تنشر
صحيفة «القدس العربي» اليوم عدداً من التقارير التي وصلتها عبر مراسليها
ووكالات الأنباء وتتعرّض لمجموعة من الظواهر الثقافية والسياسية في فرنسا
تتّصل، بطريقة أو أخرى، بالتهجم على المسلمين وثقافتهم وترفع عدداً من
التبريرات والذرائع المختلفة والمتناقضة.
تصدّر أحد التقارير تصريح لرئيس وزراء فرنسا مانويل فالس يقول فيه إنه «يتفهم
القرارات الصادرة عن رؤساء بلديات محلية» بحظر لباس البحر الشرعيّ
الإسلامي المعروف في فرنسا باسم «البوركيني» الذي تغطّي فيه المرأة شعرها
وذراعيها وساقيها أثناء السباحة.
العلّة التي يرفعها فالس هي أن
«الشواطئ، وكذلك جميع الأماكن العامة، يتعيّن أن تكون خالية من المزاعم
الدينية»، ويأتي هذا الدعم من رئيس الحكومة الفرنسي للحظر ليستكمل قوانين
سابقة تحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة أو الحجاب في المدارس
الحكومية.
وتحدّث تقرير آخر عن إجراءات اتخذتها المدارس الحكومية
الفرنسية لإجبار الأطفال على تناول لحم الخنزير بغض النظر عن معتقدات
أهاليهم الدينية (أو حرية الاختيار الشخصية التي لا علاقة لها بالدين)،
ويشير، نقلاً عن صحيفة «الغارديان» البريطانية، أن مسؤولي البلدية ردّوا
على أمّ مسلمة ناقشت الموضوع معهم بالقول «إن الأمر سيكون على هذا النحو من
الآن فصاعدا: لحم الخنزير أو لا شيء».
تبرير فالس لإجراءات حظر «لباس
السباحة الشرعيّ» بأنه يرفض «رؤية عفا عليها الزمن»، وبأن على «الإسلام في
فرنسا أن يتماشى مع قيم وحريات الدول»، رابطاً هذه الإجراءات وما يقوله
بالعلمانية، التي هي، كما يقول: «ليست نفياً للدين. إنها حماية لحرية
الجميع في الإيمان وأيضاً عدم الإيمان».
أما بالنسبة لفرض لحم الخنزير
على أطفال مسلمين ويهود (أو لا يريدون، ببساطة، أكل لحم الخنزير لأسباب غير
دينية) فقد كان تبرير المسؤولين الفرنسيين أكثر فجاجة وصراحة، وإلى
العلمانية المزعومة، أضافوا أن المقصود من هذا الإجراء «تعزيز الهوية
الفرنسية»، أما رؤساء البلديات التي بدأت بحظر «البوركيني» فقد تحدث بعضهم
عن كون هذا اللباس شكلا من أشكال «التحريض»، فيما تحدث البعض عن «الحفاظ
على الصحّة العامة»!
من غير المفهوم أبداً كيف تشتغل العلمانية
الفرنسية، التي من المفترض أن تحمي الأديان جميعها، ضد دين بعينه هو الدين
الإسلامي، وكيف لا يعتبر معتنقوها الافتراضيّون أن لأكل لحم الخنزير (وحتى
لباس البحر في سياقه التاريخي) معنى دينيّاً يُعلي شأن دين على آخر، وأن
الهويّة الفرنسية يجب أن تنسجم فقط مع أتباع هذا الدين وأن تُفرغ الفضاء
العامّ (لا الرسمي فحسب كالمدارس) من وجود المسلمين أو ما يدلّ على وجودهم؟
أما
المسلمون في فرنسا فإن لسان حالهم يقول إن علاقة هذه الإجراءات والتصريحات
بالعلمانية (وغيرها من التبريرات) شديدة التهافت، وأن ما يجري، حاليّاً،
هو أن السياسيين الفرنسيين يتبارون في إيذاء المسلمين لأن هذا سيؤمن لهم
أصواتاً أكثر في الانتخابات المقبلة، وهو أمر يعني أن الاتجاه العنصريّ
والهستيريا ضد المسلمين قد وصلا، لدى الجمهور العام الفرنسي، إلى مستويات
مخيفة.
يمكن ربط الأمر، بالتأكيد، بتزايد العمليات الإرهابية التي ضربت
فرنسا في «شارلي إيبدو» وباريس ونيس، والتي نفّذها مسلمون، ولكنّ هذه
الهجمات الخطيرة كان يجب أن تكون سبباً لمراجعة جذرية رسميّة وشعبيّة
للسياسات الداخلية والخارجية الفرنسية بدل أن ترتكس فرنسا، حكومة وإعلاماً
وجمهوراً، إلى هذا الدرك المؤسف من ضياع البوصلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق