الأحد، 21 أغسطس 2016

ليبيا ما بعد تحرير سرت:

ليبيا ما بعد تحرير سرت:

إضافة إقليم رابع وسحب ورقة محاربة

الإرهاب من حفتر 

عمر الكدي

Aug 20, 2016

أعلنت قوات «البنيان المرصوص» التي تقاتل تنظيم «الدولة» في سرت، أنها سترشح أحد ضباطها ليكون حاكما عسكريا لمدينة سرت بعد اعتماده من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق. تأتي هذه الخطوة تلافيا للخطأ القاتل الذي وقعت فيه كتائب مصراتة عندما حررت سرت عام 2011 ثم غادرتها لتتحول إلى حاضنة للتنظيمات المتطرفة. فمدينة سرت موطن قبيلة القذاذفة التي ينحدر منها معمر القذافي ويعيش فيها أكبر عدد من أنصاره، وهؤلاء فعلوا ما فعله أنصار حزب البعث وصدام حسين عندما صنعوا تنظيم «الدولة» ردا على التغول الشيعي، حتى أن أحمد قذاف الدم ابن عم القذافي أشاد بشباب «الدولة»، ولم ينتفض في سرت ضد تنظيم «الدولة» إلا قبيلة الفرجان التي ينحدر منها الفريق حفتر.


لم يتبق إلا الحي الأول والثالث في سرت ليعلن عن تحريرها بالكامل، وكل المؤشرات تؤكد انتهاء تنظيم «الدولة» في المدينة التي كان القذافي يخطط لتكون عاصمة الاتحاد الافريقي، كما هرب نحو الجنوب المئات من مقاتلي التنظيم، يبدو أن معظمهم يخطط للتسلل إلى النيحر أو الجزائر ومنها نحو مالي للالتحاق بتنظيم بوكو حرام، وتحرير سرت يمنح مصراتة ورقة إضافية في مواجهة الفريق حفتر، ولكن مشكلة مصراتة أنها لا تخضع إلى قيادة واحدة، وإنما تخضع لعدة قيادات معظمها عاقل وبعيد النظر ولكن هناك قادة في منتهى الجنون وقصر النظر. قادة مصراتة العاقلون وبعد الخسائر الكبيرة التي قدموها من أجل تحرير سرت يريدون طي كل الخلافات والأخطاء التي وقعوا فيها من أجل المصالحة الوطنية، ولكن هناك من يطمح من خلال تحرير سرت إلى مزيد من النفود، وهناك من يطالب بإضافة إقليم رابع إلى ليبيا إلى جانب إقليم طرابلس وبرقة وفزان، ويمتد هذا الإقليم الذي سيعرف بالإقليم الأوسط من بلدة بن جواد من ناحية الشرق إلى مدينة زليتن غربا مارا بمدينة سرت ومدينة مصراتة، ويمتد جنوبا ليضم منطقة الجفرة بمدنها الأربع وهي هون وودان وسوكنة وزلة، وإذا فعلت مصراتة ذلك فهي تمهد لانفصال إقليم برقة عن بقية البلاد، وسيبقى مصير سكان مدينة بنغازي من أصول مصراتية مجهولا وقد يتعرضون للتهجير من كل الشرق الليبي.


حتى الآن تمكنت مصراتة من سحب ورقة محاربة الإرهاب من الفريق حفتر، فهو بعد مرور عامين لم يتمكن بعد من استئصال الإرهاب من مدينة بنغازي، كما أنه لا يحظى بدعم دولي كالذي حظيت به قوات «البنيان المرصوص» ومعظمها كتائب مصراتة بالإضافة إلى كتائب من معظم المنطقة الغربية، أما على مستوى التسليح فستمنح قوات «البنيان المرصوص» باستثناء، في حين لا يزال حظر التسلح مفروضا على قوات الفريق حفتر، ووفقا لصحيفة «واشنطن بوست» في عددها يوم الخميس الماضي فإن الإدارة الأمريكية محتارة في التعامل مع حفتر، وجاء في تقرير لميسي رايان «إن الولايات المتحدة لا تعرف ماذا تفعل مع خليفة حفتر، الذي أدى رفضه لدعم حكومة الوفاق الوطني إلى تعريض آمال الاستقرار للخطر في بلد مصاب بداء النزاع».


السيناريو الثاني الذي سيلعب فيه عقلاء مصراتة دورا مميزا مع وجود معارضة، هو أن تستغل مصراتة هذا الانتصار من أجل لم شمل البلاد، خاصة إذا تصرفت بحكمة وتسامح في مدينة سرت، ولم تلجأ إلى الانتقام والتنكيل، مثلما فعلت في طرابلس بعد تحريرها أو عندما اقتحمتها قوات فجر ليبيا عام 2014، ويقود هذا الاتجاه عضو المؤتمر الوطني السابق وعضو لجنة الحوار فتحي باشاغا، وعضو مجلس الدولة بلقاسم قزيط، والعقيد سالم جحا الذي قاد قوات مصراتة ضد كتائب القذافي، بينما يقود الطرف الثاني رئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي، وصلاح بادي الأشد تطرفا الذي دمر مطار طرابلس.


بعد تحرير سرت سيحاول الفريق حفتر السيطرة على منطقة الهلال النفطي التي تضم أربعة موانئ نفطية، وهي الزويتينة والبريقة والسدرة ورأس لانوف، والتي يسيطر عليها حرس المنشآت النفطية بقيادة إبراهيم الجضران، وكانت الكتيبة 153 التابعة لحفتر قد اقتربت الأسبوع الماضي من ميناء الزويتينة، إلى أنها سرعان ما انسحبت بعد استنفار قوات الجضران، وإذا حاول حفتر الاستيلاء على منطقة الهلال النفطي فستتحالف قوات مصراتة مع الجضران، وقد ينتهي القتال بدخول بنغازي أو تدمير البنية التحتية لصناعة النفط، وحتى إذا انفصلت برقة فإنه ستشهد حربا أهلية بين حفتر والجضران، والأخير ينحدر من قبيلة المغاربة التي تقطن مدينة اجدابيا ومنطقة الهلال النفطي، ولها عداوة تاريخية مع قبائل الشرق.


بالرغم من التوصل إلى اتفاق سياسي برعاية الأمم المتحدة إلا أنه لا يحظى بموافقة الجميع، وحتى الآن فشل مجلس النواب في عقد جلسة واحدة لتعديل الإعلان الدستوري ومنح الثقة لحكومة الوفاق الوطني، ويخطط رئيس مجلسة النواب عقيلة صالح الذي منع عقد الجلسة عدة مرات عندما كانت الجلسة مكتملة النصاب، لتسليم السلطة إلى مجلس عسكري بقيادة حفتر من خلال تحشيد القبائل، ويرفض كل مخرجات الاتفاق السياسي، بينما يطمح حفتر إلى حكم البلاد من خلال الحل العسكري مثلما حدث في مصر، في حين يسعى رئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي إلى حكم البلاد من خلال القوة العسكرية والسياسية لمصراتة، بينما لا يجد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج في يديه ما يكفي من الأوراق لتنفيذ قرارات حكومته، خاصة وأن المجلس الرئاسي يتكون من تسعة رؤوس كل منهم يملك حق الفيتو. العقود الأربعة من حكم القذافي غابت فيها الدولة كما عرفها الليبيون في العهد الملكي، فالقذافي لم يترك مؤسسات راسخة، فالدستور كان غائبا وكل ما يقوله القذافي هو الدستور، والأحزاب كانت ممنوعة في عهدها بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني، ولا وجود إلى جيش محترف فالجيش الذي كان يقوده حفتر أبيد عمدا في حرب تشاد لأنه كان لا يكف عن المحاولات الانقلابية، وأعتمد القذافي بالكامل على كتائب يقودها ابنه خميس وضباط من قبيلته، كانت مكلفة بحماية النظام وليس البلاد، كما أن القذافي أجج الخلافات القبلية وخلق عداوة بين الكثير من القبائل، وعندما أختفى انفجر القدر الكاتم الذي كان يغلي وتمزقت البلاد بين عدة هويات، وستحتاج إلى وقت طويل لتستقر من جديد، خاصة وأن الليبيين ليس لديهم خبرة في بناء الدولة، فقد كانت ليبيا جزءا من الدولة العثمانية يحكمها من طرابلس باشوات أتراك أو ألبان منذ أن طرد سنان باشا ودرغوت باشا فرسان القديس يوحنا من طرابلس، وفي عام 1911 احتلتها إيطاليا لمدة 31 عاما، قبل أن تحررها القوات البريطانية عام 1942، وجاء الاستقلال في 24 ديسمبر 1951 هدية من الأمم المتحدة، فليبيا هي أول دولة تستقل بقرار من الأمم المتحدة، وكانت الإدارة البريطانية قد أشرفت على بناء مؤسسات الدولة، ثم جاء القذافي ليدمر كل ما بني في العهد الملكي الذي استمر 18 سنة، وحتى إذا اتفقت الأطراف الليبية على وقف القتال فستحتاج الدولة وقتا طويلا لتقف على قدميها في ظل انتشار السلاح والفساد، إلا أن موقع ليبيا على البحر المتوسط يجعل كل ما يحدث بها يؤثر على دول أوروبا وخاصة إيطاليا، وإذا انهارت البلاد فلا أستبعد تدخلا دوليا خاصة وأن ليبيا تحولت إلى مأوى للكثير من التنظيمات المتطرفة، كما تحولت إلى منصة للهجرة غير الشرعية باتجاه إيطاليا، وستتغلب المصالح الدولية على مصالح الزعماء المحليين الضيقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق