رئيس معهد الدراسات الشرقية والأفريقية
في موسكو سعيد جافروف.
قال
رئيس معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في موسكو سعيد جافروف إن الرئيس
الروسي بوتين كلف فريقا من القانونيين بإجراء تعديل على قانون سابق كان
يحرم أبناء وأتباع العقيد الليبي معمر القذافي من الدخول أو الإقامة في
روسيا، حيث من المتوقع أن يلجأ سيف نجل القذافي إلى الإقامة الدائمة في
موسكو في حال الإفراج النهائي عنه.
وفي
حديث خاص إلى «الوسط»، أكد جافروف على حرص القيادة الروسية متابعة الموقف
في ليبيا لحظة بلحظة، لما تمثله من أهمية استراتيجية، وأنها حريصة على
التواصل مع كل الأطراف في الشرق والغرب، وتسعى جاهدة للوقوف على مسافة
واحدة من كافة الأطراف والقوى السياسية، وأن سفيرها لدي ليبيا المقيم حاليا
في تونس على اتصال دائم بالأطراف المؤثرين في العملية السياسية.
وإلى نص الحوار:
■ كيف ترى موسكو الموقف الراهن في ليبيا؟
من المعروف أن الموقف في ليبيا وصل إلى مرحلة متقدمة من التعقيد، وأصبح
الوضع في البلاد بموجبه خطيرا، ليس على ليبيا فقط، وإنما على الدول
المجاورة، بل وعلى السلم العالمي، خاصة بعد أن نجحت بعض التنظيمات
الإرهابية في السيطرة على مدن ليبية هامة، لاسيما سرت التي تعد منطقة
استراتيجية، واستطاع تنظيم داعش فرض سيطرته عليها واحتلالها بالكامل، وأغلب
المحللين الروس يعتقدون أن سبب ضياع ليبيا والقذف بها في أتون الفوضى
والإرهاب، كان حلف الناتو الذي تدخل لصالح المجموعات المسلحة، التي خرجت
على حكم القذافي، فبعد تأكد الحلف من سقوط حكم القذافي ومقتله هو شخصيا،
ترك البلاد تعج في دوامة من الفوضى بطريقة متعمدة. وترى موسكو أن التدخلات
الخارجية الإقليمية والدولية هي التي أضافت العديد من التعقيدات على المشهد
الليبي المعقد أصلا.
■ هل يوجد تباين في المواقف الأميركية والروسية تجاه الأوضاع في ليبيا؟
الأميركيون موقفهم غامض مما يجري في ليبيا، ففي الوقت الذي يعكسون اهتماما
بالغا بمتابعة ما يجري من صراع بين الفرقاء على الأرض، نجدهم يتجهون نحو
الصين وآسيا، تاركين ملف ليبيا للناتو وأوروبا، لكن بالتأكيد لا يوجد
تناقض، ولا تعارض بين الموقفين الروسي والأميركي، فكلاهما ملتزم بدعم جهود
الأمم المتحدة. هنا أشير إلى أن المصالح الروسية والاستثمارية في ليبيا
تدفع موسكو للعمل على مساعدة الليبيين لتوحيد صفوفهم، وإبعاد شبح التقسيم
الذي يسعى البعض لترسيخه، لأنه سوف يفتح عليهم أبواب الجحيم في المستقبل.
■ ماذا عن الموقف الرسمي الروسي تجاه المجلس الرئاسي؟
نعم موسكو تؤيد المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق التي انبثقت من رحم مفاوضات
الصخيرات بالمغرب، وإنها مثل باقي القوى الدولية التي ترى أن تمكين المجلس
من السلطة ودعمه خطوة ضرورية لفرض الأمن والسلام، لكن في نفس الوقت لا يمكن
أن تتجاهل روسيا السلطة الشرعية الممثلة في مجلس النواب الموجود في طبرق
باعتباره الجسم الشرعي، كما تتعامل مع الفريق أول ركن خليفة حفتر باعتباره
مسؤولا عن الجيش الليبي، ومكلفا بهذه المهمة من قبل مجلس النواب، لذلك جرى
استقباله مؤخرا في موسكو، والتقى العديد من القيادات العسكرية في وزارة
الدفاع الروسية، واستمع المسؤولون الروس إلى رؤيته لمستقبل ليبيا بنفس
الاهتمام الذي استمعوا به إلى ممثل المجلس الرئاسي، لأن هدف روسيا النهائي
بسط الأمن في ربوع ليبيا بأسرع وقت ممكن، فلا أمل في حسم الصراع في ليبيا
بطريقة عسكرية، وندرك تماما أن الحل يجب أن يكون سياسيا.
■ متى ترفع موسكو الحظر عن بيع السلاح إلى ليبيا؟
لا أتصور أن موسكو يمكن أن تمنح السلاح لأحد الطرفين في الوقت الراهن، لأن
الرؤية الروسية تتبلور في ضرورة وقف إطلاق النار وجمع السلاح الموجود مع
الميليشيات المسلحة وتوحيد الليبيين تحت قيادة موحدة، ثم تأتي خطوة إنشاء
جيش موحد يكون قادر على فرض الأمن وحماية البلاد.
■ برأيك، ما الطريق الأمثل لمواجهة الإرهاب في ليبيا؟
لن تنجح أي جهود لمكافحة الإرهاب أو محاصرة تنظيم داعش في ليبيا، إلا في
حالة وجود حكومة موحدة في ليبيا، ووضع حد لحالة الانقسام الحالية، لأن
التنظيمات الإرهابية تنمو وتترعرع في ظل الانقسام، وتنشط في تجنيد أنصار
جدد في ظل هذه الظروف، وأتصور لا الجيش المصري ولا الجيش الروسي ولا غيرهما
بوسعه حسم الصراع مع القوى الإرهابية، إلا بتوحيد الجبهة الداخلية الليبية
وإعادة بناء الجيش وباقي مؤسسات الدولة، ولهذا أي جهود لا تصب في هذا
الاتجاه تصبح مضيعة للوقت، ويستفيد منها الإرهاب والمستفيدون من استمرار
وجوده على الأرض الليبية.
■ كيف يمكن لروسيا أن تساعد في تدريب وإنشاء الجيش الليبي المرتقب؟
روسيا بثقة كل الأطراف، لديها القدرة الفنية والتدريبية على تقديم كافة
صور الدعم والمساعدة لتأسيس جيش ليبي قوي وتدريب كوادره في وقت وجيز، لكن
في الوضع الحالي ليس بوسع روسيا أن تتدخل في الملف الليبي في ظل حالة
الانقسام الراهنة، كما ينبغي أن تتوحد جهود الليبيين، ويلتفون حول قيادة
موحدة ولو بشكل انتقالي، بعدها يمكن لروسيا أن تتقدم كافة صور الدعم اللازم
لليبيين بهدف تجاوز تلك المحنة، وطي صفحة الصراع المسلح.
■ كان للقذافي علاقات مميزة مع موسكو، فما حجم الاستثمارات الروسية لدى ليبيا؟
جزء كبير من حرص القيادة الروسية على دعم الاستقرار في ليبيا هو العمل على
إعادة إحياء أنشطتها وعلاقاتها التجارية والاقتصادية القديمة مع ليبيا،
فقد ازدهرت تلك العلاقات في عهد القذافي ووصل حجم الاستثمار إلى أكثر من 7
مليارات دولار أغلبها كان مرتبطا بأمور دفاعية، لكن قسم كبير منها كان يغطي
جوانب بمشاريع الغاز المسال، وهناك مشروعات جرى تجميدها وبمجرد عودة
الاستقرار يمكن إحياؤها من جديد في مختلف الأنشطة وفي مواقع متعددة.
■ ما حقيقة الدعم الروسي لإطلاق سراح سيف نجل القذافي؟
في عهد الرئيس الروسي السابق ميدفيديف صدر قرار بمنع التعامل وحظر دخول
أبناء وأتباع العقيد القذافي إلى روسيا، تماشيا مع القرارات الدولية في ذلك
الوقت، لكن الوضع الآن تغير كثيرا، وهناك دور سري تقوم به بعض الجهات
الروسية غير الحكومية، لإطلاق سراح سيف نجل القذافي، كما تسعى بعض الشخصيات
إلى استضافته للإقامة الدائمة في العاصمة موسكو عقب انتهاء إجراءات إطلاق
سراحه، خاصة أن إدارة الرئيس بوتين بدأت في إجراءات قانونية، لإلغاء قرار
ميدفيديف بحظر دخول أسرة القذافي إلى روسيا، ومن المتوقع أن تنتهي هذه
الإجراءات قبل نهاية العالم الجاري.
■ هل بوسع روسيا القيام بدور الوساطة لتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية الليبية؟
نعم ربما تكون روسيا هي الوسيط الأكثر قبولا وكفاءة على المستوى الدولي
لجمع شمل الأطراف الليبية، خاصة في ظل تصاعد الحديث عن تعديل اتفاق
الصخيرات، وأتصور أن العاصمة الروسية ستكون المكان الملائم لتلاقي كافة
القوى السياسية الليبية، انطلاقا من الحرص على وحدة التراب الليبي، وعدم
تهميش أي طرف، وإن روسيا بما لها من ثقل دولي يمكنها ضمان تنفيذ ما يتم
الاتفاق عليه، والانتقال بليبيا من الفوضى إلى الاستقرار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق