الاثنين، 24 فبراير 2014

ليبيا فى مفترق طرق

ليبيا فى مفترق طرق

0790396878[1]

 

بقلم:د. رياض حسن محرم

 
تاريخ النشر : 2014-02-24

دنيا الوطن .



ربما تكون أفضل الأخبار الآتية من ليبيا أن السيناريو الأسوأ لم يحدث بعد، ولم تتحول الأمور هناك الى حرب أهلية، ولم يتم تقسيم البلاد حتى الآن كما توقع البعض، وتم التخلى عن فكرة التمديد للمؤتمر الوطنى “البرلمان” إثر محاولة إنقلاب مشكوك فى وقوعها بقيادة الجنرال “حفتر”، وتم يوم الخميس 21 فبراير إنتخاب ممثلى الولايات الثلاث (طرابلس وبرقة وفزان) لوضع دستور جديد، ولكن كل ذلك لا يخفى أن الوضع فى ليبيا شديد الإلتباس والمستقبل ما زال ضبابيا.

تميزت الثورة الليبية التى إندلعت متأثرة بثورتى تونس ومصر بسرعة العسكرة والإنتقال من إنتفاضة شعبية الى حرب عنيفة بين نظام القذافى ( أطول نظام حكم غير ملكى فى العالم) وبين القوى الثورية بمختلف تنويعاتها، فبعد إندلاع الثورة فى الشرق “بنغازى” وإنتقالها سريعا الى الغرب وعمّت المظاهرات 16 مدينة ( بنغازى وطبرق ودرنة وأجدابيا والمرج والقبة وشحات ويفرن والزنتان والزاوية ونالوت وجادو والرجبان وزوارة وكاباو وبعض أحياء طرابلس) رافعة شعارات السلمية ومطالبة بإسقاط النظام.

ولكن العنف كان السمة السائدة للثورة “كرد فعل لخصمها الدموى”، وقد حدث فى اليوم التالى 18 فبراير شنق شرطيين حكوميين فى البيضاء، وأطلقت أجهزة القذافى الرصاص على المتظاهرين ليسقط 24 قتيلا فى نفس اليوم فى بنغازى والبيضاء ودرنة “ذكرت أنباء أخرى أعداد أكثر من ذلك بكثير”، ودارت بسرعة آلة الحرب مع تزايد الإنشقاقات فى الجيش الليبى وتولى وزير الداخلية الأسبق “عبدالفتاح يونس العبيدى” قيادة جبهة الثورة التى شكلت “جيش التحرير الوطنى الليبى”، وبنهاية ذلك اليوم تمكن الثوار من تحرير المنطقة الشرقية ورفع علم الثورة عليها، ونهب الأسلحة من ثكنات الجيش وتشكيل “مجلس وطنى إنتقالى” برئاسة القاضى” مصطفى عبد الجليل” وزير العدل السابق (فى تلك الأثناء سافرت الى ليبيا بصحبة أحد الأصدقاء فى إطار لجنة الإغاثة ب”اتحاد الأطباء العرب”.

وتم إستقبالنا فى بنغازى بحرارة وحماس، ولم نتمكن من دخول سرت “معقل أنصار القذافى” بينما تمكن بعض الشبان من الأطباء والمسعفين من التسلل الى هناك، وشاهدنا على الطبيعة إصرار الثوار ورغبتهم الشديدة فى التدخل الدولى لفرض منطقة حظر جوى لحمايتهم من غارات طائرات القذافى عليهم). بينما إستطاع الثوار صد هجوما على البريقة قوامه 500 آلية عسكرية، وزحفوا الى راس لانوف على مشارف سرت لكنهم فقدوا 50 منهم فى معارك الزاوية وإستطاعت قوات القذافى فى النهاية أن تسيطرعلى الزاوية وإستعادة البريقة.

واستمر قتال غير متكافئ بين الطرفين، واستغل القذافى الفرصة ليبدأ هجوم مضاد على بنغازى ويحاصرها بينما أعلن مجلس الأمن بدء الحظر الجوى على طيران القذافى، وتمكن الثوار بمساعدة التدخل الجوى الأمريكى والفرنسى من صد الهجوم لتنسحب كتائب القذافى الى أجدابيا وتستمر المعارك كرا وفرا تحت قصف جوى مكثف للناتو لتنتهى كما نعرف بالإستيلاء على طرابلس وفرار القذافى ليقود معارك صغيرة يائسة فى سرت والوليد حتى أسره وفتله فى 20 اكتوبر 2011ونهاية نظامه وهروب عدد من أفراد أسرته وأنصاره.

دخلت ليبيا بعد سقوط القذافى مرحلة طويلة من عدم الإستقرار كان من ابرز سماتها عملية تصفية القائد الميدانى البارز للثورة عبد الفتاح يونس بواسطة عناصر متطرفة، بينما شهدت ليبيا فترات هدوء مؤقت تم فيها إجراء أول إنتخابات “المؤتمر الوطنى العام” والتى حقق فيها التيار الليبرالى تقدما ملحوظا بحصول جبهة “محمود جبريل” على 39 مقعدا من أصل 80 مقعد مخصص للأحزاب بينما لم يحصل الإخوان المسلمين الاّ على 17 مقعدا.

ويرجع ضعف أداء الإخوان ليس لضعف تأثيرهم الإيدولوجى بقدر ما سببه نظام القذافى من إستئصالهم لعقود طويلة، ولكن مظاهر الإستقرار لم تستمر طويلا فأحداث العنف المتصاعدة والفلتان الأمنى وبروز جماعات سلفية متشددة تفرض سيطرتها على الأرض مما أدى الى مقتل السفير الأمريكى ” كريستوفر ستيفانز” فى بنى غازى فى 11 سبتمبر 2012 ومعه ثلاث أمريكيين على خلفية الفيلم المسيئ للرسول، وأدى ضعف الأمن الى إنفلات عقال المجموعات المسلحة لتقوم الميلشيات المتطرفه بفرض سيطرتها الفعلية بواسطة أمرائها ووجود القاعدة على الحدود فى بلدان مجاورة، ويصل الأمر الى إختطاف رئيس الوزراء “على زيدان” وعملية إختطاف الديبلوماسيين المصريين فى طرابلس.

وعادت المليشيات المناصرة للقذافى الى فرض سطوتها ومحاولة السيطرة على منابع النفط لشل الحكومة، ويغلف هذا المشهد بصراعات قبلية وإثنية وأعلان إقليم برقة إنفصاله عن الحكومة المركزية، بينما ترتع أجهزة المخابرات الأمريكية والقطرية والتركية والإسرائيلية فى أرجاء البلاد مستغلة عدم قدرة الجيش الليبى الموزع الإنتماءات فى السيطرة على الموقف وعلى الحدود المترامية.

أدى التشوه السياسى الذى أحدثه القذافى فى سياسات ليبيا الخارجية الى ردود فعل مضادة من الشعب الليبى، ومن أمثلة ذلك الموقف غير الودى تجاه القارة الإفريقية ردا على بعثرة القذافى أموال الليبيين على القادة الأفارقة وإستعانته بمرتزقة منهم فى حربه ضد الثوار، وانعكس أيضا فى مسألة التأييد للقومية العربية متمثلا بقيام عناصر متشددة بهدم تمثال عبد الناصر فى بنغازى، وساهمت سنوات القذافى العجفاء فى طمس الإحساس بالهوية الوطنية وفقدان أى خبرات ديموقراطية، رغم محاولات نصف الناجحة فى بناء مؤسسات شبه ديموقراطية، كما ساهم تضخم دولاب الدولة الوظيفى وعدم التنوع الاقتصادى باعتماده فقط على تصدير النفط الى عجز جهاز الدولة عن إستيعاب الالاف العاطلين مما سمح بامكانية جذب التيارات الرديكالية لأعداد غير قليلة منهم.

تبدو إحتمالات إقامة نظام حكم إسلامى فى ليبيا قائمة بشدة نتيجة للمشاركة الواسعة للتيار الإسلامى فى إسقاط القذافى ولطبيعة المجتمع الليبى البدوية المحافظة فما تزال الأفكار السنوسية الصوفية غالبة على العقول، وتتوزع الحركات الإسلامية على تيارات رئيسية أربع هى “الحركة الإسلامية للتغيير” وتضم الأعضاء السابقين فى “الجماعة الليبية المقاتلة” التى أفرج القذافى عنهم بعد قيامهم بمراجعات فقهية على غرار الجماعة الإسلامية فى مصر، وجماعة “الإخوان المسلمين” التى شاركت فى الثورة وانضمت مبكرا للمجلس الوطنى الإنتقالى كما قررت إنشاء حزب سياسى يمكنها من خوض الإنتخابات، والتيار الثالث هو ” التجمع الإسلامى” والذى يتبنى منهجا وسطيا ومازال يتحسس خطواته للعمل السياسى، وأيضا الجماعات الصوفية المنتشرة خاصة فى جنوب وغرب ليبيا ومن قادتها التاريخيين “عمر المختار”، ورغم إنفتاح المجال أمام التقدم السريع لتلك القوى لضعف التيار المدنى والليبرالى فى ليبيا الاّ أن الخلافات الشديدة بين تلك الأطراف وفتاوى التكفير والتفسيق فيما بينها يعوق تحقيقها إنتصارات واضحة.

من الواضح أن الوضع الليبى شديد التعقيد ومؤشرات المستقبل غامضة، ومما يزيد الصورة ضبابية وجود تهديدات خارجية وداخلية واسعة النطاق وأكثرها خطورة هو ظاهرة الميليشيات المتطرفة والمرتبطة بتنظيم القاعدة ك”جماعة أنصار الشريعة” و”المجلس العسكرى لثوار الزنتان” وعشرات التنظيمات المتطرفة التى تهدد التطور الديموقراطى للبلاد، ولكن ما يزال الحفاظ على مدنية ووحدة ليبيا متاحا شرط نجاح ممثلى لجنة وضع الدستور فى تحديد نظام حكم وطنى ديموقراطى يدعم الإندماج الوطنى وإعادة بناء المؤسسات على مستوى مهنى ويحقق العدالة الإجتماعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق