تونس
ـ «القدس العربي»: يرى الباحث في علم الاجتماع المتخصص في الشؤون الليبية
المنصف وناس ان هناك جملة من المؤثرات الداخلية والخارجية تحرك المشهد
الليبي الحالي.
فوضى
الميليشيات: ويوضح وناس انه منذ 2011 دخلت ليبيا في فوضى عارمة جراء غياب
قيادة موحدة لحراك 17 شباط/فبراير 2011 وانتشار السلاح والميليشيات
المتمردة التي لا تخضع البتة لسلطة الحكومة ووهن الدولة واختفائها فعليا
منذ 2014 إلى حد اليوم. وهذه الفوضى العارمة شكلت أوضاعا غريبة وغير معروفة
من قبل. فقد برزت مجموعة من الكيانات الميليشياوية التي يبلغ تعدادها 350
ألف عضو وتبعثرت شمالا وجنوبا مع ملايين قطع السلاح، الأمر الذي أدى إلى
غياب أي سلطة مركزية. وازاء تشتت مؤسسة الحكومة الليبية أصبحت هناك عدة
حكومات، الاولى في طرابلس تسمي نفسها حكومة انقاذ وطني بقيادة خالد الغويل
والثانية حكومة وفاق وطني بقيادة فايز سراج والثالثة هي حكومة طبرق في
البيضاء والرابعة هي حكومة تنظيم «الدولة» ومنتشرة على أغلب اجزاء التراب
الليبي تقريبا.
وأضاف:«ثمة
فوضى في مستوى الحكومات وانتشار هائل لملايين قطع السلاح والأخطر من كل
هذا، هناك غياب لروح التوافق بين الليبيين فيما يتعلق بكيفية الخروج من
الأزمة المستفحلة. فمن الناحية السياسية ان حكومة فايز السراج «حكومة
الوفاق الوطني» لم تتمكن من تحقيق توافق بين الليبيين بل صارت اليوم محل
خلاف عميق بين مختلف مكونات المجتمع الليبي وأعني بذلك أنصار النظام
السابق، وأنصار حكومة طبرق، وأنصار الجماعات الإسلامية، وأنصار حكومة
طرابلس». ويشير محدثنا إلى ان هناك نوعا من التبعثر في الكيان الليبي الأمر
الذي أدى إلى كل هذه الفوضى العارمة الأمر الذي يفرض ضرورة جمع كل
المكونات الليبية حول طاولة حوار واحدة والعمل على خلق فرص الحوار فيما
بينها وتشجيعها على ايجاد أرضية توافق وطني وسياسي وعلى الاتفاق حول كيفية
الخروج من الأزمة. وهذا الخروج لن يكون إلا ليبيا، وأما التدخلات الخارجية
فليس من شأنها أن تحل المشكلة ولا أن توجد مخارج لهذا الصدام العنيف
والمسلح بين المكونات الليبية على حد قوله.
عوامل داخلية وخارجية:
ويرى
ان هناك ثلاثة عناصر أساسية تؤثر في الملف الليبي: أولها ان الأولوية في
اذار/مارس 2011 اعطيت لعملية تدمير النظام الليبي السابق ولم تعط لإيجاد
البدائل. ويوضح، ان هدف حلف الناتو كان تدمير كل ما هو قائم على ضعفه ووهنه
دون أي تفكير في البدائل الضرورية في مرحلة ما بعد النظام السابق. ولذلك
عمد الحلف إلى القصف العشوائي وتفكيك أوصال المجتمع وتدمير بنية المجتمع
القبلي واستقراره دون التفكير في معاودة البناء. كما قتل الحلف الأطلسي
آلاف الليبيين ولم يفكر البتة بتعويض هذه الأرواح البشرية التي تم ازهاقها
ظلما وعدوانا ولذلك لم تستطع مرحلة ما بعد النظام السابق البتة ان تواجه
الصعوبات اللاحقة.
أما عن العنصر الثاني:» سيطرة الجماعات المتشددة على
حراك شباط/فبراير 2011 دون أي تفكير من هذه الجماعات في استقرار البلاد،
فاستأثرت بالسلاح وعملت على الهيمنة عليه قصد تصفية الخصوم ولذلك بدأ
الاقتتال الداخلي لأن هذه الجماعات كانت مصرة على ان تحكم وعلى ان تسيطر
على البلاد وعلى ان تمنع مشاركة أي قوة سياسية أخرى».
والعنصر الثالث:
فيتمثل بحدوث تدخلات خارجية كثيرة من أطراف إقليمية ودولية وعربية أثرت
كثيرا في الأزمة الليبية وانتجت ما أنتجت من توترات ومشاكل وتعقيدات
مختلفة.
صراع مصالح:
ويلفت
الباحث إلى ان الوضع الراهن في ليبيا هو محصلة تباينات كثيرة وصراعات
مصالح مختلفة ولكن أيضا هو حصيلة تدخلات خارجية إقليمية وعربية ودولية. فمن
الأكيد ان الإدارة الأمريكية الراهنة غير حريصة على ايجاد حلول للأزمة
الليبية وهي ليست مستعجلة في سبيل ذلك على الرغم من انها تملك الحلول
الضرورية وتملك سلطة فعلية على مختلف القوى السياسية والدينية والميليشيات
المسلحة. وهي قادرة على اجبارها على التفاوض وقادرة أكثر على إلزامها
بالحلول ولكنها لا تفكر ولا ترغب في ذلك وهي تعتبر ليبيا جزءا من حزمة
الأزمات التي تعصف بالمنطقة العربية في كل من العراق وسوريا واليمن
والبحرين وان شاءت ان توجد حلا فسيكون ذلك في اطار الحل الشامل لكل هذه
الأزمات.
أي حلول؟
إن
الحل الكامل يكون عبر إعادة بناء المؤسسة العسكرية الليبية وتكون جمهورية
نظامية تبسط سلطتها تدريجيا على كامل التراب. وأكد محدثنا ان الصراع المقبل
في ليبيا الذي سيسيل كثيرا من الدماء الزكية هو الصراع على النفط، بين
حكومة طبرق وحفتر من جهة وبين حكومة الوفاق الوطني ومصراتة من جهة أخرى.
فمن الواضح ان هناك اختلافا حادا بين من يرغب في السيطرة على الحقول
النفطية الليبية ومن يقوم بتصدير النفط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق