلك المعالم الأثرية  صوراً تاريخية من عين المكان ، و  تذكر بعض الكتب التاريخية  تلك  (العرافة) كما أفادنا المؤرخ الغزوانى وهى إمرأة أمازيغية تقوم بإدارة معبد (الإله آمون) وهو ليبى أمازيغى ولا يقصد به الإله آمون الفرعونى ،  فهو إله (الإخوة والنسل والريح) وقد كانت فى إستقباله العرافة الشهيرة ووضعت للإسكندر الأكبر القرنين على رأسه حتى أطلق عليه إسم (ذا القرنين) وكان ذلك فى سنة 331 قبل ميلاد السيد المسيح وهذه المعلومات تأكدت تاريخياً عندما وجدت عملات ذهبية مدفونة فى أحد الآبار بمدينة (ميرزكاه) التى تقع بالأراضى الباكستانية محفور عليها رأس الإسكندر الأكبر وبه القرنين والتى يقال أن العرافة الأمازيغية هى التى وضعتهما على رأسه عند تواجده فى سيوه لتباركه .

PICT0093

نخيل سيوه وإحتضان البيوت السكنية

PICT0120

الأشتاذ / فرج بوشناق والكاتب /

فتح الله سرقيوه وأطفال سيوه


PICT0123

وللخلف عين مياه كليو باترا



واحة سيوه .. واحة صحراوية تبعد عن مدينة مطروح بــ (300) كيلو متر إلى الجنوب الغربى وتبعد عن واحة الجغبوب بــ (85) كيلو متر بطريق ترابى قديم لا يمكن السير عليه حيث يختفى أحياناً نتيجة عوامل التعرية ولا يمكن السير عليه إلا مع دليل من أهالى سيوه ، واحة جميله بها ما يقرب من (500) ألف نخلة مثمرة وعشرات الآلاف من أشجار الزيتون وعيون مياه مثل عين كليو باتره  وعين مياه دافئة بمنطقة الشحايم تستخدم فى العلاج الطبيعى إلى جانب بعض العيون التى تستخدم فى الرى ، واحة سيوه بها معبد آمون ومقر إقامة الإسكندر الأكبر والقلعة التاريخية التى تتوسط الواحة حيث المبان القديمة والمسجد وكذلك معلم تاريخى  يسمى (جبل الموتى) حيث توجد مقبرة جبلية ولم يعرف أحد الأسباب التى أدت إلى إتخاذ هذا الجبل مدفناً ؟؟ ويوجد بها البحيرات المالحة ومن هنا تتجلى عظمة و قدرة الخالق فى المياه المالحة والمياه العذبة التى تجتمع فى مكان واحد فهذه عين مالحة وبجوارها عين عذبة

PICT0098

الجبل الذى يطلق عليه

(جبل الموتى) ولا زالت الأسباب

مجهولة

PICT0099

المدافن التى تتوسط (جبل الموتى)



وتعتمد سيوه فى إقتصادها الغذائى على إنتاج التمور وتصديرها وكذلك الزيتون كغذاء وزيت الزيتون الذى يشكل تجارة ناجحة ومردوداً مالياً لاباس به . يزورها عشرات الالاف من السائحين سنوياً للإستمتاع بالشمس الساطعة والطبيعة الخلابة وكذلك العلاج الطبيعى (بالردم فى رمل الصحراء) الذى يشكل علاجاً طبيعياً لعلاج مرض الروماتيزم والروماتيد وآلام الظهر ويشرف على هذا العلاج مختصون من أصحاب الكفاءة الطبية والتمريضية وأفضل فترة لهذا العلاج ما بين شهر يونيه وأكتوبرمن كل سنه ).

PICT0119



 

 

 

 

 

 

معبد الإله آمون (الليبى الأمازيغى)

الأستاذ الكبير / أحمد الغزوانى

والكاتب / فتح الله سرقيوه


بجوار معبد الإله آمون


التعداد السكانى لسيوه يتجاوز (35 ألف نسمة) وأهل سيوه يتحدثون (اللغة الأمازيغية) غير المكتوبة وكذلك العربية ولا يستخدمون الأمازيغية إلا مع بعضهم وتعتبر سيوه هى آخر منطقة فى الصحراء تتحدث بالأمازيغية فى الشمال الأفريقى ، حيث يتحدث هذه اللغة بعض المناطق فى الجزائر والمغرب  وكذلك أهلنا فى زواره ويفرن وغات ويعتبرونها موروثاً قديماً بينما اللغة العربية هى السائدة فى التعامل ، ويتواجد فى سيوه قبيلتان كبيرتان هما (الفايا والتخصيب) وتنحدر منهما العديد  من  القبائل الصغيرة والبيوت والعائلات ومنهم قبيلة (الزناين) التى ينتمى إليها الشيخ / فتحى الكيلانى صاحب الفندق الذى أقمنا فيه لمدة ثلاثة أيام فى زيارتنا لسيوه ويعتبر أحد الفاعليات الشعبية النشطة سياسياً وإجتماعياً والذى افادنى بكل شفافية وصراحة أن عائلة الكيلانى ربما يرجع أصولها إلى الشام أو ليبيا أو المغرب حيث وفدت إلى سيوه وإندمجت مع قبائلها وأصبحت من العائلات التى تتحدث بإسم سيوه وهذا يدل دلالة واضحة أن هناك وحدة وطنية يفخر بها أهل سيوه من خلال أصولهم الأصلية سواءً كانت من الغرب أو الشرق أو الأصول القديمة التى يطلق عليها الأمازيغية.

PICT0136

الأستاذ المؤرخ / أحمد الغزوانى

والكاتب/ فتح الله سرقيوه

والأستاذ/ فرج بوشناق

بحيرة سيوه الشهيرة

(بساعة الغروب ) حيث يستمتع

السواح بجمال طبيعتها

PICT0133

بحيرة سيوه والطبيعة الخلابة



ومن خلال زيارتنا لسيوه كان فى ضيافتنا أبناء وأقارب المرحوم / محمد إقناوى الصديق الشخصى لأستاذنا ووالدنا المؤرخ والباحث / أحمد الغزوانى وقد كانت الإستضافة فى منطقة تسمى (الشحايم) بها عين مياه كبريتية تزيد حرارتها عن 45 درجة مئوية وتستخدم فى العلاج الطبيعى والأجمل من ذلك هناك تقليد لدى هذه المنطقة بأن تكون وجبة العشاء على ضوء الشموع حيث أول ما يبهر الأبصار السماء الصافية ونجومها المتلآلئة  وقد زاد القمر السماء جمالاً على جمالها ، حقاً إنها الصحراء وأهلها الكرام الذين لا يضاهيهم أحد فى الضيافة والكرم ،، وقد حدثنى أحد المهتمين والباحثين من أهل المنطقة أن سيوه فى الماضى كان من الصعب الوصول إليها إلا  عن طريق القوافل التى تجوب الصحراء لأيام أو أسابيع ولكن اليوم بعد تشييد طريق مطروح سيوه أصبحت السياحة أسهل بكثير حيث يزور سيوه عشرات الآلاف من الزوار وخصوصاً من أمريكا وأوروبا وآسيا ، وفعلاً لفت أنظارنا الأعداد الهائلة من السائحين الذين أبهروا بالمؤرخ الليبى / أستاذنا أحمد الغزوانى الذى تحدث مع بعض الإيطاليين باللغة الإيطالية وشرح لهم عن الإسكندر الأكبر والآله آمون  والعرافة الأمازيغية حتى أن دليل المجموعة السياحية توقف عن الشرح وأعطى الفرصة كاملة لأستاذنا الغزوانى  وفى اليوم الثانى كانت هناك مجموعة سياحية من أسكتلندا وأستراليا إستفادت من شرح المؤرخ الكبير حيث الثقافة التاريخية نسأل ألله تعالى أن يمد فى عمره وأن يمتعه بالصحة والعافية وقد تجاوز العقد التاسع من عمره فهنيئاً للوطن بهذه المرجعية التاريخية العالمية .


PICT0126

جلسة ضيافة سيويه بجوار

عين كليو باترا



سيوه واحة هادئة جميله لقد تذكرت درنه (أيام زمان) ونحن نقوم بالتجوال فى أزقتها وبين نخيلها وأشجار زيتونها حيث دخلنا أحد المحلات لنشترى (تمر سيوى وزيت زيتون) وما أن تعرف علينا قال أنتم ضيوفنا ولايمكن أن تدفعوا شيئاً ، ولكننا طلبنا منه ضرورة أخذ القيمة أو نذهب وعندما فتح (الخزنة) لم يجد ترجيع الباقى فإستأذن منا وذهب لتغيير بعض النقود حتى يتمكن من ترجيع الباقى ، وقد ترك الخزنة مفتوحة ونحن فى المحل !!! وهنا تذكرت درنه وقلت أستاذى أحمد (بونو) ما رأيك أليست هذه المعاملة كانت موجودة عندنا بدرنه حتى أن صاحب المحل يضع عصاة أمام محله ويذهب وقت الصلاة . فما رأيك ؟؟ رد علىّ متحسراً فعلاً (هذا ما كان فى درنه وغيرها من مدننا الطيبة )  لقد ضاع الأمان وضاعت معه الأمانة .

PICT0086

الشيخ / حمزه الذى إستقبلنا

حافى القدمين حيث كان يقوم بترميم

وصيانة أجزاء من القلعة القديمة


وفى ختام الزيارةتحدث معى أحد مشائخ سيوه وفاعلياتها الشعبية عن زيارة سابقة لمسؤول كبير ليبى  لسيوه وأثنى على ذلك المسؤول وقال لقد سعدنا بتلك الزيارة حيث كانت الأجواء الأخوية والعائلية تسود تلك الزيارة وقد تحاورنا عن العلاقات التاريخية التى تربط الشعبين الشقيقين فى مصر وليبيا وشرحنا له عن مدى عمق  العلاقات الإجتماعية  بين أهل الجغبوب وسيوه التى يمكننا أن اقول أن الجغبوب وسيوه عائلة واحده ،، الأمر الذى نأمل فيه ربط  هاتين العائلتين مع بعضهما بطريق صحراوى من الإسفلت بطول (85) كيلو متر حتى يمكننا التواصل مع أهلنا هناك وخصوصاً لترسيخ العادات الإجتماعية التى توارثناها  عن أجدادنا ، وقد كان لإستجابة ذلك المسؤول بالغ الأثر فى نفوسنا والذى زادها قوله لا تنسوا خط كهربائى لتوفير الطاقة الكهربائية بسيوه فكانت الفرحة فرحتين وإستبشر الجميع ولا زلنا ننتظر ما تم إتخاذه من إجراءات .

وهنا كان لزاماً علينا مناشدة المسؤولين فى ليبيا ومصر الإستجابة وتحقيق أمل أهالى سيوه الكرام الذين يعتبرون أنفسهم حلقة الوصل الإجتماعى بين الشعبين الشقيقين فى كل من مصر وليبيا ، وفق الله الجميع لما فيه الخير للشعب الليبى والمصرى .

وهنا لايسعنا إلا أن نتقدم لأهل سيوه الكرام بالشكر والتقدير وأخص بالشكر والتقدير عائلة المرحوم/ محمد إقناوى من أبناء وأحفاد على ما قدموه لنا من ضيافة وكرم وشرح وافى عن تاريخ سيوه مع تمنياتنا لأهل سيوه جميعا بالتقدم والإزدهار .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق