الجمعة، 19 أغسطس 2016

عمائم فوق رؤوس فهايم

عمائم فوق رؤوس فهايم



  
المهندس / فتح الله سرقيوه  

نحن فى أمس الحاجة إلى عواقل ومن يملكون رجاحة العقل

 ليعبروا بنا إلى بر الأمان ولسنا فى حاجة إلى شهادات عليا  

تخطط للوصول إلى الكراسى عبر أجندات مشبوهة  للعبور 

بما ينهبونه من وطننا  إلى ما وراء البحار هم وعائلاتهم . 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المتتبع لتاريخ مجتمعنا الليبى يجد فى عاداته وتقاليده وحياته اليومية أمثالاً شعبيه وحكم وتجارب إكتسبها من معاناته على مر السنين وما تعرّض له من هيمنة وإستبداد منذ أن إستعمر هذا الوطن فرسان القديس يوحنا حيث إستنجد الليبيون بالعثمانيين الذين كانوا يرفعون شعار الإسلام والدفاع عنه ، وعلى عجل رحبوا بتلك النجدة وجهزوا أنفسهم وشدوا الرحال إلى الشواطئ الليبيه من تاجوراء وحتى طرابلس وما هى إلا سنوات حتى هيمّنوا على الأرض الليبية وأهلها شرقها وغربها وشمالها وجنوبها وإستقروا فى ليبيا بخيرهم وشرهم لمدة ما يقرب من 400 سنه .

عانت فيها العشائر والقبائل الليبية مدنها وقراها ونواجعها من الظلم ونهب الأرزاق وإثقال كاهل الناس بالضرائب (الميرى) وإستباحت الحرمات ، فحللوا ما حرم الله ونشروا الفتن بين القبائل بحجة هذه القبيلة مواليه وهذه مُعاديه وجعلوا من الليبيين أعداءً يتقاتلون ، ، هذه المعاناة أثّرت فى حياة الشعب الليبى تأثيراً جوهرياً فى نمط حياته ، فلم يشعر شعبنا بالراحة والتخلص من الهيمنة والإستبداد وسفك الدماء إلا بعد أن نال حريته بعد أن خاض حرب لا هوادة فيها ولمدة ما يقرب من 20 سنه ضد الإستعمار الإيطالى ، وفُقد فى هذه الحرب من فُقد وتعرّض شعبنا للجوع والمرض والتهجير والبؤس والشقاء حتى منّ الله عليه بالإستقلال فى 24 ديسمبر 1951 فعمت الفرحة وإستبّشر الجميع وباشر أبناء ليبيا الأحرار فى بناء الدولة الليبية فى حكومة وحدة فى ظل الدستور الليبى الذى يضمن الديمقراطية والعدالة والمساواة بمرجعية صناديق الإقتراع لإختيار الأفضل دونما جهوية ولا قبلية ولا مناطقية ولا مكانية . وما هى إلا سنوات معدودة من العمل والتجهيز لمستقبل الأجيال القادمة حتى كان سبتمبر 1969 م الذى إستمر 42 سنه من الظلم للبعض من أبناء الشعب الليبى والإستخفاف بكرامة البعض الآخر وحرمان البعض من حقوقهم المشروعة فى التعليم  .

إننى أعتبر معكم هذه الأسطر عبارة عن  مقدمة لما أردت الوصول إليه وآخذكم معى فى رحاب ذلك التاريخ الذى برز فيه مشائخ وحكماء ووجاهات إجتماعيه إستطاعت مسك زمام الأمور قدر المستطاع ، لأن الفتنه فى تلك الفترة يمكن أن تُثار وما أسهل نشرها فى إطار الإحتقان المتأزم والضغوطات النفسيه ، ولكن بقدرة أولئك الرجال وحفاظهم على الوطن وأهله تم تفويت الفُرص على الإنتهازيين من النيل من هذا الشعب الصابر ….

وقبل ذلك لا يفوتنى إلا أن  أترحم على شهدائنا الأبرار الذين ناضلوا من أجل إستقلال ليبيا منذ 1911م وضحوا بحياتهم رخصية فداءً للوطن فقد تصدوا لإيطاليا فى جميع أرجاء الوطن وإستمر النضال من أجل تحرير ليبيا لسنوات ولهذا عندما تحررت ليبيا فى 1951م وأُعتمد دستورها وشكلها السياسى لم ينسى الملك محمد إدريس السنوسى أبناء ليبيا الأوفياء وما قدمه الآباء والأجداد ولم يتنكر لهم أحد بالرغم من أن الملك رحمه الله تعالى قضى معظم حياته فى مصر ولكن الوفاء من شيم الأوفياء ، فكان مجلس النواب والشيوخ وبعض الوزراء من أولئك الرجال الأبطال الذين حملوا السلاح دفاعاً عن ليبيا وإعتبر الملك أن هذا الأمر أقل ما يمكن فى حق هؤلاء الرجال إنه حق وليس مكافأة .

 اليوم نجد ثوارنا وخصوصاً الذين يحملون المؤهلات العليا والشهادات المتميزه والذين هبوا من الداخل والخارج للدفاع عن وطنهم خارج دائرة السلطة المؤقته ولا يُستعان بهم ،  بينما من يتم تكليفهم لم يُشاهد منهم أحد على الجبهات القتالية ومنهم من لم يكن له أى دور يُذكر سواءً فى معارضة النظام  فى السابق أو بعد إنتفاضة  17 فبراير 2011م ، وكأن هناك وصاية على هذه الإنتفاضة التى لم يكن الفضل فيها لأحد سواء من خرجوا يوم 17 فبراير  .

هذا التاريخ الطويل الذى لا يخلوا من المعاناة والتصدى لطغيان الإستعمار فى أشكاله المتعددة أحياناً والصبر عليه أحياناً أخرى ، لم يجعل الليبيين  يتخلون عن وطنهم فكانت حياة الناس مستمرة ولم تتوقف وكان الليبيون يكيّفون حياتهم بطريقتهم فى شكل إنتهاج العرف القبلى بديلاً للقوانين الوضعية التى وضعها المستعمر وقد تعارفوا على أحكام دنويه فى ظل الدين الإسلامى وتعاليمه وهو ما سهّل عليهم الإستمرار فى الحياة العاديه وحتى لا يعطوا المستعمر أو الحاكم المستبد فرصة فى نشر الفتنة بينهم وتحريض البعض على البعض الآخر وبالرغم من ذلك لم يسلموا من مؤامرات الحكام الذين توالوا على حكم ليبيا .

أقول … فى سنه من سنوات الزمن الصعب مّر أحد ببئر للماء فى إحدى مناطقنا المتأزمة فوجد رجلاً يقوم بإنزال دلوه لجلب الماء من البئر .. فألقى السلام على الرجل الذى كان ينظر إلى دلوه داخل البئر فبمجرد أن إلتفت لرد السلام زلت رجله ووقع فى البئر وقضى إثر ذلك ، إنتشر الخبر وجهّز أهل الرجل المتوفى أنفسهم يتهامسون بأن إلقاء السلام على إبنهم كان سبباً فى مقتله ووصل الأمر إلى حمل السلاح وكادت الحرب تشتعل ، وهنا وبعد الخوض فى الموضوع من قبل العواقل والحكماء ، والمشائخ تم الإحتكام للجلوس فى ما يُسمى (ميعاد عرب) … وحددوا اليوم لذلك ، وإذا بهم فى الميعاد أن دخل عليهم رجل تبدو عليه الهيبة والوقار ولباسه يختلف عن الآخرين ويضع عمامة بيضاء ناصعة البياض فوق رأسه ، دخل فجأة وجلس دون أن يُكلّم أحد من الحاضرين ولم يلُقى السلام على أحد ولم يُسلم على أحد .. فإندهش أحد الحاضرين وقال (عمائم فوق رؤوس بهايم) وهنا وقف ذلك الشيخ الوقور وقال لا يا شيخ إنها (عمايم فوق رؤوس فهايم) …

وأضاف أنا الشيخ فلان ومنكم من يعرفنى وعرفت بميعادكم  اليوم وأنا فى الطريق قلت فى نفسى ربما ألقى السلام على الميعاد فيموت أحد منكم فكيف سيكون الأمر بعد ذلك ؟؟!! … فضحك الجميع وقالوا لقد أنهى هذا الشيخ الميعاد برجاحة عقله . هذا ما نحتاجه اليوم يا سادة إذا أردنا الوصول إلى المصالحة الوطنية  والإستقرار والأمن والأمان .. نريد عقول وليس شهادات.

…..اليوم أيها السادة الكرام نحتاج إلى عمائم فوق رؤوس فهايم ،لا عمائم فوق رؤوس بهايم ، ولسنا فى حاجة إلى واجهات هشه تتعامل مع مجتمعنا وكأنه مجتمع غربى ، فجامعات العالم لا تمنح العقول بل تمنح شهادات على ورق منها الصحيح ومنها المزوّر مع إحترامى للبعض  وهذا ليس سراً فقد إعترف بها يوماً أحد وزراء النظام السابق  حيث أفاد أن الشهادات العليا المتوفرة فى تلك الفترة  منها ما يقرب 70% غير موثوق بها ومشكوك فى مصادرها ، أنا لا أريد الخوض فى هذا الموضوع وليس موضوعى ، ولكن ما أهدُف إليه أن أوضاعنا الإدارية والإقتصاديه والمالية والإجتماعيه بدأت تتفاقم يوم بعد يوم ، وحكومتنا وساستنا (أين هم ؟؟!!) فأصبحوا لا يخرجون علينا إلا من وراء حجاب أو كلمة مبتورة مرتعشة متلعثمة لدقائق والغالب إما تكون كلمة وعود أو إعتذار عام ، نحن نريد من يتحدث معنا ويطلعنا على كل شئ ، لأن ليبيا لنا جميعاً والمصير واحد وسياسة التكتيم والإخفاء (الدسدسه والوشوشه) كما يقال سياسة ربما تؤكد لدينا إحساس بأن  ساستنا لا زالوا لم يثبتوا أنهم أهلاً لهذه المسؤولية ونحن لا نقلل من خبرتهم وعلمهم وشهاداتهم ولا نطعن فى ذلك لا سامح الله ، فأغلبهم صدر بحقهم قرارات إيفاد رسميه سواءً حسب الشروط المعمول بها دولياً أو وساطة و محسوبيه وقد صُرف عليهم من أموال ليبيا ومنهم من تواجد بالخارج لأكثر من 20 سنه لكى يتحصل على الماجستير والدكتوراه بينما المدة التى حددتها الجهات المختصه فى النظام السابق لا تزيد عن (ست سنوات) أى أن هناك البعض من أخذ فرصته وفرصة غيره لمرات ومنهم بعد هذه المدة الطويله لم يشعر بأنه قادر عن الإستغناء عن وجوده بالخارج فإزدوجت جنسيته بناءً على طلبه ، إضافة أنه لم يعطى (حق العيش) والصبر على الشدائد والمصائب داخل الوطن فالأموال التى صُرفت عليه من أموال الليبيين وليس من أموال النظام السابق  .

 اليوم ليس يوم المحاسبة لأحد ولكن لزاماً على حكومتنا ضرورة الإسراع فى إيجاد الحلول السريعة  للتُهدئة من غضب الشارع الليبى والذى بدأ يقترب من حالة الهيجان وردات فعله ربما تكون بالضربة القاضيه … وغناوة العلم إتقول ( إللى ما بلاه إتحمل .. تقديعك على عيبا خطا) ونحن لا نستغنى عن ساستنا الوطنيين الخبراء فى هذه المرحلة الإنتقاليه ولا نتصيد أخطائهم حتى وإن وُجدت بقدر ما  نحميهم وندعمهم وندفعهم إلى الأمام من أجل ليبيا الغالية عليهم وعلينا ونقول لهم (هذا حصانك وهذه السدره) وأعتقد أن الكل يعرف معنى هذا المثل الشعبى إلا إذا كان أحد أنساه التواجد خارج الوطن والموروث الحضارى لشعبنا العظيم … نسأل الله التوفيق للجميع …والله من وراء القصد.  ولنا لقاء آخر .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق