مرج البحرين.. الذي لم يعد!
مرج البحرين.. الذي لم يعد!
في
حياتنا أخطاء شائعة.. مازلنا ترددها، حتي وإن كان مصدرها التاريخي صحيحاً،
في مقدمة هذه الأخطاء حكاية مياه النيل التي تلتقي بمياه البحر المالح،
عند مصيف رأس البر، أي عند بوغاز فرع دمياط.
حقيقة
كان ذلك يحدث في سنوات سابقة عندما كانت مياه النيل تأتي إلينا من منابع
النيل، ونفتح لها أي سدود، أو خزانات، أو قناطر.. لتنطلق لتصب في البحر
المتوسط عند مصبي النيل «دمياط شرقاً.. ورشيد غرباً وهما ما بقيا من سبعة
أفرع للنيل القديم.. وهنا كانت حكاية مرج البحرين التي وردت في القرآن
الكريم في سورة (الرحمن) بسم الله الرحمن الرحيم {مرج البحرين يلتقيان
بينهما برزخ لا يبغيان}، ثم في سورة (الفرقان) {وهو الذي مرج البحرين هذا
عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً} صدق الله
العظيم.
<<
وكان هذا يحدث قبل أن ننشئ السد العالي ونوقف جريان الفيضان حتي المصب.
حقيقة كنا نفتح السدود لتمضي المياه، عندما تكون عالية.. ولكننا لم نفعل
ذلك من سنوات بسبب انخفاض منسوب المياه في بحيرة السد العالي.. وبالتالي لم
نعد نسمح بإلقاء متر واحد من المياه الحلوة في البحر المالح..
وهكذا
أصبح المجري المائي من سد وهاويس دمياط وحتي رأس البر أي المصب وكذلك من
قناطر ادفينا علي فرع رشيد وحتي البحر المتوسط، أصبح هذا المجري المائي- في
الفرعين- من مياه البحر المالحة.. وبالتالي شاء الله سبحانه وتعالي أن
يتوقف جريان المياه العذبة والمسافة 18 كيلو متراً من سد دمياط وحتي رأس
البر والمسافة أقل من فرع رشيد.
<<
ورغم ذلك، مازال كل من يقف علي لسان رأس البر الذي أنشأ في عام 1936 لنحمي
الشاطئ من طغيان أمواج البحر، يتحدث عن هذا البرزخ وأصبحت المياه مالحة،
في المجري القديم لمنطقة مصب النيل، وحتي يتصل بمياه البحر المتوسط
شمالاً.. وأتذكر هنا- قبل إنشاء السد العالي، أن عنف الفيضان كان يزمجر وهو
يندفع بدواماته الرهيبة ليصب في البحر المالح، وكنا نري مياه النيل-
الحلوة- تنطلق وبعنف داخل مياه البحر المتوسط المالحة ولمسافات طويلة
بلونها البني فتجذب أسراب السردين القادمة من غرب المحيط الأطلنطي بأسرابها
الهائلة، وتعبر مضيق جبل طارق وتدخل البحر المتوسط ويتجه بعضها إلي
إيطاليا- ولاحظوا هنا اسم هذه الجزيرة القديمة «سردينيا» أما أكثرها فكان
يتجه شرقاً ليعيش علي ما تحمله مياه فيضان النيل من طحالب فيكبر السردين
ويزداد وزنه ودهنه ويتحول إلي سمكة مبرومة يعشقها الناس: مشوية. ومقلية..
ومملحة وحتي معلبة.
<<
الآن انتهت حكاية مرج البحرين. وانتهي معها عصر السردين. والغريب أنه
مازال يأتي بحثاً عن مياه النيل العذبة.. بحكم الجينات التي توارثها
السردين، ولكن لأنه بلا ذاكرة.. مازالت رحلته مستمرة..
تماماً
مثل من يكتب حتي الآن عن مجري النيل ومياهه العذبة علي يمين لسان رأس
البر.. وعن مياه البحر المالحة.. وينسي الكل أننا لم نعد نلقي بمتر واحد من
المياه الحلوة في البحر.. لأن البشر أحوج ما يكون الآن إلي كل متر من
المياه الحلوة..
<< متي نصدق- يا أهل الإعلام- أننا لم نعد نلقي بأي مياه حلوة في مجري البحر ليسجلها علينا أبناء وشعوب دول منابع النيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق