السبت، 23 يوليو 2016

الكرّاسى والمناصب ، قالك طلّقها !!

الكرّاسى والمناصب ، قالك طلّقها !!



 (مقالات فى زمن النظام السابق )


وها هو التاريخ يعيد نفسه




بقلم / فتح الله سرقيوه

مقال نُشر فى مدونة (ليبيا الجديدة)

  بتاريخ /3/2009


الأمانة بالمفهوم الإسلامى والدينى الذى يعرفه الجميع .. هى تلك الأمانة التى عُرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها من شدة الخوف من الله تعالى لعدم القدرة على صونها وحمايتها … غير أننا بمفهومنا اليوم ما أسهل حملها وما أسهل  خفتها لدرجة أن معظم الناس يتسابقون للوصول إليها وحملها وتسخيرها لمصلحتهم وتحقيق أهدافهم ، وهنا لم يعد أحد يهتم بأن الذى عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال هو (الله عز وجل) وليس الإنسان ، وهنا ضاعت الأمانة فى خضم التسميات وتم تحريفها لتحقيق إرادة البعض  وضاعت القيم  وإنتهى كل شئ معها .


إستميحكم عذراً أن أسرد لكم المثل الشعبى الذى يقول (قالك طلّقها) وله قصة أردت أن أنقلها إليكم مع إحترامى لكم لأن المثل لا يُقال إلا بعد أن يطفح الكيل وتصاب الآذان بالوقر وتستمر الغشاوة على العيون ويصبح الحلال والحرام فى سلة واحدة … هذا المثل الشعبى قيل فى رجل كانت له زوجة فى غاية الجمال والمال فهى كما وصفت ، أنها إمرأة من خضراء الدمن حسناء فى المنبت السوء ، وأن سيرتها ليست بالسيرة الحسنة ، أما هو فرجل ضعيف الشخصية ويأتمر بأمرها فما كان من أهله وعشيرته ومعارفه إلا أن يتأثروا بما يقوله الناس حول ضعفه وطاعته العمياء لتلك الزوجة ، فحاولوا بشتى الطرق أن يشرحوا له وضعه وما يقوله الناس عنه ، إلى أن تجرأ أحدهم وقال له (طلقها يا راجل وفكّك منها ).


فبدأ صاحبنا يفكر فى الأمر فربما فهم ما يقصده أهله ، ورجع إلى بيته مهموماً وشارداً وعندما سألته تلك الزوجة لم يجبها ولم يرد على أسئلتها ، ولكن كيد النساء غلب كيد الرجال كما يقال .


فما كان منها إلا أن جهّزت له الأكلات التى يحبها وإرتدت  الملابس التى تروق له وبدأت فى مداعبته بطريقتها الخبيثه المعهودة ، وهنا بدأ يردد فى سره بصوت خافت (وينكم إتشوفوا إللى نا فيه) حتى إرتفع صوته إلى أعلى وهو يردد ويقول (قالك طلقها  ــ قالك طلقها) ففهمت تلك المرأة المسيطرة الموضوع وبعثت لأهله وعشيرته رسالة تهددهم فيها قائلة (لو كان راجلكم قادر على الطلاق .. لكان طلّق من أول يوم )!!


الشئ بالشئ يذكر مع إختلاف المقارنة فالكراسى لها طعم خاص خصوصاً عندما تأتى لصاحبها بسهولة دون عناء أو تعب فلا كفاءة ولا خبرة اللهم ولاء وطاعة عمياء ثم حماية وحصانة ثم يبدأ صاحب الكرسى بتكوين حاشية محيطة  من على شاكلته يوفرون له الوجاهة حتى ولو كان من أرذل الناس ويجعلون منه شخصية مرموقة حتى ولو كان ضعيفاً مرتعشاً وينقلون على لسانه الحكايات والبطولات وأنه لو لم يأت لهذا الكرسى ويقبل به لجلس عليه غيره وضاعت مصالحكم حتى تنتهى مدة ذلك المسؤول فى (البندرة والطبيل والحجيل) ليجهز نفسه لفترة أخرى بمساعدة تلك الحاشية .


لا شك أنه سيكون من بين أولئك الحاشية العديد من أمثال (الدوغرى) ذلك الإنتهازى الذى شاهدناه فى المسلسل الكوميدى للممثل العربى (دريد لحام) … وحيث أن المسلسل نجح نجاحاً باهراً من الناحية الكوميدية إلا أنه لفت أنظارنا إلى قضية خطيرة تتمثل فى الوصولية والإنتهازية والمحسوبية والصعود على حساب وأكتاف الغير للوصول إلى منصب أو وظيفة أو حتى صداقة مسؤول للتباهى بها والإختفاء ورائها لتغطية مُركبات النقص وذلك بإستخدام الوسائل الرخيصة من نفاق ومجاملة بعد أن يكتشف النواقص والعيوب لدى الآخرين ، كل هذه الوسائل السيئة لا تتمشى مع مجتمعنا العربى ومرفوضة رفضاً تاماً.


إنها حقاً قمة الإستخفاف بالأخلاق والقيم والمبادئ ، وقد رأينا من خلال المسلسل كيف أن المدعو الدوغرى يصل إلى المناصب الوظيفية مستغلاًَ نقاط الضعف لدى المسؤولين ، فالمسؤول الذى يحب البقاء أثناء الدوام الرسمى بمكتبه الفخم يتمتع بنسمات المكيف ويريد أن يسمع ما يدور فى إدارته يكون أذنه التى تسمع مع إضافة ما يرغب الدوغرى فى إضافته من سموم ووشايات ، والمسؤول الذى يحب التميّز والوجاهة والتعالى على المواطنين ينافقه ويتقرب إليه ويوصله إلى السماء ويوهمه بأنه أفضل المسئولين ، والمسؤول الذى يحب أن يظهر نفسه قوياً أمام مرؤوسيه يمكن للدوغرى القيام بهذه المهمة بقبول لطمة على وجهه ليخاف الجميع ولا يتحدث أحد منهم عن ما يدور فى إدارة ذلك المسؤول.


لأن الدوغرى لديه الإمكانيات وقادر على تلبية جميع الطلبات وخصوصاً  فى إعداد الكباب والمشويات وحتى نفخ الجمر وتجهيز النرجيلات بعد العشوات الفاخرات مدفوعة الفاتورات وأمور أخرى نستحى من ذكرها .

فى أكثر من مقالة ناشدت فيها بعدم ظلم المسؤول مباشرة أو إهانته لأنه  فى النهاية يمثل الوطن والمجتمع أيما كانت حجم مسؤوليته وأهميتها ، وبالتالى من حقه الدفاع عن نفسه والرد على كل من يتجرأ على الإساءة إليه ، وكنت أقول فى نفسى ربما سيخرج علينا أحد المسئولين الكبار أو الصغار رافعاً الراية البيضاء ليعلن على الملأ أنه قد طلق المسؤولية بالثلاثة ولن يسمح لأحد بعد اليوم  بإهانته فهو إبن بيتية وله تاريخه المشرف الذى يحترمه ، ولكن للأسف طال الإنتظار ولم نسمع شيئاً من هذا ، لأن الكراسى يبدو أنها المسيطرة بقوة لما تدرُه على أصحابها من مال حلال أو حرام فلم يعد الأمر يختلف ، وهنا إقتنعت قناعة تامة بأن المسؤول لن يطلق المسؤولية مهما كانت صغيرة ويقول بأعلى صوته (قالك طلقها).

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق