هيمنت
صورة الطفل السوري عمران وهو على مقعد سيّارة اسعاف على الصفحات الأولى
العالمية أمس كما أنّها كانت خبراً للقراءة والتحليل في الفضائيات وقنوات
التلفزة إضافة إلى أن شريط الفيديو للحادثة نفسها انتشر بشكل عظيم على
وسائل التواصل الاجتماعي وأدّى إلى عشرات آلاف التعليقات حوله.
وعلى
خلفيّة هذا الحدث انتشر شريط فيديو آخر لمذيعة على قناة «سي إن إن»
الأمريكية وهي تبكي من تأثرها بصورة الطفل الذي انتشله عناصر الدفاع
المدنيّ هو وأخته الأكبر منه من أنقاض منزلهما بعد قصف لقوات النظام السوري
على أحد أحياء المعارضة في حلب.
الاتجاه العامّ للمعلّقين على الصورة
من السوريين والعرب كان التعاطف مع براءة الطفولة المنتهكة ومحاولة فهم
النظرة التي استبدلت البكاء أو الألم أو افتقاد الوالدين والأهل بذهول أمام
ما يحصل له وما يجري حوله.
تعدّدت بعد ذلك الاجتهادات في النظر إلى
المسألة وسبب تأثّر العالم بها، فمن مطالب بأن يُترك الطفل لشأنه وألا يزجّ
في حرب لا يفهمها، ومن سخرية من «اهتزاز ضمير العالم» في الوقت نفسه الذي
تستمرّ فيه طائرات النظام بقصف حلب وإدلب وداريّا وباقي أنحاء المدن
والمناطق المعارضة بالبراميل المتفجرة (رغم إعلان روسيا راعية النظام
موافقتها على هدنة 48 ساعة يعود بعدها القصف والقتل إلى سابق عهدهما)، ومن
مهاجم لقناة «سي إن إن» على ادعائها أنها لا تعرف الجهة القاصفة (ما استتبع
نقاشات مهمة حول قضية «حياد» الإعلام)… الخ.
الجهات الإعلاميّة التابعة
لروسيا أعادت ما تكرّره آلتها الدعائية من أن موسكو لا تقصف المدنيين (صدر
تقرير موثق للشبكة السورية لحقوق الإنسان أول أمس يقول إن من قتلتهم
الطائرات الروسيّة من المدنيين أكثر عدداً ممن قتلهم تنظيم «الدولة
الإسلامية»).
وبعد أن كان إعلام النظام وتعليقات الموالين له على وسائط
التواصل الاجتماعي قد لاموا الطفل الكرديّ إيلان على خروج أهله من سوريا
وموته وهو يعبر البحر، والذي تحوّلت وقتها صورته إلى أيقونة لعذابات
اللاجئين، فإنه هذه المرّة تجاهل أن الطفل عمران أصيب لأن أهله قرّروا
البقاء وعدم اللجوء، واشتغل على التشكيك بحادثة عمران متسائلا عن سبب عدم
بكاء الطفل إن كان جريحاً حقّاً (وتفسير هذا طبّيا ونفسيّا في غاية البساطة
طبعا)، ما يعيدنا إلى المسلسل الهائل للأكاذيب التي اعتمدتها السلطات
السورية وبنت عليها مشروعها الإجرامي ضد شعبها.
من أفضل ردود الفعل على
الحادثة كان قيام الكاتب السوري ميخائيل سعد وأسامة إبراهيم الأكاديمي
والمترجم وناشطين آخرين من العالم بالكتابة مباشرة لمقدمة البرامج كيت
بولدوان في قناة «سي إن إن» الأمريكية متسائلين لماذا لم تذكر صراحة اسم
الجهة القاصفة لو أنها تريد حقّاً مناصرة أطفال سوريا؟
أحد التعليقات
العميقة قال إن الصورة ستأخذ مكانها في شريط صور الألم السوريّ وأنها يمكن
أن تربح جائزة وقد تبكي جزءاً من الجمهور وقد تجعل بعض سكّان الأرض
يتساءلون لماذا يحصل هذا، ولكنّ ما حصل، أيضاً، يمكن أن يحوّل أحد أقرباء
الطفل أو جيرانه إلى إرهابيّ انتحاريّ يفجّر نفسه فيسكت العالم عن طيران
روسيا والأسد ويتحدث فقط عن «مكافحة الإرهاب»، ويتابع قتل أشقّاء وأقرباء
وجيران عمران.
صورة عمران الحلبيّ، وقبله إيلان الكرديّ، وقبلهما محمد
الدرة الفلسطيني هي تثبيتات بصريّة فائقة للمأساة التي يعيشها ملايين
الأطفال في سوريا وفلسطين والعراق وباقي البلدان العربيّة المنكوبة
بالاستبداد والاحتلال (الذي هو أب كل أشكال الإرهاب) وقد يساهم تأثيرها على
المخيّلة الإنسانية في تحفيز أفعال ونشاطات وأفكار ولكنّ إيقاف المأساة
يستلزم النظر في عين القاتل وتحميله المسؤولية ثم العمل على إيقافه عن
القتل.
صورة عمران هي تلخيص لصورة آل عمران الذين هم كل من يتعرّضون للظلم ويؤمنون بأنهم سيغيّرون العالم الظالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق