الاثنين، 20 يوليو 2015

الأسوار العالية والعدو الخارجي



الأسوار العالية والعدو الخارجي

رأي القدس


أعلنت المجر مؤخرا أن جيشها بدأ تشييد سياج ارتفاعه أربعة أمتار على طول الحدود مع صربيا على امتداد 175 كم للحد من تدفق المهاجرين الذين يحاولون دخول غرب أوروبا عبر البلدين، وكانت بلغاريا واليونان واسبانيا قد بنت أسواراً على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي لأسباب شبيهة.

على الصعيد العربي، قررت حكومة تونس بناء جدار على الحدود مع جارتها ليبيا على امتداد أكثر من 200 كيلومتر، كما أن المغرب والجزائر يتسابقان على بناء الجدران الأمنية والأنفاق والخنادق، وكذلك قامت مصر بهدم الجانب المصري من قرية رفح على الحدود مع قطاع غزة وأقامت منطقة عازلة بدعوى منع التهريب وتسليح الإرهاب.

إضافة إلى الجبال الشاهقة والبحار والأنهار التي تفصل الأمم عن بعضها البعض استخدم البشر السدود والأسوار والقلاع للدفاع عن مدنهم وأراضيهم وممتلكاتهم في وجه الغزوات الكبيرة التي لم تنقطع على مرّ التاريخ، وتحفل السرديات اليهودية والمسيحية والإسلامية بأخبار عن سدود تبنى أو تنهار وقلاع تشيّد وتحاصر، كما تتذكر الشعوب برعب اجتياحات تدمّر الحضارات وتدك المدن وتحيل أهلها قتلى وسبايا.

في العصر الحديث صار هناك توافق إنساني ودولي على أن وجود الأسوار بين الشعوب شكل من أشكال التعدّي على حقوق الإنسان في حرية السفر والتنقل والسكن، كما أن ظاهرة العولمة الكبرى التي نعيشها صارت تربط بين الناس في كل القارات بوسائل التواصل الحديثة وتكسر كل أشكال الحدود، غير أن ما يوحد البشر في الفضاء والانترنت والتلفزيون شيء وما يحصل على الجغرافيا شيء آخر.

يقف جدار العزل الإسرائيلي باعتباره المثال الأسوأ للتمييز العنصري وكعرض دائم لمساوئ الاحتلال الاستيطاني والهمجية المستمرة في العصر الحديث فيما يرتفع جدار برلين عنواناً عريضا للتقسيم السياسي البشع بين أمّة واحدة، والذي أشر سقوطه إلى نهاية مرحلة تاريخية كبرى في أوروبا.

غير أن أمثلة المجر وتونس مؤخرا تؤكد التنامي المتزايد للأسوار والجدران التي تعاكس الجغرافيا والتاريخ والطبيعة، وتحاول، عبثاً، منع البشر من التنقل والحركة وفصلهم عن بعضهم البعض، تحت يافطات متنوعة بينها: مكافحة الإرهاب ومنع المهاجرين غير الشرعيين والتهريب وتجارة المخدرات.

تقطّع الحواجز والجدران ومواقع المراقبة أوصال فلسطين فتمنع حركة البشر وتحيل حيواتهم مأساة مستمرة، ولكن إذا كان الفلسطينيون لا يتوقعون من عدوهم الوجوديّ غير حرب الإفناء هذه، فما بال العرب الذين ملأوا القرن العشرين بدعوات القومية العربية والأمة الواحدة، أو بمزاعم الوحدة الإسلامية والتضامن والتكافل واعتبارهم مثل «الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء»، يبنون الأسوار كما لو أن الشعوب التي تربط بينها أخوة الدين والدم والعرق هم «يأجوج ومأجوج» القادمون لإفنائهم عن بكرة أبيهم؟

لا تفعل هذه الأسوار غير تأكيد الأسطورة السياسية الركيكة حول «العدوّ الخارجيّ»، كما لو أن هذه البلدان هي جنّات عدن الاستقرار وواحات الطمأنينة والازدهار، والمضحك أن كل الأنظمة تستخدم هذه الحجة وتطبقها واحدتها ضد شعب الأخرى المجاور أو البعيد رغم أن أغلبها يطبّق معادلات الغلبة والقهر والاستبداد نفسها على شعوبها.

في ظل هكذا أنظمة لا يعود هناك ضرورة أبداً لعدوّ خارجي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق