الأحد، 18 أغسطس 2013

الادعاء الإقصائي


الادعاء الإقصائي


dr-qwedeer[1]

بقلم / د. إبراهيم قويدر

نبدأ القول بسؤال يحتوي معاني كبيرة وكثيرة: هل الادعاءات التي تؤدي إلى الإقصاء لبعض الناس داخل المجتمع من ممارسة حقهم في الحياة العملية والاقتصادية والسياسية، أمر موجود عند الإنسان بالفطرة أم مكتسب بناءً على عوامل اجتماعية وثقافية- في بعض الأحيان- تكون للبيئة تآثيرات عليها؟

وآثرت البحث في هذا الموضوع من أجل الوصول إلى إجابة متكاملة إلى حد ما في وقتنا هذا نستطيع أن نقول: إن الذي يحكم هذه العملية هو مدى ثقافة الناس في المجتمع الذي تبدأ فيه مظاهر الادعاءات الإقصائية، فكلما كان المجتمع يعي احترام الإنسان وحقوقه وسلوكيات التعامل بين أفراده وجماعاته مبنية على الاحترام والسلوك الحسن، كلما قلّت هذه الادعاءات، والعملية هذه ليس لها علاقة بالتطور التاريخي للإنسانية والمجتمعات البشرية، لأن المجتمع العربي في المدينة المنورة ( مجتمع الإسلام الأول) إبان عصر الرسول الأكرم صلي الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين كان خاليًا تمامًا من الادعاءات الإقصائية، بل وصل الأمر بأن حرمها الإسلام في بعض أشكالها، ولأن المجتمع في ذلك الوقت فى أعلي مراتب صور الثقافة الراقية في سلوك الاجتماع الإنساني، فقد استطاع أن يكون بفضل الإسلام وتعاليم رسولنا الكريم إلى أعلى مصاف المجتمعات المتطورة أخلاقيًّا.

بعد هذا التقديم أرجع إلى محاولة تحليل واقعية قد لا تعجب البعض؛ ولكنني أراها حقيقة واقعية، ودعونا نبدأ وأعود بكم إلي العهد الملكي السابق، حيث بدآت الدولة تبني من العدم ومن المساعدات المالية الخارجية، وأصاب البلاد العديد من ظواهر الفقر والعوز وتكاتف الناس والتحم الشعب لمواجهة هذه الظروف الصعبة غربًا وشرقا وجنوبًا وشمالاً وبدآت البلاد تسير ومظاهر الدولة تظهر شيئا فشيئا.

وباكتشاف النفط ظهرت بعض المشاريع التنموية، وبطبيعة الحال فالنفس أمّارة بالسوء ظهرت معها أطماع بعض المسئولين والمواطنين للحصول علي مكاسب من هذه الثروة بطريقة غير مشروعة، وبدأ تفشي الوساطة والمحسوبيه وتململ الناس والمثقفين، وعلم الملك العابد الحقيقة بأن حاشيته بدأت تعيث في الأرض فسادًا فرحل عن ليبيا واستقال، موضحًا حسب المصادر المتعددة أنه يترك للشعب اختيار نظام حكمه الجديد وحكامه الجدد.

إن هذا التمهيد البسيط أدى إلى أن بعضًا من شباب ضباط الجيش الليبي قادوا انقلابًا عسكريًّا ضد النظام الملكي، فخرجت جماهير الشعب تؤيد الحركة التغييرية دون أن تعلم من هم قادتها، ولم يكن يهمها ذلك، لأن كل ما كان يهمها هو أن يتم إنهاء الفساد والوساطة والمحسوبية، وبعد أن انتصر هؤلاء الشباب ووضعوا أيديهم على كافة مفاصل الحكم في البلاد بدأت عملية ادعاءات إقصائيه مبالغ فيها بنشر بعض المواضيع التي تهين الملك في أخلاقياته والملكة والعائلة السنوسية، وتمخض عن ذلك عمل جاد إقصائي لكل المظاهر الثقافية والاجتماعية والسياسية لفترة الحكم الملكي، وتضخيم الادعاءات بشكل غير عادي وغير منطقي وإلغاء كل ما يتعلق بتلك الفترة من إيجابيات وتحويلها كلها إلى سلبيات، وكأن الشعب الليبي والدولة الليبية لم تولد إلا في الفاتح من سبتمبر.

سبحان الله، فكما تدين تدان، ينتفض الشعب الليبي في 17 فبراير 2011 ضد الأسباب نفسها- الوساطة والمحسوبية والفساد والرشاوي- يضاف إليهم الظلم والاستبداد وكبت الحريات، وانتصر الشعب في ثورته التي بدأت شعبية بدون قيادة، وعمت الانتفاضات كل ليبيا، ومن الطبيعي في أثناء الثورة أن يعمل الإعلاميون الثوريون المساندون لثورة الشعب في تناول مظاهر الفساد والانحرفات في نظام القذافي وأعوانه وبطانته؛ ولكن بعد الانتصار والتحرير بدأت نفس النعرات في الادعاءات وتضخيمها بشكل مثير، حتى بدا الأمر أن المطلوب هو إثبات أن مولد ليبيا بدأ مع ثورة فبراير، وما قبلها كان لا يوجد وطن ولا دولة ولا ناس تعمل فيها.

وهذا واقعيًّا يدل على تخلف حقيقي لدى من يقومون بذلك، فهم لا يمكن أن يكونوا مؤمنين حقًّا بتعاليم الإسلام: “لا تزر وازرة وزر أخرى”، ولا يمكن أيضا أن يكون لهم دراية ومعرفة وإلمام بثقافة احترام الغير وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة.

نعم يا سادة إن ما يحدث في ليبيا عمل مبالغ فيه بعيدًا عن الإسلام وعن المنطق والسلوك الثقافي في الدول المتحضرة.

ونحب أن ننبه هنا إلى أنه لا يمكن أن تكون الثماني عشرة سنة من حكم الملك كلها سلبية ولا يوجد فيها موقف إيجابي واحد، وبنفس المنطق يمكن القول بأن الاثنين والأربعين عامًا من حكم القذافي لا يمكن أن تكون كلها سلبية ولا يوجد بها موقف إيجابي واحد.

ولا يمكن أيضًا أن يكون كل من عمل في الإدارة بدولة ليبيا الأولي سارق وفاسد، وأيضا في دولة ليبيا الثانية.. والحقيقة الواجب التنبيه إليها أن في عهد نظام القذافي كانت مفاصل الحكم خاصة في السنوات الأخيرة بيده هو وحده إلى جانب أبنائه، والحقيقة التي لا يعيها شبابنا المتحمس الآن أنه لا يوجد أحد من رؤساء الوزراء ولا الوزراء لهم أي مشاركة في الحكم، كانوا جميعًا موظفين ينفذون التعليمات، ومنهم من يحاول أن ينفذها بأسلوب حضاري يراعي فيه مصلحة الشعب الليبي، ومنهم من ينفذها كما هي، وظهرت فئة أخرى وهي كبار قياديي اللجان الثورية؛ حزب القذافي، والحرس الثوري، والكتائب الأمنية.

نعم كان هناك فساد كبير، نعم كان هناك ظلم واستبداد؛ ولكن ذلك لا يعني أن لا نقيِّم تلك المرحلة ونستفيد منها، تصوروا أنه انتُقد أحد المسئولين لأنه قال في حديث له عن زوجة القذافي “السيدة صفية”، إلى هذا الحد يتم الإقصاء.

نعم هذا التوجه الموجود الآن غريب وبعيد عن أخلاق الإسلام وعن المنطق الإنساني المتحضر، وبطبيعة الحال فأنا لم ولن أقول بأن نمجدهم؛ ولكن علينا أن نحلل ونعطي كل ذي حق حقه، ولا نعمم لأن هذا يسيء إلينا وإلى بناء ليبيا الجديدة التي نتمني أن يتجسد فيها الاحترام للجميع وأن يحاسب كل ليبي وليبية علي ما اقترفت يداه، ولا يمكن أن نقول- علي سبيل المثال: إن كل ثوار فبراير سرّاق، ولكن علينا أن نحدد أن منهم فلانًا وفلانًا قام بكذا وكذا، وأن يقدم للمحاسبة، وألا يناصره الثوار الآخرون حتى في أخطائه، بل إن الثائر الحق هو الذي يبادر بتقديم زميله المتجاوز للشعب ليحاكم على ما اقترفته يداه.

علينا أن نبتعد عن الادعاءات الإقصائية والاتهامات ذات الطابع العام، ولنتعامل مع حقيقة أن ليبيا أرض وشعبها منذ العصور التاريخية القديمة وعصر الأتراك إلى الاستعمار إلى الملكية مرورًا بالجمهوريه والجماهيريه إلي أن وصلنا إلى دولة ليبيا الآن- هي دولة عاشت وستظل بفعل ناسها؛ أفرادًا وجماعات، وأنها مرت بإيجابيات وسلبيات علينا أن ننظر إليها من منظور التحليل الموضوعي المعرفي للاستفادة من الإيجابيات والحد من السلبيات.


حفظ الله ليبيا

د. إبراهيم قويدر

i_guider@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق