الثلاثة يواجهون الإعدام أو السجن بسبب اتهامات بـ "الإساءة"
قالت
هيومن رايتس ووتش اليوم إن على سلطات القضاء الليبي إسقاط التهم فوراً عن
اثنين من رجال السياسة الليبيين تم اتهامهما بـ"الإساءة للإسلام" و"السعي
للفرقة".
كما طالبت السلطات بإسقاط التهم الجنائية عن رئيس تحرير إحدى الصحف المتهم بـ"إهانة" أعضاء في السلك القضائي. معتبرة ان جميع التهم الموجهة إليهم تخالف تدابير الحماية الدولية لحرية التعبير. وينتظر أن يجري نظر القضيتين في جلسات منفصلة بمجمع المحاكم في طرابلس يوم 15 من ديسمبر الجاري.
وقالت
سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في
هيومن رايتس ووتش:أنه "من المخيب للآمال أنه ما زال بوسع النيابة استخدام
قوانين عهد القذافي لتكميم حرية التعبير. ويبدو أن أي شخص في ليبيا يرغب في
مناقشة الفساد أو غيره من القضايا الحساسة ما زال عليه النظر خلف ظهره
ليرى إن كان سيتعرض للاعتقال".
يواجه
علي التكبالي، منسق الدائرة السياسية والمسؤول عن الحملات الانتخابية في
الحزب الوطني الليبي، وفتحي صقر، الأمين العام للحزب، عدة تهم تشمل
"الإساءة للإسلام" و"السعي للفرقة"، لمزاعم باستخدامهما لملصقات مسيئة
أثناء حملة 2012 لانتخاب أعضاء المؤتمر الوطني العام. وقد تبلغ العقوبة حد
الإعدام على اثنتين من التهم.
وقام
أعضاء الحزب الوطني الليبي برفع ملصقات تتعلق بقضايا اجتماعية، منها دور
المرأة في المجتمع، في أماكن عامة بطرابلس في يونيو/حزيران 2012، أثناء
الحملة الانتخابية. كانت الملصقات تصور عدة شخصيات، ومن بينها رجل مسنملتح
ومعمم له أنف بارز. وتزعم النيابة أن الشخصية منقولة من رسم كاريكاتوري
مثير للجدل ظهر في المجلة الفرنسية "شارلي إبدو"، في 2011 و2012.
وفي 6 مارس الماضي، وجه مكتب النائب العام إلى الرجلين تهمة "السعي
للفرقة" بموجب المادة 203 من قانون العقوبات، وتهمة "الإساءة إلى الإسلام
ونبيه" بموجب المادة 207، وتهمة إهانة دين الدولة بـ"نشر رسوم ساخرة في
أماكن عامة" بموجب المادة 291، وتهمتي "التحريض العلني على بغض طائفة"
و"الإخلال بالأمن العام" بموجب المادة 318. وتقع المادتان 203 و207 ضمن عدد
لا يقل عن 30 من مواد قانون العقوبات الليبي التي تفرض عقوبة الإعدام.
كما استعانت النيابة بالمادة 76 التي تنص على أنه "إذا كوّن الفعل الواحد
جرائم متعددة، وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون
غيرها".
كما قام
أفراد تشكيل مسلح تابع للجنة الأمنية العليا، وهي هيئة شبه رسمية عملت تحت
إشراف وزارة الداخلية، بمداهمة مقر الحزب في طرابلس يوم 30 نوفمبر/تشرين
الثاني 2012. وقال المتهمان لـ هيومن رايتس ووتش إن مسؤولي الأمن صادروا
ملصقات تتعلق بالحملة الانتخابية، وأغلقوا مقر الحزب بالشمع بأمر من النائب
العام، ولم يُعد افتتاحه.
وفي
قضية منفصلة، يحاكَم رئيس تحرير صحيفة "الأمة"، عمارة الخطابي، بتهمة
"إهانة" أعضاء في السلك القضائي بعد نشر "قائمة سوداء" تضم 87 اسماً لقضاة
ووكلاء نيابة توجد بحقهم مزاعم بالفساد.
وقد يواجه الخطابي السجن لمدة تصل إلى 15 سنة. وجهت وكيلة النيابة نعيمة
العجيلي الاتهام إلى الخطابي بسبب نشره لـ"القائمة السوداء في القضاة"، في
عدد 21 نوفمبر 2012 من صحيفة "الأمة". وقد سرد المقال 87 اسماً لقضاة
ووكلاء نيابة بزعم حصولهم على مكاسب غير مشروعة، أو قبولهم لرشاوى، أو
احتفاظهم بالولاء لمعمر القذافي.
وجاء
في مقدمة المقال أن "الأمة" تلقت تلك القائمة من مصدر غير معلن، وهي تعيد
طبعها كما تلقتها. وكان الخطابي قد تم اعتقاله في 19 ديسمبر 2012، وقضى ما
يقرب من ستة أشهر محتجزاً على ذمة المحاكمة، واتهمته الدائرة الخامسة
بمحكمة جنايات طرابلس في 1 يناير الماضي بـ"التشهير" بالقضاء. ثم نُقل إلى
مستشفى يوم 6 أبريل الماضي بسبب تدهور صحته جراء إضرابه عن الطعام احتجاجاً
على احتجازه، كما قال محاميه، رمضان فرج سالم، لـ هيومن رايتس ووتش.
وفي
15 أبريل أحيلت القضية إلى محكمة متخصصة تتبع محكمة استئناف طرابلس، فأمرت
بالإفراج عنه بكفالة نظراً لحالته الصحية، إلا أنها منعته من السفر. وفي
21 أغسطس الماضي، أمر رئيس المحكمة المتخصصة، القاضي علي الزاوي، بإعادة
جواز السفر الخاص بالخطابي إليه حتى يتمكن من تلقي العلاج الطبي بالخارج.
وغادر الخطابي ليبيا في أغسطس الماضي لتلقي العلاج، وعاد إليها بعد ذلك.
وجهت
النيابة التهمة إلى الخطابي بموجب المادة 195 من قانون عقوبات القذافي،
التي تنص على أن "... يعاقب بالسجن كل من صدر عنه ما يشكل مساساً بثورة
الفاتح العظيم أو قائدها.
ويعاقب بذات العقوبة كل من أهـان السلطة الشعبية أو إحدى الهيئات القضائية
أو الدفاعية أو الأمنية وما في حكمها من الهيئات النظامية الأخرى ...".
وفي يونيو الماضي كان قد قدم الخطابي طعن بعدم دستورية المادة 195 أمام
المحكمة العليا. ولم تتوصل المحكمة العليا بعد إلى قرار في الاستئناف.
وينص
الإعلان الدستوري الليبي المؤقت، والذي يعد ملزماً للنيابة، في مادته رقم
(14) على أن "تضمن الدولة حرية الرأي وحرية التعبير الفردي والجماعي، وحرية
البحث العلمي وحرية الاتصال وحرية الصحافة ووسائل الإعلام والطباعة
والنشر... بما لا يتعارض مع القانون".
وقالت
سارة ليا ويتسن: "قد تكون القائمة التي نشرتها ’الأمة‘ منصفة أو لا تكون
ذلك، إلا أن السبيل الصحيح لمواجهة المزاعم الخاطئة هو الوسائل المدنية.
ويمكن لليبيين انتقاد الناشر والتوقف عن شراء الصحيفة، لكن على القانون
الجنائي ألا يقحم نفسه في الأمر".
إن المواد 195 و203 و207 و291 و318 من قانون العقوبات الليبي، وكلها تفرض
عقوبة السجن أو الإعلام على جرائم متعلقة بالتعبير عن الرأي، تخالف إعلان
ليبيا الدستوري والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وينبغي إلغاؤها أو تعديلها،
بحسب هيومن رايتس ووتش.
وقالت
هيومن رايتس ووتش إنه يتعين على ليبيا، لحماية حرية التعبير كما تفسرها
لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وغيرها، أن تلغي كافة القوانين التي تفرض
عقوبات على "إهانة" المسؤولين العموم والمؤسسات العامة، والتخلص من
القوانين التي تجرم التشهير.
فبينما يتمتع الجميع بالحق في التعويض إذا تعرضت سمعتهم للضرر، إلا أن
أسلوب التعامل ينبغي أن يقتصر على الدعاوى المدنية، بعقوبات غير السجن.
علاوة على هذا فإن على المحاكم، لحماية المصلحة العامة المتمثلة في النقاش
الحر حول شؤون الحكم، أن تتبنى سقفا عاليا للغاية قبل فرض عقوبات على أشخاص
للتشهير بشخصيات عامة.
وفي
14 يونيو 2012، أعلنت المحكمة العليا الليبية عدم دستورية قانون يجرم حرية
التعبير. كان القانون 37/2012، الذي تبناه المجلس الوطني الانتقالي في 2
مايو 2012، يجرم طيفاً واسعاً من أنواع التعبير السياسي، بما في ذلك "تمجيد
الطاغية [معمر القذافي] أو الإضرار بثورة 17 فبراير" أو إهانة المؤسسات
الليبية. وينبغي أن تنطبق مسببات المحكمة بالمثل على أحكام قانون العقوبات
التي تجرم حرية التعبير، بما فيها الإساءة للدين أو المسؤولين العموم.
وليبيا
طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الأفريقي
لحقوق الإنسان والشعوب، وكلاهما يحمي الحق في حرية التعبير. وتعارض
هيومن رايتس ووتش عقوبة الإعدام في كافة البلدان وتحت كافة الظروف من حيث
المبدأ، لأن كرامة الإنسان الأصيلة لا تتفق مع عقوبة الإعدام.
فهي عقوبة متفردة في قسوتها ونهائيتها، ومبتلاة في كل مكان وبشكل لا رجعة
فيه بالتعسف والتحيز والخطأ. ويشترط القانون الدولي على البلدان التي تعمل
بعقوبة الإعدام ألا تطبقها إلا في أشد الجرائم خطورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق