الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

هل عرفنا مكان الجرح لنضع عليه إصبعنا؟



هل عرفنا مكان الجرح لنضع عليه إصبعنا؟



 د. فرج أحمد قرمان


27/10/2015




لو سألت الليبيين أن يحددوا سبب أو أسباب الأزمة الليبية، ولماذا وصلنا إلى هذا المنحدر الخطير، لقالوا لك، إن سبب البلاء هو جيش الكرامة أو فجر ليبيا أو المؤتمر وحكومته أو البرلمان وحكومته أو جيش القبائل أو الدواعش أو أنصار الشريعة أو مصر أو الإخوان أو التحالف أو تركيا أو قطر أو الإمارات أو مصراتة أو الرنتان أو التبو أو حراس النفط أو أنصار الفدرالية أو الأزلام، وقد يتهم البعض أشخاصاً بعينهم مثل حفتر أو صلاح بادي أو محمود جبريل أو السويحلي أو بوخمادة أو عبد الحكيم بالحاج.. الخ. 

لا شك أن كل هؤلاء ساهموا بشكل أو بأخر فيما وصلنا إليه، ولكنهم جميعاً ليسو أصل المشكلة بل نتائج ثانوية لها (byproducts). أصل المشكلة هي نحن.. نعم نحن، أنا وأنت وكل الليبيين، فشعبٌ تنقصه التربية لا يمكن أن يؤسس، ما يسمى بدولة ناهيك عن أن يؤسس دولة ديمقراطية وحكم رشيد.
نعم، تنقصنا التربية المدنية التي تتمثل في (المعرفة المدنية Civic knowledge) و(المهارات المدنية Civic skills) و(والفضائل المدنية Dispositions). فالمعرفة لا نُولد بها، بل نتعلمها في البيت والمدرسة والجامعة وفي البيئة المحيطة بنا. وبالتوازي تتحول هذه المعارف إلى سلوك ومهارات من خلال تدريب عملي، ليس بالضرورة أن يكون مُخطط له في البيئة المحيطة. وفي النهاية يتحول الجيد من هذا السلوك وتلك المهارات إلى فضائل وقيم تجعل منا أبناء وطن صالحين قادرين على تمييز الغث من السمين، فلا يستطيع أي كان أن يجرّنا إلى متاهات الصراع السياسي والعسكري.

ما يحدث الآن، إننا لا زلنا لم نقف على الدرجة الأولى من السلم، فنحن لا نعرف ما لنا وما علينا ولا نعرف معنى المُواطنة الصالحة و لا نعرف كيف نُشارك في خدمة بلدنا ولا نعرف العمل الجماعي ولا العمل التطوعي ولا نعرف معنى سيادة القانون، وكيف نمتثل له ولا نعرف حقوقنا وواجباتنا ولا نعرف مفهوم حقوق الإنسان ولا نعرف كيف نؤسس ونسيّر مؤسسات المجتمع المدني ولا نعرف معنى الشفافية ومحاسبة الحاكم والمسئول في مؤسسات الدولة ولا نعرف معنى الفساد وكيفية محاربته ولا نعرف كيف نتحاور وكيف نتعايش سلمياً ولا كيف نحترم كرامة الأخر، ونتقبل رأيه المُخالف ولا نعرف كيف نعيش معاً في ظل التنوع الإثني والقبلي والديني. وهكذا أصبحنا شعباً سلبياً لا يحرك ساكناً، فقط ينتظر ما يجود به الحاكم وما يصدر عنه من أوامر، ونتيجة لذلك تغوّل علينا كل من وصل إلى السلطة أو تمكن من السلاح.

ولأننا لم نتعلم أسس التربية  المدنية، لا في البيت ولا في المدرسة ولا في البيئة المجتمعية المحيطة بنا، على الأقل خلال الأربعة عقود الماضية، فلم نكتسب المهارات والسلوك الكفيلين بنقلنا نوعيا إلى مصاف الدول المتحضرة نسبياً على الأقل. ونتيجة لذلك لم تتأصل فينا القيم والفضائل النبيلة مثل حُب الوطن والإيثار وروح المبادرة وحب المحيطين بنا وقبول الاختلاف واحترام الرأي الأخر والمسارعة في تنفيذ ما علينا نحو الوطن والمواطنين.

أن نأتي متأخرين خيرٌ من أن لا نأتي على الإطلاق. لقد آن الأوان لأن نبداء في جعل التربية المدنية جزء من حياة كل مواطن صغيراً كان أم كبيراً، رجلاً كان أو امرأةً وذلك من خلال:

-   حملات التوعية العامة
-  المناهج الدراسية من الصف الأول ابتدائي إلى الجامعة
-  المنتديات ومؤسسات المجتمع المدني
-  الحوارات والمناظرات العامة
-  الإذاعة والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي
-  البرامج التدريبية والمحاضرات
-  برامج تدريب المدربين (TOT)

حفظ الله ليبيا
د. فرج أحمد قرمان
fargarmn@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق