الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

الحكومة وتجسيد المركزية


الحكومة وتجسيد المركزية




إقويدر

بقلم / د. إبراهيم قويدر


24/12/2013

عندما خرجت الآلاف في بنغازي وغيرها من المدن الليبية كان أحد أسباب خروجها هو المركزية المقيتة في نظام حكم معمر القذافي التي أدت- في معظم الأحيان- إلى لجوء المواطن من أقصي غرب أو شرق أو جنوب ليبيا- للعاصمة طرابلس لإنهاء إجراء إداري بسيط يتعلق بالأحوال المدنية أو الأمور الخاصة بالحصول على إجراء يتحصل عليه المواطن في الدول الأخرى بإدارة قريته او إدارة الحي الذي يقطن فيه.


نعم، لهذا السبب خرجت الناس في الثورة الشعبية العارمة، هذه الثورة التي طمحت وأملت في أن تغير وجه ليبيا إلى دولة عصرية مدنية متطورة ينعم فيها الإنسان بكرامته وحريته؛ ولكن ما حدث على أرض الواقع بعد نجاح الثورة كان عكس ذلك تمامًا، فقد عملت الحكومات الانتقالية على تجسيد المركزيه وإهمال الحكم المحلي.


وقبل الخوض في واقع عمل الحكومات الانتقالية أريد أن أعود بكم إلى عام 1979م حيث أصدر النظام السابق قانون بشأن ((اللجان الشعبية العامة للبلديات))، وفي هذا القانون تم تشكيل لجان في كل بلدية (أي محافظة) منحت لها صلاحيات اللجنة الشعبية العامة (مجلس الوزراء)، وبدأت هذه اللجان في عملها وخصصت لها موازناتها الإدارية وموازنة المشروعات، كما مُنحت لهذه اللجان صلاحيات التعاقد والصرف من هذه الموازنات، وهنا شعر مسئولو الدولة المركزيين، وخاصة سراق المشروعات، بفقدانهم عمولاتهم في هذه المشروعات بعد أن تحولت الصلاحيات الخاصة بإدارة المشروعات إلى البلديات، ولذلك لم يدم الحال طويلاً، فبعد مضي سنتين أو ثلاث، تم تغيير القانون، وعادت المركزية بقوة وبدأ سرطان الفساد من المركز ينخر في عضد الدولة، وامتدت فروعه لكل مكان في أنحاء ليبيا بكل مستويات الحكم، سواء سميت محافظات أو بلديات أو شعبيات أو أحياء.


وبالرغم من أن استقلالية القرار المحلي هو الأساس في تقوية البناء الإداري المركزي في ليبيا، إلا أنه انبعثت في ليبيا مجموعة إدارية قيادية في كل المرافق المركزية تغدي وتعمل بصورة دائمة علي تعزيز المركزية المقيتة، وأصبحت تلك القيادات تدافع عنها بكل ما أوتوا من قوة؛ لأن مصلحتهم ارتبطت بهذا التوجه المركزي.


وعندما تم تشكيل الحكومة الانتقالية الأولى- كما سبق لي أن تناولت في مقال سابق- قامت بالإبقاء على هياكل كل وزارة، وهي نفسها الهياكل المركزية المقيتة التي كرهها الشعب، بالتالي فلم يتمكن هؤلاء الوزراء من فعل أي شىء في المحليات، واستمروا يعملون من خلال سادة المركزية السابقين.


أضف إلى ذلك أن الحكومة الانتقالية الأولى منذ بدايتها كان من المفترض أن تعين عمداء بلديات في كل منطقة ومحافظين جدد بالتشاور مع مؤسسات المجتمع المدني وحكماء كل منطقة، على أن تمنح هؤلاء الصلاحيات اللازمة التي تمكنهم من تقديم الخدمات اللازمة للمواطنين، وكذلك وضع برنامج علمي لتغيير أسلوب الإدارة المحلية في تبسيط الإجراءات وإلغاء العديد من الأجهزة المركزية غير الضرورية والاكتفاء بها محليًّا مثل السجل العقاري والحرس البلدي وحماية البيئة وغيرها من الأجهزة التي تختص بتقديم الرخص للمواطنين، وتبقي فقط على تنظيم عملية تنسيق للإحصاء والدراسات ورسم الخطط العامة والمتابعة. وحتي الآن ما زالت المركزية لم تنتهِ، واستمرارها أدى إلى الوصول بالبعض إلى ضرورة التفكير الجدي في التوجه نحو الفيدراليه كنظام للحكم في ليبيا.


وبطبيعة الحال فإنه ليس كل المنادين بالفيدرالية يهمهم أمر المركزيه ومصلحة المواطن، بل إنهم استغلوا هذا الجانب لتنفيذ منافع شخصية وأجندات سياسية معينة بعيدًا عن المصلحة الوطنية العليا.


وأرى أنه لا يمكننا أن نحقق استقرار دون تعيين أو سرعة انتخاب السلطات المحلية ومنحهم الصلاحيات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل كل منطقة من مناطق ليبيا، وهذا هو الحل الوحيد الذي علينا أن نتكاتف من أجله مع تقليص عدد الوزارات.


i_guider@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق