السبت، 1 فبراير 2014

المصريون فى ليبيا أحياء لكنهم أموات


المصريون فى ليبيا

أحياء لكنهم أموات

ــــــــــــــــــــ

«اليوم السابع»

ترصد معاناة

العمالة المصرية فى ليبيا الشقيقة

القتل يلاحقهم.. شتائم و«بهدلة الكفيل»

تفقدهم الكرامة

السبت، 1 فبراير 2014



s220141121317[1]

جانب من مكان التحقيق

أمل صالح وتصوير محمود حفناوى

نقلا عن اليومى :
اليوم السابع

ma7moud3012014[1]

«ولكن ألسنا كلنا شهداء، الأحياء منا، والأموات، شهداء الأحلام المزهقة، والآفاق المسدودة، شهداء العزل والإقصاء، والنسيان الجماعى، شهداء دوامة تبعثر أى أمل ممكن»، جملة صحفية قرأتها فى إحدى الصحف الغربية وصفا لحادث تفجيرات جنوب لبنان الأخيرة، جملة ببساطتها تغير من مفهوم الشهيد فى مفاهيمنا الشرقية، فمنا من يستشهد على الطرقات أو أى مواجهات مع خصم مسلح، ومنا من يستشهد ضمنيا من أجل لقمة العيش، ومنا من تعتبره دولته شهيدا، وما الشهيد إلا رجلا منسيا، هكذا كتب المواطن المصرى داخل ليبيا فى سجلات الحكومة المصرية.

حكايات المصريين فى ليبيا تسمعها من على المعبر البرى للسلوم، قبل حتى أن تراهم داخل ليبيا، أشهرها حادثة اختطاف عشرات العمال المصريين على يد جماعات مسلحة واحتجازهم فى الصحراء، مقابل الإفراج عن تجار مخدرات قبض عليهم متلبسين على الحدود المصرية.. العمالة المصرية المعتمد الأول عليها فى ليبيا لشجاعتها وقوة بنيتها، هربت من قراها البعيدة عن أى إعمار ببساطة من الفقر، ليواجهوا بالمعنى الحرفى القهر والذل وأحيانا القتل.

على معبر السلوم البرى تراهم يصطفون صفوفا طويلة أمام باب الجوازات البرية.. يتهافتون ويتقاتلون على ختم جوازات السفر، يرتدون جلابيبهم البسيطة، والتى تدل عن أنهم قادمون من الصعيد أو من قرى الوجه البحرى، فوق رؤوسهم شال قطن خفيف يحميهم من برد الصحراء وأحيانا سيولها، يتسابقون على الدخول إلى معبر ليبيا البرى، رغم أن وجوههم حفر بداخلها علامات القلق والخوف، ولكن كما اتفق جميعهم «الله غالب».

2[1]

سائق عربة الأجرة التى توجهنا بها من فندق سرت بالسلوم إلى معبر السلوم البرى لبداية أول طريق الرحلة داخل ليبيا، قال لنا وهو يشير بإصبعه تجاه أول بوابة حدود مصرية تجاه عربة نصف نقل تحمل العشرات من المصريين: «معظمهم جاء بتأشيرات مزورة تطبع لهم هنا فى السلوم، ومعظمهم سيعود من على تلك البوابات ولا يدخل إلى ليبيا، ولأن السلطات المصرية تتعاطف معهم لا يتعرضون للمحاكمة، وتكتفى بإرجاعهم لديارهم للوراء»، أول مأساة سمعناها عن حال المصريين داخل ليبيا والتى تعكس حالة اليأس داخل نفوسهم، اليأس الذى قد يدفع لارتكاب جريمة غير مضمونة العواقب.

التأشيرات المزورة هى أهون حكاية قد تسمعها عن العمالة المصرية داخل ليبيا، جلوسنا فى مكتب الأمن الحدودى لأستكمل أوراقنا لمدة 3 ساعات جعلنا نسمع مادة دسمة ومحزنة عن حكايات المصريين داخل ليبيا، «أنتى عارفة معنى الظلم.. اسمعى لحكايات المصريين من على المعبر»، قالها لنا أحد جنود الأمن المركزى الواقف ليل نهار على المعبر، مشيرا إلى أنه يوميا ترد عليه قصص مؤسفة لأوضاع المصريين بالداخل، قائلا:

«المصرى بيدخل ليبيا وهو عارف إنه إما هايتقتل من الميليشيات المسلحة اللى موجودة جوه أو يموت فى حادثة سرقة، ولو فضل عايش كرامته هاتكون ضايعة من اللى بيشوفه من شتايم وبهدلة من الكفيل»، متسائلا فى حزن وهو يشعل سيجارته الرخيصة «مش لاقى جواب ولا رد.. المصرى من دول يسألنى ليه الليبيين بيعاملونا كده مع أننا استقبلناهم ودخلناهم بيوتنا أيام عبدالناصر».

حاولنا الاقتراب من صفوف العمالة المصرية المصطفة على الحدود، إلا أنهم كانوا منشغلين باستخراج التأشيرة وغير مكترثين بالحديث الصحفى، فالأولى لديه فى تلك اللحظة هو العبور للجانب الآخر، حتى وإن كان مجهولا ومظلما.. السبب الآخر وهو الذى قاله لنا شاب ثلاثينى من محافظة سوهاج، كان يجلس من تعب الوقوف على أحد أرصفه الميناء، بين عناء الوقوف على باب التأشيرات وإرهاق التفتيش والحديث مع المجندين والرد على تساؤلات الضباط المصريين، قال لنا صراحة: «أخاف أتكلم معاكم، العين فى كل مكان وأخاف يفتكروا أنى باشتكى منهم»، لم يقل ممن، ولكنه أشار بإصبعه للبدل الميرى.

بعد رحلة خضناها استمرت ثلاث ساعات دخلنا إلى الأراضى الليبية برا، لثلاثة أسباب، الأول هو انقسام عملنا بين الحدود المصرية والليبية، والثانى للمرور بنفس خط معاناة كل مصرى يدخل إلى الأراضى الليبية لتسهيل رصد واقعهم، ومعرفة ما هى تحديدا نوعية المخاطر التى قد يواجهونها، سواء هم أم المواطن الليبى داخل أراضيه الآن وبعد ثلاث سنوات من الثورة الليبية، والثالث لرؤية الحياة الليبية على أرض الواقع بعيدا عن سماء الطائرات ووسائدها المريحة، وشهادات صفوة ليبيا.

بين قرية مساعد أول مدينة مررنا بها والحدود المصرية تقريبا ساعة إلا الربع، على طول الطريق أعمال بناء متوقفة وعمارات لم تكتمل، بالسؤال عن أسباب عدم استكمال تلك الإنشاءات وهل إذا كانت متوقفة بسبب الأحداث الجارية، قال لنا الدليل المصاحب لنا إن السبب هو خوف العمالة الأجنبية من الدخول إلى ليبيا، والعمالة المصرية هى الوحيدة التى لديها القدرة والشجاعة للدخول إلى ليبيا، ولكنهم لا يكفون لإنهاء أعمال البناء فى ليبيا.

بعد 5 ساعات ونصف من الطريق الصحراوى لخطورة الطريق الساحلى، تحديدا قرب مدينة درنة لوجود الكتائب المسلحة المنتشرة لكتائب متعددة، ومعظمهم لا ينتمى لكتيبة بعينها ولكنه يصن كشبيح، وصلنا إلى مدينة بنى غازى، أكثر المدن استقبالا للمصريين، فى صباح اليوم التالى توجهنا إلى «سوق المصريين»، أكبر سوق فى مدينة بنى غازى يضم أعلى نسبة عمالة مصرية، فى الطريق إلى السوق، وتحديدا بإحدى الساحات الشعبية كان يجلس عشرات من العمالة المصرية «سباك، حداد، بناء» وغيرهم، يحملون أدواتهم منتظرين طلبية سريعة.



1[1]

«لم نأخذ شيئا من مصر حتى نبقى بها»، هكذا قال لنا كمال حميد 45 عاما يعمل فى البناء، جملة واحدة تختصر الكثير من المعانى، الرجل كغيره من أفراد العمالة المصرية لم يجد أمامه إلا سيناريوهين لا ثالث لهما، إما أن يتعرض للنصب أو سرقة بالإكراه قد تفضى فى النهاية لقتله، يقول حميد:

«الجميع هنا يحمل السلاح، الأطفال قبل الراشدين، واللص لم يعد فى حاجة لانتظارنا فى الشارع، نفاجأ أحيانا بهجوم مسلح على منازلنا للسرقة»، يصمت قليلا ويقول: «نفقد مجهود أيام فى أقل من دقيقة، ولا منقذ لنا ولا حامى.. الله غالى»، أما عن السيناريو البديل فحدث ولا حرج قد ينخرط أى من العمالة المصرية فى عمل لمدة أيام ولا يتقاضيان لا نصف أو ربع الأجر المتفق عليه.

عن تلك الحادثة قال على الساعى 55 عاما، نجار، كان يجلس القرفصاء مغطيا وجهه ورأسه من حر الشمس بعلبة كارتون قائلا «تقاضيت نصف الأجر المتفق عليه من أحد العملاء بعد أن اتفقنا على مبلغ معين فى مقابل العمل لمده 6 أيام فوجئت به يعطينى نصف أجرى وعندما طالبته بسداد الباقى تبجح، ووجه إلى أغلظ الشتائم، ونحن هنا بلا حق وبلا سفارة تحمينا، ونحن نجلس أحيانا بالأسبوع دون عمل».

متوسط دخل العمال المصرية فى ليبيا قد لا يتجاوز «200 جنيه ليبى» أى ما يعادل أقل من ربع المواطن الليبى نفسه، أحيانا أقل، وأحيانا أكثر من الجاليات الأخرى داخل ليبيا، إلا أن الأكيد أنهم يتعاملون أسوأ من جميع الجاليات الأخرى. «المصريون هنا ليس لديهم حق كرامتنا مهانة والسفارة لا قيمة لها»، هكذا قال لنا خالد الأسيوطى 33 عاما فى سوق المصريين ببنى غازى، ليصف وضع المصريين بشكل عام قائلا: «إحنا متبدلين فى ليبيا، السرقة بالإكراه والاختطاف يوميا ولا دية إلا مجرد الضغط على الحكومة المصرية لتنفيذ مطالبها، ونحن لنا الله لا معيل ولا منقذ».

جميع من تقابلنا معهم من العمالة المصرية توحدت رواياتهم حول ما يواجهونه من مشاكل ومخاطر داخل ليبيا، ورغم أن جميعهم وإن كانوا لا يهتمون بالسياسة أو مجرياتها، فجميعهم مثلا لم يهتم بالمشاركة فى الاستفتاء على الدستور، إلا أن معظمهم أجمع على تفضيله لترشح الفريق عبدالفتاح السيسى، وما أن جاءت سيرته حتى انفرجت الأسارير وتعالت الضحكات وكأن مرآة الحديث الأول لم تكن إلا مجرد فضفضة وليست استغاثة.

«التعامل هنا اختلف معانا بعد ظهور الفريق السيسى فى المشهد بعد 30 يونيو»، هكذا قال لنا فتحى السيد 56 عاما يعمل فى أحد محلات الأقمشة بسوق المصريين، مؤكدا بقوله إن مصر لا يمكن أن يحكمها إلا رجل عسكرى - على حد تعبيره - واتفق على ما سبق العشرات من المصريين بالسوق رافعين علامة النصر. ليلتقط منه حسن جابر 44 عاما طرف الحديث قائلا:

«إحنا أخدنا مقلب فى مرسى، قطع الاتصالات مع دول العالم ولم يكن يحترمه أحد، والسيسى رجل عسكرى»، وإن كانت جميع الآراء متباينة حول رغبة العمالة المصرية فى ترشح السيسى بين قوة شخصيته وكاريزميته التى استطاع بها أن يكسب ثقة المصريين سريعا.

إلا أن الاتفاق الأغلب هو رغبة المصريين فى تلك الأرض التى يشعرون فيها بالمعنى الواقعى للظلم هى رؤية هذا الرجل على كرسى الرئاسة المصرية.


wrka122014[1]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق