الاثنين، 6 يوليو 2015

الجزائر: بلاد على الكرسي المتحرك؟


الجزائر: بلاد على الكرسي المتحرك؟

رأي القدس


في ظهور رابع له منذ عام 2013 حين أصيب بجلطة دماغية بث التلفزيون الجزائري صور الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على كرسي متحرك وهو يزور مقبرة «العالية» في العاصمة للترحم على أرواح شهداء ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي في الذكرى الـ53 لاستقلال البلاد، مؤكدا أنه ماض في إنهاء ولايته الرئاسية وذلك، على حد قوله: «رغم الظروف الصحية التي أحمد الله عليها تأسيا مني بالتضحية العظمى التي قدمها الأخيار من رفاقي في صفوف جيش التحرير الوطني الذين كتبت لهم الشهادة في ميدان الشرف»!

والمعنى المستخلص من هذا التصريح هو اعتبار بوتفليقة قبوله رئاسة الجزائريين «تضحية عظمى» تتساوى في قيمتها مع استشهاد مئات آلاف الجزائريين في سبيل حرب استقلالهم. 

يضاف إلى ذلك معنى إضافيّ يمكن استنتاجه بسهولة وهو أن بوتفليقة لن يترك الرئاسة وكرسيّها قبل ان يفارق الحياة ليكون شهيد المنصب كما فعل زملاؤه الأفذاذ من زعماء العرب الذين ماتوا على الكرسي.

وما كان ينقص سوى تأكيد من الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند بعد لقائه بالرئيس الجزائري يوم 15 حزيران/يونيو الماضي على «اتقاد ذهن» بوتفليقة ومديح «قدرته على الحكم» كي يتبدّد في الهواء كل ما يرد من الجزائر عن الشلل السياسي الذي يعم البلاد، والذي عنوانه الفساد والاستفراد بالحكم ورفض أي تغيير حقيقي.

المديح الرسمي الفرنسي لبقاء بوتفليقة يتعلّق، ضمن أشياء كثيرة، بالانهيار الأمني الكبير الذي تعيشه بعض دول إفريقيا العربية، خصوصاً في ليبيا، وبدرجة أقل في تونس ومصر، وهو ما يجعل الجزائر، بالمقارنة، أفضل نسبياً من جيرانها، وهي مفارقة كبيرة تجعل الشلل وانسداد الآفاق السياسية صمّام أمان ضمن منطقة تندفع فيها أنظمة ومؤسسات وقوى سياسية، واعية أو غير واعية، نحو الانتحار.

تنظر الجزائر إلى المنطقة نظرتها إلى ماضيها الحديث والمعاصر، فتستعيد في نضالها الطويل والهائل ضد الاستعمار حذرها من تحرّكات الغرب في مغارب الأرض العربية ومشارقها، كما تستعيد عشرية صراع النظام الدامي مع «جبهة الإنقاذ الإسلامية» فتتقارب مع حركة «النهضة» وتتفهم، إلى حد ما، آلامها وأعذارها، وتواجه محاولات النظام المصري للسيطرة على ليبيا، وتشارك في التوازنات المعقدة لجيرانها الأقربين، من دون أن تفلت ملفّي الصحراء و«البوليساريو» الداميين اللذين طبعا علاقتها التاريخية المتوترة بالمغرب.

وإذا كانت هذه السياسات «الخارجية» قادرة على تقديم غطاء ومعنى للجزائر ضمن منطقة ملتهبة ومتفجرة، وتسمح بالاستمرار الطويل الأجل للعلاقة بين مؤسسات الرئاسة والجيش والأمن الجزائرية، فإنّ نظام بوتفليقة قد يذهب ضحيّة للعبة التوازنات المعقدة هذه ما لم يسمح بتغييرات حقيقية تختلف عن التعديلات الوزارية التي لا معنى لها والظهورات النادرة للرئيس وتصريحات الرئيس الفرنسي عن ذهنه المتقد.

شعب الجزائر العظيم الذي ضحى بمئات الآلاف من أبنائه للتخلص من الاستعمار والاستبداد والفساد لا يمكن أن يحبس على كرسي متحرك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق