الخميس، 20 فبراير 2014

‘انقلاب’ ميلشيا ‘الصواعق والقعقاع′ في ليبيا ....... رأي القدس

‘انقلاب’ ميلشيا

‘الصواعق والقعقاع′

في ليبيا

رأي القدس



February 19, 2014

19qpt999[1]

كان مشهدا دراميا جديرا باثارة الاحباط وربما الرعب، وان لم يخل من السيريالية والكوميديا السوداء، في مزيج قد يكون الاقرب لوصف الواقع الليبي مع مرور الذكرى الثالثة لاندلاع الانتفاضة الشعبية التي كانت مقدمة لاطاحة حكم العقيد القذافي.

قادة ميلشيات ‘الصواعق والقعقاع′ يقفون امام وسائل الاعلام امس الاول مكشوفي الوجه، بينما يوجهون انذارا صارما للمؤتمر الشعبي العام او البرلمان ‘لمُغادرة السلطة خلال خمس ساعات، مؤكدين أنهم سيعتقلون كل من يرفض الاستقالة من أعضاء البرلمان بعد هذه المدة استعداداً لتقديمهم إلى المُحاكمة وتسليم السلطة لجهات أخرى، دون تسميتها’.

اما مصدر الرعب فان الانذار جاء من هذه الميلشيات التي تعد من الاقوى في ليبيا، حتى انه يعُهد لبعضها بحماية مسؤولي الحكومة والمجلس الانتقالي.

اما مظاهر السيريالية في هذا المشهد السياسي الامني الملتبس فلا يمكن حصرها في هذه العجالة. ويكفي ان نتأمل رد فعل الحكومة على هذا التهديد للبرلمان، فقد اعلن رئيسها علي زيدان رفضه لمحاولات ‘الانقلاب على شرعية الدولة’، كاشفاً عن التوصل إلى ‘تفاهم’ مع الميلشيات، وهو ما نفته الانباء الواردة عن نتائج اجتماع الممثل الخاص للامم المتحدة طارق متري مع ممثليهم (…) ومفادها انهم وافقوا فقط على تمديد المهلة الى غد الجمعة.

وكان من المقرر أن تنتهي الفترة الانتقالية للبرلمان الليبي في السابع من شباط/ فبراير الجاري لكنه قرر تمديد فترة عمله، بمبادرة من اعضاء الكتلة الاسلامية، لضمان ‘استمرار العمل على الدستور والانتخابات’، وهو ما ادى الى اندلاع مظاهرات غاضبة ومعه شبح مواجهة مسلحة بين الميلشيات المؤيدة والمعارضة للبرلمان.

ومن الواضح ان البرلمان فشل في الوفاء بالاستحقاقات السياسية الموكلة اليه، بالاضافة الى فشله في تلبية طموحات الليبيين في حد ادنى من الامن او الاستقرار او التنمية او تأسيس دولة قانون، الا ان تنفيذ ‘الصواعق والقعقاع′ تهديدها لا يمكن الا ان يزيد الاوضاع سوءا.

كما ان لجوء البرلمان الى التمديد وسط تدهور امني وتفاقم للازمة الاقتصادية، بدلا من الرجوع الى الشعب الليبي، بعث برسالة سلبية بل ومستفزة مفادها، ان هموم المواطنين غائبة عن اجندات بعض الاحزاب التي لا تريد الا الوصول الى السلطة، ثم البقاء فيها حتى اشعار اخر.

وفي المقابل يطرح حديث رئيس الوزراء عن ‘التفاهم’ مع ميلشيات تطلق علنا تهديدات باستخدام العنف ضد ‘برلمان منتخب’ اسئلة جدية بشأن اهلية هذه الحكومة في تنفيذ مهمتها الاساسية المتمثلة في بناء الدولة، ناهيك عن توفير الشروط الضرورية لعملية التحول الديمقراطي، وعلى رأسها: احتكار الحكومة للقوة المسلحة واستخدام الحد الادنى من العنف القانوني، وتأسيس جهاز بيروقراطي محايد، وبناء المؤسسات الديمقراطية، ثم بناء الثقة في تلك المؤسسات، واخيرا اجراء انتخابات نزيهة.

اما الواقع فهو انه في قلب هذا الدائرة الجهنمية من غياب الدولة، واستئساد الميلشيات، وتشابك خطوط التقسيم العرقي والقبلي والايديولوجي، وصراع المصالح وتناحر الاقاليم، تكمن اليوم معاناة الشعب الليبي الذي ظن ان التخلص من القذافي سيكون ايذانا بالانعتاق بعد اربعة عقود الديكتاتورية والقمع والفساد.

والى حد كبير يواصل الليبيون، وبعد نحو ثلاثين شهرا من سقوط القذافي، دفع ثمن جشعه وهواجسه وامراضه النفسية التي منعته من تأسيس جيش قوي محترف، او بناء مؤسسات دولة حقيقية، او حتى تأمين حد ادنى من الرفاه الاقتصادي لهذا الشعب الغني بموارده الطبيعية وعلى رأسها النفط، سعيا للبقاء في السلطة لاطول زمن ممكن.

كما ان تدخل حلف الناتو وما صاحبه من انهيار لنظام القذافي كان بمثابة دعوة مفتوحة للتنظيمات المتشددة لتفرض سيطرتها على الارض، فيما انشغلت الاحزاب والقوى السياسية، كما حدث في بلاد اخرى، في التناحر على الوصول الى السلطة وتقاسم كعكتها متناسية اولوية بناء الدولة.

وهكذا اصبحت الاحزاب تختبئ او تتحاور او تتصارع عبر الميلشيات صاحبة الكلمة على الارض، ما ادى الى الايغال في تغييب مفهوم الدولة.

ومن هذا المنطلق جاء اعلان بعثة الامم المتحدة ‘قلقها حيال استخدام القوة لحسم الخلافات السياسية’، مطالبة’بـ’ضرورة العودة إلى الحوار الوطني وعدم الانزلاق إلى الانفلات الأمني والفوضى وتجنيب البلاد للأزمة الخطيرة’.

وان كان هذا ‘القلق’ يبدو متأخرا كثيرا في بلد تتوسع فيه سطوة الميلشيات الارهابية بسرعة هائلة، وبينها ‘انصار الشريعة’ التي قامت بقتل السفير الامريكي في بنغازي في العام 2012، ولم يعد غريبا ان تتعرض فيه البعثات الدبلوماسية للخطف او الاعتداء (كما حدث مؤخرا مع الدبلوماسيين المصريين)، بعد ان تعرض رئيس الوزراء شخصيا للاحتجاز، ناهيك عن عمليات القتل والتعذيب الواسعة التي تقوم بها تلك الميلشيات ضد بعض الليبيين والاجانب على السواء.

للاسف لقد باتت ليبيا بعد ثلاثة اعوام على الثورة ابعد ما تكون عن تحقيق اهدافها، واقرب ما تكون الى حرب اهلية لايمكن التنبؤ بمسارها او نتائجها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق