في اليوم العالمي للمسرح
الأندلس كانت مَصْدَرَ إلهامٍ لبعض الكُتّاب
المَسرحيّين الإسبان
محمّد محمّد خطّابي
غرناطة ـ « القدس العربي»:
إحتفاءً بالذّكرى الرّابعة والخمسين للمبادرة
التي تقدّم بها المعهد الدّولي للمسرح، التابع لليونسكو1961، لجعل السابع
والعشرين من شهر مارس/ آذار من كل عام يوماً عالمياً للمسرح تشارك مختلف
مسارح العالم بهذه المناسبة بتنظيم العديد من الاحتفاليات، والتظاهرات
الثقافية، وإقامة ندوات ولقاءات حول المسرح وتاريخة ودوره التعليمي
والريادي، والتثقيفي والتهذيبي والتربوي والترفيهي في المجتمع، بتقديم
عروض مسرحية في هذا اليوم تخليداً لأقدم وأعرق الفنون الإبداعية التي
عرفتها البشرية منذ العصور القديمة، والعهود السّاحقة في التاريخ، والتذكير
بكلّ ما له صلة بهذا الفنّ الجماهيري الإبداعي الضّارب في القدم، حيث أصبح
هذا اللقاء السّنوي موعداً مشهوداً، وتقليداً متّبعاً في مختلف أنحاء
المعمورة.
الكاتب والمخرج والممثل جون كاني، من جنوب أفريقيا، هو الذي كان فد كُلّف في السنة الفارطة 2014 بإلقاء كلمة اليوم العالمي للمسرح، حيث عبّر بألم عميق عن أنّه مثل باقي المواطنين السّود في بلد مانديلا، عانى التمييز العنصري البغيض، وهو يذكر بحرقة مُمضّة، وغُصّة مرّة كيف كان البيض يعاملون السكان الأصلييّن في بلاده، كما أنه حكى في هذه الكلمة كذلك كيف ذهب لأوّل مرّة في حياته لمشاهدة مسرحية «ماكبث» لشكسبير مع مدرسته ومعلّمته، حيث كان ذلك اليوم يوماً مشهوداً في حياته، إذ منذ ذلك التاريخ عرف جون كاني ماذا سيفعل بحياته، واختار طريقه فيها، وقال إنّ الذهاب بالأطفال الصّغار والشباب إلى المسرح عادة حميدة ينبغي الحفاظ عليها ونشرها وتعميمها، في مختلف أرجاء العالم.
وقال: «إنه ولد منذ سبعين سنة، ونشأ وترعرع في حيّ نيو برغتون، الواقع في بورت إليزابيث، وكانت الحياة بالنسبة له ولباقي زملائه في هذا الحيّ المهمّش حياة روتينية رتيبة بائسة، حيث كنّا نقضي معظم أوقاتنا نجوب الأزقة والشوارع، ونحن نتألّم ونتأمّل، ونرى حياتنا تنساب تحت سياط ذلك النظام القاسي البغيض، الذي كان قائماً على الفوارق والتمييز العنصري، والذي نطلق عليه في جنوب أفريقيا ( بالأبارتايد)، ومن كان منّا ذا حظ ذهب إلى المدرسة .»
وكان الكاتب الإيطالي داريو فو (حاصل على نوبل في الآداب عام 1997) هو الذي ألقى رسالة المسرح إلى العالم عام 2013، تكريماً للفنون المسرحية والمشتغلين بها في مختلف أنحاء المعمورة، وكان قد دعا في هذه الكلمة هو الآخر إلى ضرورة احتضان الشباب، وتشجيعهم، على حبّ المسرح والتجديد ونبذ التطرّف والأفكار الهدّامة.
وكان قد ألقى كلمة عام 2012 للغاية نفسها الممثل والمخرج الأمريكي جون مالكوفيتش. وكان الكاتب الفرنسي المعروف جان كوكتو، أوّل من كلّف بهذه المهمّة، وسنّ هذا التقليد عندما ألقى عام 1962 أوّل رسالة إلى العالم في اليوم العالمي للمسرح.
وقد عُهِد شرف إلقاء رسالة العام الحالي 27 مارس (2015) إلى المخرج البولندي كريستوف ورليكوفسكي (من مواليد 1962) الذي يعتبر من أبرز المخرجين الأوروبيين في جيله، والمدير الفني للمسرح الجديد بمدينة وارسو، وهو حاصل على العديد من الجوائز العالمية المرموقة. يشيرفي رسالته إلى العاملين في المسرح من كتّاب ومخرجين وجمهور إلى أن جهابذة الفنون المسرحية الحقيققيين ينبغي أن ننقب عنهم بعيداّ عن خشبة المسرح، إنّهم دائمو البحث عن منابعه ومواضيعه وتياراته خارج أسوار أو قاعات التمثيل.
وقال: إنه لاشيء يشبه المسرح في مقدرته الهائلة على الكشف والتعبيرعن العواطف الدفينة. وإنه كثيراً ما يلجأ إلى النثر لدى كتّاب كبار متميّزين مثل فرانز كافكا، وتوماس مان، ومارسل بروست وسواهم، الذين أدركوا بفطرتهم الأصيلة نهاية النموذج السائد في العلاقات بين البشر، ونهاية الأنظمة الاجتماعية والانتفاضات الثورية ضده، وهو ما غدونا نعانيه اليوم بشكل حادّ، لقد أمسينا نعيش ونتعايش مع الجرائم والصّراعات التي تثار في مختلف الأماكن والأصقاع، التي ما انفكّت تنقلها لنا مختلف وسائل الإعلام والاتصالات المنتشرة بيننا، وقال إنه لم تعد لدينا القدرة على استراق النظر إلى ما وراء الأسوار. ولهذا السبب على وجه الخصوص ينبغي أن يستمدّ المسرحُ قوته وزخمه وعنفوانه، لإستراق واستشراف وإعمال النظر داخل كل المناطق المحظورة.
إطلالة على المسرح الإسباني المعاصر.
ونقدّم في ما يلي بهذه المناسبة إطلالة على المسرح الإسباني المعاصر،
الذي تميّز على امتداد تاريخه بالتنوّع والغِنى والثّرا،ء سواء في مواضيعه،
أو نصوصه، أو جوهره. ومنذ كتّاب المسرح الاسباني الكلاسيكييّن الاقطاب
أمثال فرناندو دي روخاس، ولوبي دي فيغا، وكالدرون دي لا باركا، وتيرسُو
مولينا، وخوان رويث دي ألاركون، ما فتئ المسرح الإسباني يحقق نجاحات الواحد
تلو الآخر في مختلف العصور، وقد بلغ ان قدّمت في مدريد وحدها منذ بضع
سنوات في وقت واحد ما يقارب الخمسين مسرحية تمثل مختلف الاتجاهات، والمدارس
المسرحية المتباينة. كما يعرف المسرح الاسباني نجاحات كبيرة كذلك خارج
إسبانيا، خاصّة في أوروبا وفي أمريكا اللاتينية.
وحريّ بنا ان نلقي نظرة عجلى على ثلاثة نماذج لأبرز المسرحيين الإسبان في هذا العصر، وهم فاييى إنكلان، وبويرو باييخو، ولويس رياثا الذين يمثلون اتجاهات مختلفة للنصّ الدّرامي في المسرح الإسباني في حقب متفاوتة من تاريخنا المعاصر.
وحريّ بنا ان نلقي نظرة عجلى على ثلاثة نماذج لأبرز المسرحيين الإسبان في هذا العصر، وهم فاييى إنكلان، وبويرو باييخو، ولويس رياثا الذين يمثلون اتجاهات مختلفة للنصّ الدّرامي في المسرح الإسباني في حقب متفاوتة من تاريخنا المعاصر.
إِنْكْلاَنْ وَثَوْرَةُ النَصّ
التيارات الجديدة التي عرفها المسرح الغربي انطلاقاً من عام 1887 في كل
من باريس وبرلين وموسكو ولندن، تعتبر انعطافاً في تطوير هذا المسرح، حيث
عرفت المواضيع الأساسية المتعلقة بالعروض المسرحية تطوّراً هائلاّ، ومهّدت
السبيل إلى ظهورالمسرح الحديث، الذي سيصبح من أبرز رجالاته برتولت
بْرِخْتْ، وأرثور أدامُوف وجان جنيه، وغروتوسكي، وبيتر بروك، وسواهم الذين
يعتبرون برمّتهم من الوجوه المشعّة في تاريخ تطور المسرح الأوروبي .
هذا التيار لا يعتمد على الصورة المسرحية بقدر ما يُعنى بجوهرالنصوص، هذه النقلة في عالم المسرح في إسبانيا قام بها الكاتب الاسباني فاييّي إنكلان، انطلاقا من سنة 1906، حيث بدأ يتجلى الإبداع المسرحي في الورق والكتابة قبل أن يظهر على الخشبة بواسطة الإخراج المسرحي. وهناك نصّان بارزان لهذا المبدع هما «نسر المجد» و»غنائية الذئاب»، حيث بدأ مرحلة جديدة في الفنّ الدرامي في إسبانيا، وتغلف هذه النصوص أجواء من الظلام والطلاسم والموت والدم والعنف والقساوة، وعناصر أخرى ظلت بمنأى عن النصوص المسرحية الأوروبية، وعن خشبات المسارح الغربية بشكل عام. لا تحتاج نصوص فاييي انكلان، سوى حيّز رمزي لإبلاغها للجمهور، وتغدو كلمات شخصياته حليفة الضوء واللون والصّوت، ولصيقة باجسام الممثلين وحركاتهم ومواقعهم، ذلك أن هذه النصوص تتوفّر على قوّة سحرية ليس انطلاقاً من ثراء مضامينها وحسب، بل بشكلها وإطارها ووقعها وتنغيماتها، هذه النصوص هي ذات طابع اجتماعي ونفسي في آن،
إذ أنّ العالم الدّرامي لدى الكاتب لا يقوم سوى على النطق والقراءة كما كان الشأن في النصوص الواقعية، بل إنه لصيق بالجّو الرّمزي الجديد أي طغيان الكلمة، باعتبارها الخاتم الجديد لمسرح القرن العشرين. إنّ فاييّى إنكلان، بهذا الاتجاه الجديد لم يكن كاتب نصوص وحسب، بل كان ممثّلاً، ومخرجاً مسرحيا في آن داخل نصوصه نفسها. وهذا المنحى المسرحي لدى إنكلان ليس هروباً من الأعراف المسرحية أو نكراناً لها، بقدر ما هو عودة إلى ينابيع الدّراما وانغماس في معايشة الفنّ المسرحي في أجلى معانيه.
إنه بهذا الاتجاه مثلما هو عليه الامر في التراجيديا الكلاسيكية، يمثّل رجوع الانسان إلى رؤاه الأولى المبكّرة للعالم الحافل بالأسرار والغوامض، هذا العالم المغلف بلغز التساؤل الأبدي، وما يتراءى له في نصوصه من شخصيات غريبة تتعانق وتتلاحق وتتسابق فيها الخيالات وأضغاث الأحلام باللاّوعي والهذيان. إن فاييّى إنكلان باتجاهه هذا أعاد الاعتبار لبعض الأبطال الكلاسيكيّين الذين نعرفهم، إنّ الأشكال المسرحيّة في نصوصه هي الحلقة الواصلة بين جيري وبريخت أو أرتود وأونيسكو، أي بين المسرح الملحميّ أو الحماسيّ، ومسرح العبث أو اللاّمعقول.
هذا التيار لا يعتمد على الصورة المسرحية بقدر ما يُعنى بجوهرالنصوص، هذه النقلة في عالم المسرح في إسبانيا قام بها الكاتب الاسباني فاييّي إنكلان، انطلاقا من سنة 1906، حيث بدأ يتجلى الإبداع المسرحي في الورق والكتابة قبل أن يظهر على الخشبة بواسطة الإخراج المسرحي. وهناك نصّان بارزان لهذا المبدع هما «نسر المجد» و»غنائية الذئاب»، حيث بدأ مرحلة جديدة في الفنّ الدرامي في إسبانيا، وتغلف هذه النصوص أجواء من الظلام والطلاسم والموت والدم والعنف والقساوة، وعناصر أخرى ظلت بمنأى عن النصوص المسرحية الأوروبية، وعن خشبات المسارح الغربية بشكل عام. لا تحتاج نصوص فاييي انكلان، سوى حيّز رمزي لإبلاغها للجمهور، وتغدو كلمات شخصياته حليفة الضوء واللون والصّوت، ولصيقة باجسام الممثلين وحركاتهم ومواقعهم، ذلك أن هذه النصوص تتوفّر على قوّة سحرية ليس انطلاقاً من ثراء مضامينها وحسب، بل بشكلها وإطارها ووقعها وتنغيماتها، هذه النصوص هي ذات طابع اجتماعي ونفسي في آن،
إذ أنّ العالم الدّرامي لدى الكاتب لا يقوم سوى على النطق والقراءة كما كان الشأن في النصوص الواقعية، بل إنه لصيق بالجّو الرّمزي الجديد أي طغيان الكلمة، باعتبارها الخاتم الجديد لمسرح القرن العشرين. إنّ فاييّى إنكلان، بهذا الاتجاه الجديد لم يكن كاتب نصوص وحسب، بل كان ممثّلاً، ومخرجاً مسرحيا في آن داخل نصوصه نفسها. وهذا المنحى المسرحي لدى إنكلان ليس هروباً من الأعراف المسرحية أو نكراناً لها، بقدر ما هو عودة إلى ينابيع الدّراما وانغماس في معايشة الفنّ المسرحي في أجلى معانيه.
إنه بهذا الاتجاه مثلما هو عليه الامر في التراجيديا الكلاسيكية، يمثّل رجوع الانسان إلى رؤاه الأولى المبكّرة للعالم الحافل بالأسرار والغوامض، هذا العالم المغلف بلغز التساؤل الأبدي، وما يتراءى له في نصوصه من شخصيات غريبة تتعانق وتتلاحق وتتسابق فيها الخيالات وأضغاث الأحلام باللاّوعي والهذيان. إن فاييّى إنكلان باتجاهه هذا أعاد الاعتبار لبعض الأبطال الكلاسيكيّين الذين نعرفهم، إنّ الأشكال المسرحيّة في نصوصه هي الحلقة الواصلة بين جيري وبريخت أو أرتود وأونيسكو، أي بين المسرح الملحميّ أو الحماسيّ، ومسرح العبث أو اللاّمعقول.
فاييّخو والدّراما التاريخيّة.
إنّ رؤية العالم التي تقدّمها لنا الدّراما التاريخية هي نتيجة تداخل
عملية تركيب ايديولوجي للحقيقة التاريخية بواسطة الكاتب بمساعدة المتفرِّج،
هذا التركيب عادةً ما يكمن في بنيوية رؤية الماضي عن طريق تلاقي الكاتب
والمتفرِّج في الحاضر، وإن البعد القائم بين الزمنيين يغدو ملكاً للسّرد
التاريخي. ذلك أنه من أهمّ المميّزات الأساسية للدّراما التاريخية القدرة
على الربط بين الماضي والحاضر، وهنا تكمن مقدرة باييّخو في الوساطة
التراجيدية بين الزمنيين.
وخير مثال لدى الكاتب مسرحيتاه «حكاية معلم» و«الظلام الملتهب»، حيث تعتبر هاتان المسرحيتان تقصّياً مهوساً للظرف التراجيدي للإنسان، كعنصر بارز من عناصر التاريخ، بل إنّ هذا الهاجس في تقصّي عامل الزّمن نجده في مسرحيتين أخريين للكاتب هما «الحاكم للشعب» و«الانفجار»، إن الفرق بين الضمير المعتقدي، والضمير التراجيدي لا ينحصر في تقّبل الحقيقة أو تغييرها، بل على العكس من ذلك يكمن في عدم قبول انشراح المتفرّج بإجابة أو تفسير يؤدّيان إلى تلاشي الصراع القائم، وإنّ الضمير التراجيدي يحّول عملية التساؤل إلى تناوش تراجيدي، وذلك بتفجير السّؤال نفسه على خشبة المسرح، وبالتالي نجعل المتفرّج مشاركاً بالضرورة في البحث عن الإجابة، ليس على خشبة المسرح وحسب، بل في الحيّز التاريخي كذلك. والإجابة رهينة بطبيعة الحال بمقدرة وكيفية تلقيّ المتفرّج للسؤال وفهمه واستيعابه.
إنّنا إذا تأمّلنا مسرحيات باييّخو، فسوف نجدها حافلة بهذا العنصر التساؤلي التاريخي، وهو بذلك يزيد في مضاعفة وظيفة الأعضاء السّمعية والبصرية لدى المتفرّج وتنشيط السّمات الكلامية لديه، فتغدو التراجيديا عنده وسيلة مفتوحة وليس مُغلقة، لأنّه بذلك يستبدل مفهوم القدرية بالحريّة، مُحوِّلا إيّاها إلى المحور المحرّك لنظرته التراجيدية للتاريخ، وبذلك تغدو المسافة الممتدّة بين العطاء والاستقبال، أيّ بين الكاتب والمتلقّي للنصّ هي المسافة القائمة بين الضمير التراجيدي وتساؤله، والضمير وجوابه. وبذلك تتحوّل الدراما إلى حقيقة تاريخيّة ويظلّ المتفرّج هو وحده باستطاعته تخطّي الحواجز وتجاوزها في سباق التاريخ.
وتتميّز الرؤية المسرحية لدى الكاتب المسرحي الإسباني لويس رياثا، انطلاقا من مسرحيته «الحصان داخل السّور» بهالة من السّخرية والتّرف والتهكّم في أجلى مظهر في المسرح الغربي الحديث، إنّ الكاتب بدل أن يتقبل مختلف الأشكال التجريبيّة للمسرح الجديد المنتشر بين ضفتي المحيط، أيّ بين أوروبا وأمريكا، يلجأ إلى صنع أسلوبٍ مسرحيٍّ جديدٍ خاصٍ به. إنّ قارئ نصوصه، وهو يأتي مباشرةً بعد موجة العبث، لكي يتسنّى له فهم ما يقرأه لا بدّ له أن يقيم عدداً من الوسائط، أو الروابط، أو الصّلات بين النصّ والعرض نظراً لتكاثف، وتوارد الرّموز عنده وتداخلها، وتفجيره لعنصر الأنا لهويّة الممّثل والمتفرّج في آن.
المسرح الإسباني والتراث الأندلسي.
وتجدر الإشارة بهذه المناسبة، في ختام هذا العرض أنّ المسرح الإسباني
على امتداد العصور، قد استقى غيرَ قليلٍ من مضامينه، وموضوعاته من التراث
العربي والأمازيغي والحضارة الإسلامية في الأندلس، كما يشهد بذلك معظمُ
الدّارسين والمُستعربين الإسبان وغير الاسبان على حدٍّ سواء، حيث حفلت
العديد من الأعمال المسرحيّة الاسبانية القديمة منها والمعاصرة بالإشارات،
والرّموز الواضحة إلى القصص والحكايات والمعايشات الأندلسية والمُوريسكيّة،
والمظاهر الحضارية والثقافية والتراثية، وإبراز مواقف الشّهامة والشجاعة
والنّبل والكرم والأنفة عند المسلمين، على اختلاف أجناسهم وإثنياتهم
وأعراقهم.
وتتجلّى مظاهر هذا التأثير منذ القرون الوسطى وفي العصر الذهبى للمسرح الإسباني، أيّ منذ عصر الرّومانسيّين القُدامى إلى المُجدّدين من المسرحيّين الإسبان في القرن العشرين. ومن أبرز الكتّاب الإسبان الذين عُنوا بهذه المواضيع، وخاضوا تجاربَ إبداعية في هذا المجال – على سبيل المثال وليس الحصر- فرانسيسكو فِيّيّا إِسْبِيسَا، حيث شكّلت المواضيع الإسلامية في أعماله عنصراً أساسياً لإبداعاته الأدبية والمسرحية على اختلافها. وقد حقّق هذا الكاتب الإسباني نجاحاتٍ باهرةً بأعماله هذه داخل إسبانيا وخارجها، وعلى وجه الخصوص في بلدان أمريكا اللاتينية، كما تُرْجِم بعضُها إلى اللغة العربية، إلاّ أنّ بعض هذه الأعمال لم تسلم من معاول التهجّم والهدم والانتقاد من طرف بعض النقاد الإسبان المتزمّتين.
في حين أنّ نقّاداً آخرين أنصفوه وجعلوه في طليعة المُمهّدين للمعاصرة، والمُبشّرين بالتجديد والحداثة في الأدب الإسباني وفي أمريكا الجنوبية. ومن أعماله الإبداعية المعروفة في هذا الصّدد مسرحيته «قصر اللؤلؤ» (1911) التي نقلها إلى اللغة العربية أستاذي في جامعة عين شمس في القاهرة لطفي عبد البديع . ومسرحيته «بني أميّة» (1913) و»باحة الريّاحين» (1908) و»عبد الرّحمن الأخير» (1909) و»انتقام عائشة» (1911) وسواها من الأعمال الإبداعية والدراسية الأخرى.
وُلِدَ فِييَّا إِسْبِيسَا عام 1877 في مدينة
ألمريّة، ذات الأصول والآثار والتأثيرات الإسلامية المعروفة، وتوفّي في
مدريد عام 1936.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق