يجتذب وزير الخارجية المصري، سامح شكري،
في الاونة الاخيرة النار من كل صوب في العالم العربي والإسلامي، الذي
يعارض تطبيع العلاقات مع إسرائيل. فبعد أن نشر بأنه شاهد المباراة النهائية
لليورو مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يأتي تصريحه الدبلوماسي الأخير
امام تلاميذ الثانوية المتميزين في وزارة الخارجية في القاهرة والذي جاء
فيه ان «قتل إسرائيل للاطفال الفلسطينيين لا يعتبر إرهابا»، ليصب المزيد من
الزيت إلى شعلة معارضي نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. «الصهيوني الجديد»،
كتب نشطاء في الشبكات الاجتماعية، فيما أن مستشار الرئيس السابق محمد
مرسي، الذي اطاح به انقلاب عسكري، غرد على التويتر فقال: «اذا كانت هذه
اقوال وزير الخارجية المصري، فماذا سيكون تصريح وزير الخارجية
الإسرائيلي؟».
شدد الوزير المصري في حديثه امام التلاميذ على التزام
بلاده بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني واضاف بأنه «مع اخذ تاريخ
إسرائيل بالحسبان، فإن الإسرائيليين يولون اهمية عالية جدا للأمن وهم
يعملون منذ 1948 على تثبيت أمنهم». ومع ذلك، وردا على سؤال إذا كان قتل
إسرائيل لاطفال فلسطينيين يعتبر إرهابا، اجاب شكري: «لا يمكن وصف هذا
الإرهاب دون اتفاق دولي يعرف الإرهاب جيدا. هناك مفاهيم دولية مثل دولة
إرهاب، حين تنفذه بعض الدول ضد شعوب خارج حدودها او تقمع معارضيها في داخل
حدودها في اطار سياسي.
كدبلوماسي مهني، قال شكري اقواله باللغة
الدبلوماسية المقبولة في الساحة الدولية. واضاف بأنه «مع أخذ الاطار
السياسي بالاعتبار يمكن القول ان النشاط العسكري بلا شرعية هو عمل غير شرعي
ان لم يكن تحت مظلة دولية. والتدخل في الشؤون الداخلية للدول يتعارض مع
ميثاق الأمم المتحدة، ولكن إذا كنا نريد ان نصف عملا ما كإرهاب ـ فيجب ان
يكون اتفاق دولي على هذا الوصف».
شكري، الذي زار إسرائيل في بداية تموز
الماضي، كان المسؤول المصري الكبير الاول الذي يزور البلاد منذ 2007. وهذا
جزء من تسخين العلاقات بين إسرائيل ومصر منذ صعد الرئيس السيسي إلى الحكم
في حزيران 2014. وفي حينه ايضا اعيد تعيين السفير المصري حازم خيرت بعد أن
«اعيد للتشاور» سلفه عاطف سالم في ايلول 2012، بأمر من رئيس الاخوان
المسلمين محمد مرسي، على خلفية حملة «عمود السحاب». ولكن رغم تطبيع
العلاقات بين الدولتين واضح ان التغيير لم يتسلل بعد إلى الشارع المصري.
وكما
اسلفنا، فإن اقوال وزير الخارجية المصري عرضته للسخرية في اليومين
الاخيرين. يكاد لا يكون هناك اي معلق على الانترنت لم يقل ما يفكر به عن
الدبلوماسي الكبير. كان هناك من ذكر اقوال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ـ
الرجل المحبوب جدا في العالم العربي اليوم ـ الذي ادعى بأن «الانقلاب في
القاهرة اعد في مطبخ تل ابيب».
وبعد ان وصف المتصفحون شكري «عراب
الخونة» و«وزير خارجية نظام الإرهاب» كتب النشيط سليم الكرمي في موقع
«الجزيرة»: «الاسرة الدولية لا تعترف باصطلاح الإرهاب، ولكنها بالفعل تقاتل
بكل قوتها المسلمين في كل مكان، تحت عنوان «الحرب ضد الإرهاب».
يخرج عن المسار.
عين
رئيس الوزراء المصري الأول في عهد السيسي ابراهيم محلب شكري وزيرا
للخارجية. وهذا دبلوماسي مصري كبير عمل كسفير في واشنطن بين 2008 و 2012
وهو يحمل لقبا جامعيا في القانون من جامعة عين شمس واب لاثنين. وكان بدأ
طريقه في وزارة الخارجي في مصر في 1976، حين عمل في السفارتين المصريتين في
لندن وفي بوينس آيرس وكذا عضو في الوفد الدبلوماسي المصري الدائم في
نيويورك. في العامين 1994 ـ 1995 ترأس دائرة الولايات المتحدة وكندا في
وزارة الخارجية المصرية وتولى منصب السفير في النمسا وكذا مندوب مصر الدائم
إلى المنظمات الدولية في فيينا في الاعوام 1999 ـ 2003. وفي اعوام 2005 –
2008 عمل كمندوب مصر في الأمم المتحدة في جنيف، وادار مكتب وزير الخارجية
السابق احمد ابو الغيط في عامي 2004 ـ 2005.
في اطار الهجمة المضادة نشر
نبأ عن شكري في المواقع المقربة من النظام وصف فيه كمقاتل قديم من اجل
الشعب الفلسطيني وحقوقه. ومن غير المستبعد ان يكون هذا النشر قد بادرت اليه
وزارة الخارجية في القاهرة، في ضوء الهجوم الاكثر حدة الذي يتعرض له نظام
السيسي في السنوات الاخيرة.
وكان شكري قد اثار عليه في اذار 2011 الغضب
من وفد الولايات المتحدة في الأمم المتحدة: ففي برقية تسربت وصف شكري بأنه
«رجل ذو خط عدواني، يخرج عن مسار الخط السياسي للنظام في مصر». وكتبت
البرقية في 2 تموز 2008 وجاء فيها ان الوفد المصري يعمل على تجنيد وفود
الدول الاخرى ضد خط الولايات المتحدة. وضمن امور اخرى تقتبس البرقية عن
شكري في خطاب القاه في اذار 2008 في جلسة مجلس حقوق الانسان وجاء فيه:
«توجد مقاومة فلسطينية تقاتل ضد احتلال اجنبي على ارضها وهذه المقاومة
تدافع عن نفسها بشكل شرعي».
وكان الغضب الأمريكي نبع من أنه في تلك
الايام بالذات كانت القاهرة جزءا لا يتجزأ من المفاوضات السلمية بين
إسرائيل والفلسطينيين، ولكن شكري حبذ عدم التطرق إلى ذلك. ما فاجأ
الدبلوماسيين الأمريكيين في جنيف كان التوقيت نفسه: فقد قيلت هذه الامور
بعد بضعة ايام من دعوة وزير الخارجية المصري الفصائل الفلسطينية إلى ضبط
النفس كي لا يمسوا بالمسيرة السلمية.
في البرقية اياها يتم التجنيد على
موقف شكري بعدم اعطاء وزن زائد للمنظمات غير الحكومة في مجلس حقوق الانسان.
واشير إلى أنه نفسه امتنع عن التصويت في الحالات التي تشارك فيها هذه
المنظمات ولكن مساعديه عملوا على تجنيد الدول في صالح الموقف المصري. كما
تتناول البرقية ايضا لباس شكري وتشير إلى ان اناقته وكياسته لا تتناسبان مع
التصلب الذي يبديه تجاه الدبلوماسيين الغربيين.
المغردون لم يقتنعوا.
ينضم
صد النقد إلى ما نشرته وزارة الخارجية المصرية على صفحتها الرسمية على
الفيس بوك تحت عنوان «اقوال وزير الخارجية اخرجت عن سياقها عمدا في وسائل
الإعلام المحلية والاجنبية».
وفي بيانه ندد الناطق بلسان الوزارة احمد
ابو زيد ما نشر في هذا الشأن واضاف بأن «هذه منشورات صفراء تستهدف المس
بموقف مصر الداعم لحقوق الفلسطينيين منذ الازل». ودعا كل من «يستمع ويفهم»
إلى مشاهدة توثيق اللقاء في موقع الوزارة.
«التلميذ لا يسأل بشكل محدد
عن قتل اطفال فلسطينيين بل يوجه سؤالا نظريا يتعلق بالسبب الذي يجعل
الاسرة الدولية لا ترى في نشاط إسرائيل ضد الفلسطينيين إرهابا، ومتى تسمى
دولة ما «دولة إرهاب»، شدد الناطق بلسان الخارجية ودعا كل وسائل الإعلام
«إلى عدم الوقوع مرة اخرى في خطأ التقارير غير المهنية».
في كل الاحوال، يبدو أن الايضاحات والبيانات عن الوزير المصري لم تقنع المغردين وكتاب البوستات والتغريدات على الفيس بوك والتويتر.
ياسر عقبي
معاريف 24/8/2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق