2015/10/28  
 
ADVERTISEMENT
كالعادة جاء تصنيف منتدى دافوس الخاص بتقييم جودة التعليم والتنافسية في‮ ‬العالم بنتائج مذهلة،‮ ‬خاصة بالنسبة للمنظومات التعليمية العربية،‮ ‬التي‮ ‬ذيّلت معظمها قائمة الدول،‮ ‬مع استثناءات لبعض دول الخليج‮: ‬قطر،‮ ‬والإمارات،‮ ‬والأردن،‮ ‬ولبنان،‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬تكشف زيف مثل هذه التقييمات الدولية وتعري‮ ‬أهدافها‮.‬

وقد لا نحتاج لمنتدى دافوس حتى نعلم مقدار تدني‮ ‬مستوى منظوماتنا التعليمية،‮ ‬وضعف أدائها،‮ ‬بالنظر إلى ما تستهلكه من موارد مالية وبشرية،‮ ‬لكن تقييم منتدى دافوس،‮ ‬الذي‮ ‬صنف الجزائر في‮ ‬المرتبة‮ ‬119‮ ‬ومصر في‮ ‬المرتبة ما قبل الأخيرة من بين‮ ‬140‮ ‬دولة،‮ ‬وصنف دولة قطر في‮ ‬المرتبة الأولى عربيا والرابعة عالميا،‮ ‬يكون قد عمل بمقاييس على الهوى،‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬تحتاج إلى إعادة تقييم،‮ ‬كما هو شأن معظم التصنيفات الدولية الدورية،‮ ‬التي‮ ‬تحوّلت مع الزمن إلى أداة سياسية تبتزّ‮ ‬الدول،‮ ‬وتصدّر مشاعر الإحباط لبعض الشعوب على رأسها العرب والمسلمون‮.‬

دعونا نتوقف عند تصنيف دافوس لجودة التعليم في‮ ‬بلدين عربيين كبيرين‮: ‬الجزائر ومصر،‮ ‬وهما من أكبر الدول العربية المصدّرة للكوادر الجامعية الجاهزة للتوظيف في‮ ‬الشركات والمؤسسات الغربية،‮ ‬فكيف‮ ‬يكون تصنيفهما دون مستوى التعليم في‮ ‬ليزوتو،‮ ‬وبوتسوانا،‮ ‬وجزر القمر،‮ ‬وميكرونيزيا،‮ ‬ما لم‮ ‬يكن في‮ ‬هذا التصنيف إرادة خفية مبيتة،‮ ‬لا صلة لها بالتقييم الأكاديمي‮ ‬العلمي‮ ‬النزيه؟ وكيف أمكن لجامعة مصرية تخرّج فيها علماء عالميون مثل أحمد زيل حامل جائزة نوبل في‮ ‬الفيزياء،‮ ‬أو جامعة الجزائر التي‮ ‬تخرج منها زرهوني،‮ ‬المسؤول الأول اليوم عن المنظومة الطبية الأمريكية،‮ ‬لو أنهما كانتا بهذا السوء؟

ثم كيف نثق بمثل هذه التقييمات التي‮ ‬سبق لبعضها أن منحت المراتب الأولى لقرابة خمسين جامعة أمريكية،‮ ‬قبل أن تلتفت إلى بقية جامعات الدول المتقدمة،‮ ‬فيما نعلم أن موطن الابتكار والإبداع قد انتقل منذ سنوات من أمريكا والغرب إلى آسيا كما تفيد إحصائيات تسجيل براءات الاختراع في‮ ‬العالم؟

أغلب الظن أن الذي‮ ‬يدير هذه التصنيفات‮ ‬يعمل بنفس المقاييس والغايات التي‮ ‬تعمل بها مؤسسة نوبل في‮ ‬جميع جوائزها،‮ ‬وخاصة جوائزها في‮ ‬الاقتصاد التي‮ ‬مُنحت لمنظرين قادوا الاقتصاد العلمي‮ ‬إلى الإفلاس،‮ ‬ومُنحت جوائز السلام لأكبر السفاحين والقتلة في‮ ‬العلم مثل أوباما وقادة الكيان الصهيوني‮.‬

الرسالة المشفرة الأولى في‮ ‬هذا التقييم الذي‮ ‬صنف قطر في‮ ‬المرتبة الرابعة عالميا،‮ ‬تليها الإمارات،‮ ‬ثم لبنان‮: ‬ثلاث دول عربية لم تتردد في‮ ‬استيراد جامعات أمريكية على طريقة استيراد المصانع‮ "‬المنتج في‮ ‬اليد‮" ‬أي‮ ‬استيراد منظومة كاملة تبدأ بتخطيط عمران الجامعة،‮ ‬والإدارة،‮ ‬وهيئة التدريس،‮ ‬ناهيك عن المناهج ومحتوياتها،‮ ‬وقد‮ ‬يكون ذلك ممكنا،‮ ‬وربما مفيدا،‮ ‬لبلدان صغيرة وغنيّة مثل قطر والإمارات،‮ ‬لكنه حتما ممتنعٌ‮ ‬على دول بحجم الجزائر أو مصر‮.‬

أما الرسالة الثانية،‮ ‬فتريد للمنظومات التعليمية العربية أن تتخلى عن مبدأ التعليم المجاني‮ ‬للعامة،‮ ‬والتوجه نحو تعليم نخبوي‮ ‬لا تفتح أبوابه سوى لأبناء الأثرياء،‮ ‬فيما‮ ‬يوجه أبناء‮ ‬غالبية الشعب للحرف والمهن اليدوية،‮ ‬حتى تحافظ النخب الثرية على وراثة مواقع الريادة والقيادة،‮ ‬كما هو الحال في‮ ‬الغرب وفي‮ ‬بعض دول الخليج التي‮ ‬شرفها تصنيف دافوس‮.‬