الأحد، 22 ديسمبر 2013

عمليات الترحيل السرية إلى ليبيا


عمليات

الترحيل السرية إلى ليبيا 


تحقيق خاص لقناة الجزيرة

( نشر في 18-12-2013 ) بقلم : جوليانا روفوس


عن معلومات استخبارية

تم انتزاعها من سجناءبو سليم

في طرابلس



عدلى

ترجمة : عدلي البرقوني البرعصي



تتبع تحقيق خاص أجرته قناة الجزيرة الفضائية مؤخرا كيف استطاع أعوان الاستخبارات وزبانيتهم من انتزاع معلومات بالتعذيب من مساجين في السجون الليبية وربط العلاقة بين تلك المعلومات  وبين اعتقال عدد من المعارضين الليبيين في بريطانيا.


واتهم سياسي ليبي الحكومة البريطانية بالتآمر لإتمام عملية ترحيله بطريقة سرية ليلقى في سجون معمرالقذافي ...وسمعنا كيف أن المحققين الليبيين أجبروا ذلك السجين على الكشف عن أسماء ليبيين مقيمين في بريطانيا وكيف تم احتجاز هؤلاء الأشخاص في وقت لاحق من قبل السلطات البريطانية ووضعهم تحت المراقبة.


وهذا نص التحقيق الخاص الذي أجرته جوليانا روفوس لفلمها الوثائقي (الناس والسلطة ):


..إن جهاز استخبارات دولة ما هو سري بطبيعته ولكنه ومن وقت لآخر تلقي الظروف التاريخية الإستثنائية بعض الضوء على العالم المخفي لخدمات الإستخبارات السرية.


وعندما سقط نظام معمر القذافي وقام الثوار باقتحام المكاتب الحكومية اكتشفوا كنزا دفينا من المراسلات السرية بين القذافي ودول الغرب. وقد كشفت هذه المعلومات عن تفاصيل مذهلة حول تفاعل النظام الديكتاتوري للقذافي مع أجهزة الاستخبارات البريطانية والأمريكية ، وترتب على ذلك استخدام تلك المعلومات لرفع عدد من قضايا المحاكم ضد الحكومة البريطانية.


وفي شهر سبتمبر 2013 قمنا بمرافقة المحامي البريطاني / سابنا مالك / و / كوري كرايدر / التابعين لمنظمة / ريبرييف / غير الحكومية التي تعنى بحقوق الإنسان، رافقناهما في رحلة إلى ليبيا. وسمحوا لنا بحضور اجتماعات تصوير فلم مع عدد من زبائنهم الذين زعموا – وفقا لمستندات سرية – بأن الحكومة البريطانية قدمت معلومات أسهمت في ترحيلهم بصورة سرية بواسطة الإستخبارات الأمريكية / سي.أي.إيه / عبر رحلات جوية أوصلتهم إلى ليبيا حيث كان معروفاً ومتوقعاً أن يتم تعذيبهم ، أو الأسوء فيما يسمي بعملية " التسليم أو الإعتقال الإستثنائي".


وفي وسط أو مركز هذه القضايا أعضاء من / الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة . وتعود تفاصيل قصة هؤلاء النفر إلى فترة بداية التسعينات عندما تعرض الإسلاميين إلى الاضطهاد في ليبيا فسافر عدد منهم إلى أفغانستان للإنضمام لصفوف المقاتلين ضد الاحتلال السوفياتي.


وعقب هزيمة الروس عاد أولئك الأشخاص إلى ليبيا مع حصيلة خبراتهم العسكرية لتركيز نشاطهم تحت قيادة أميرهم عبد الحكيم بلحاج ، والقيادة الروحية لسامي السعدي. وهنا بدأت الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة تخطط للإطاحة بنظام القذافي.


وتوافق ذلك التخطيط مع تحول القذافي ليصبح منبوذاً على المستوى الدولي ، حيث وجد المعارضون الليبيون وأتباع الجماعة الإسلامية المقاتلة مثل السعدي وجدوا لهم موطأ قدم في بريطانيا. لكن ظهور هجمات للقاعدة جعلت الجماعة الإسلامية الليبية ترسو على الجانب الخاطئ من تاريخ الأحداث.


وفهم القذافي – كما يقول المحامي / كرايدر / بعد أحداث 11 سبتمبر- أنه يستطيع من خلال إيجاد صلة بين خصومه وبين تنظيم القاعدة سيصبح بمقدوره الحصول على دعم كبير لقمع المعارضين له، ونجح في استغلال الفرصة لإعادة تأهيل تحركاته من خلال عرضه تدمير أي أسلحة للدمار الشامل موجودة لديه ، وفي مقابل ذلك وجد الغرب فرصة سانحة للاستفادة من مخزون واحتياطيات النفط الليبية الهائلة.


ويؤكد كل من بلحاج والسعدي على أن الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة لم تتفق يوما على الإطلاق مع فكر تنظيم القاعدة وأنهما أدانا عمليات قتل المدنيين. ويقول كلاهما أنه كان للجماعة الإسلامية المقاتلة هدف واحد هو الإطاحة بنظام القذافي .


لكنه ، في عام 2004 عندما دخلت " الحرب على الإرهاب " أوجها ، كان معظم أعضاء الجماعة الإسلامية المقاتلة يعيشون متخفيين في عدد من دول العالم. بلحاج والسعدي كانا يعيشان في الصين ، وكذلك الحال بالنسبة لزياد هاشم الذي كان معهما. وهنا، في الصين بدأوا يشعرون بعدم الأمان وبدأ الثلاثة بإجراء اتصالات مع أشخاص في بريطانيا كانوا يرون فيها فرصة كي يحصلوا على لجوء لهم.


وتحرك بلحاج برفقة زوجته الحامل فاطمة ليكونا أول المغادرين إلى بريطانيا وذلك بالسفر عبر ماليزيا حيث جرى اعتقالهما لحملهما جوازات سفر مزيفة. وفي تفاصيل شكواهما القضائية حول رحلتهما من كوالالمبور إلى تايلاند ، يدعيان بأنه تم اختطافهما بواسطة الاستخبارات الأمريكية / سي.أي.إيه / وتم احتجازهما ومعاملتهما بطريقة سيئة في قاعدة سرية لبضعة أيام، وأخيراً تم حملهما بطائرة ونقلهما إلى ليبيا حيث أدخلا في السجن.


والأهم من ذلك – كما يقول سابنا مالك محامي بلحاج وزوجته أن المخابرات الليبية كانت قد تلقت رسالة / فاكس / من جهاز الاستخبارات البريطاني/ إم 16 / زودت الاسخبارات الليبية بمعلومات عن مكان تواجدهما . كما ويلقي / فاكس / آخر جاء في وقت لاحق من / السير مارك ألن / الذي كان يرأس جهاز الاستخبارات / إم16 / في ذلك الوقت مزيدا من الضوء بهذا الخصوص ، وفيه يهنئ موسى كوسا ، رئيس الاستخبارات الليبية على الوصول الآمن لبلحاج وزوجته قائلاً " هذا أقل شئ قمنا بعمله لأجلكم ولأجل ليبيا " قبل مواصلة التنسيق لزيارة طوني بلير المرتقبة .


معانقة الصحراء.


بتاريخ 25 مارس 2004 وصل طوني بلير كأول رئيس وزراء بريطاني يزور ليبيا منذ عام 1943 وبعد معانقته للقذافي صرح بأن ليبيا انضمت لنا بالاعتراف " بقضية مشتركة في القتال ضد تطرف وإرهاب تنظيم القاعدة " ، وفي نفس ذلك اليوم أعلنت شركة نفط شل البريطانية الهولندية العملاقة عن إبرام صفقة لحقوق استكشاف الغاز في ليبيا بقيمة واحد بليون دولار.


وادعى المحامي / كرايدر/ أن كل ذلك كان جزءاً من صفقة سرية . أما السعدي وزوجته وأبناؤه الأربعة فقد تم احتجازهما في نفس ذلك الوقت بعد وصولهما إلى هونغ كونغ. وتم وضعهم جميعا في طائرة نقلتهم إلى ليبيا حيث تم اعتقالهم وإدخالهم السجن فور وصولهم.


وتم إطلاق سراح زوجة السعدي وأطفالها بعد شهرين لكنه – أي السعدي – مكث في السجن لمدة ست سنوات. وتعد هذه من حالات الترحيل السرية الوحيدة التي جرى خلالها التعامل مع زوجات مرحلين وحتى أبناءهم الصغار.


ووافق بلحاج والسعدي في طرابلس على مرافقتنا إلى سجن أبو سليم حيث أطلعانا على خلايا سجنهما الإنفرادي ، وتحدثا إلينا كيف كان موسى كوسا ، رئيس الاستخبارات الليبية يتباهى بعلاقاته الوثيقة مع جهاز الاستخبارات البريطاني / إم16 / و مع / السي .أي.إيه /  وأبلغانا بأن عملاء استخبارت بريطانيين جاؤوا للتحقيق معنا ، وأن كثيرا من عمليات الاستجواب حاولت انتزاع معلومات منا بخصوص ليبيين يعيشون في بريطانيا. وكانت التعليمات واضحة : اربطوا بين هذين الشخصين وبين تنظيم القاعدة . وكان التعذيب أمرا شائع الحدوث يتم أثناؤه إعطاؤهما أوراقاُ بيضاء للتوقيع عليها.


وكان أحد الأسماء التي تم إجبار بلحاج على البوح بها تحت الإكراه هو زياد هاشم ، الذي عاش فترة من الوقت في الصين عام 2004. ويبدو أن المدعو هاشم قد تمكن من الإفلات والوصول إلى بريطانيا حيث طلب حق اللجوء . واليوم هو في ليبيا حيث يعمل في إدارة مكتب الرئيس.


وعندما التقينا هاشم سمعنا منه كيف استطاع أن يفلت من سجون القذافي ، لكنه خلال فترة عام واحد أصبح داخل أحد السجون البريطانية ، وأخبرنا كيف تم اعتقاله مع مجموعة من الليبيين بدون توجيه أي تهمة ولمجرد القول لهم بأنهم يشكلون تهديدا للأمن القومي .


وعندما كان هاشم يتحدث إلينا عن كيفية زيارات رجال الأمن الليلية وكيف أثرت على عائلته، بدأت إحدى بناته في البكاء. لقد كان هاشم متأكدا بأن المعلومات التي زعمت بأنه كان متورطا في نشاطات إرهابية جاءت من ليبيا ، ومضى يقول بأنه كان يرى أوراقا رسمية ليبية في مركز شرطة بادنغتون في بريطانيا .


ورفضت الحكومة البريطانية الرد على كل دعوات المساءلة بهذا الخصوص . وأعلن مصدر في الخارجية البريطانية بأنهم " ملتزمون بإجراء تحقيقات جادة في مزاعم خطيرة  بخصوص تورط بريطانيا في إساءة معاملة محتجزين لديها أو ترحيلهم خارج بريطانيا بصورة سرية من خلال دول أخرى ".


وإذا ما تم اعتبار شهادة هاشم وضمها إلى ادعاءات بلحاج ولسعدي فإن بريطانيا لن تكون قد ساعدت فقط في عمليات تقديم الناس للتعذيب ولكنها تصرفت بناء على معلومات تم الحصول عليها بتلك الطريقة.


كرد فعل تؤكد الخارجية البريطانية بأن " الحكومة تتمسك بقوة بموقفها المناوئ للتعذيب والمعاملة والعقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة . نحن لا نتغاضى عن ذلك كما لا نطلب من آخرين التصرف بهذا الشكل نيابة عنا ".


لكن هذه القضية لن تمر بتلك السهولة التي يعتقدها البعض. ففي ديسمبر 2012 أنهى السعدي دعوته القضائية وتسلم مبلغ 2.2 مليون جنيه استرليني (3.5 مليون دولار) مدفوعة من الحكومة البريطانية . أما بلحاج وزوجته وهما المدعيين الباقين ، فيقولان أنهما لا يهمهما المال وسينهيان دعوتهما مقابل مبلغ زمزي جنيه استرليني واحد مع اعتذار رسمي.


ومع ذلك فلا تبدو هناك أفق لوجود اعتذار ربما -  كما يقول المحامي كرايدر – بسبب تحقيق أمني تم فتحه من قبل شرطة سكوتلاند يارد ، يشير إلى أن ذلك سيعد بمثابة اعتراف بالذنب من طرف بريطانيا.


وقال لنا هاشم بأنه يفكر في رفع قضية ضد الحكومة البريطانية، ومع ورود شائعات حول وجود كميات من الوثائق السرية التي ما زالت مخفية في ليبيا قد يتم الكشف عنها ، فإن مزيدا من المعلومات غير المعروفة قد يطفوا إلى السطح قريبا.   

  

ملاحظة : هذه ترجمة موثقة لمقالة قناة الجزيرة وهي موجود باللغة الإنجليزية على الرابط التالي

 لمن شاء الرجوع للنص الإنجليزي – وفقا لرواية الجزيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق