المنظومة العربية
تردّ على «الإمبراطورية» الإيرانية
رأي القدس
بدأت السعودية أمس عملية عسكرية كبيرة ضد حركة «أنصار الله» الحوثيين
وقوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح حظيت بمشاركة أو موافقة دول
عربية (أعضاء مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والمغرب والسودان)
وإسلامية (باكستان وتركيا) كما قدّمت الولايات المتحدة الأمريكية غطاء
استخباراتياً ولوجستياً لها، فيما «أكّد» الأمين العام للأمم المتحدة شرعية
الرئيس عبد ربه منصور هادي (مع الديباجة الاعتيادية المطلوبة حول «وحدة
وسيادة اليمن»).
في المقلب الآخر للحدث رأينا «قلقاً» أوروبياً من التداعيات الإقليمية للهجوم السعودي (فيما تفهّمت إيطاليا، لغرض ليبيّ في نفسها ربما، أسبابها)، كما أن خارجية النظام السوري أبدت بدورها «قلقها» (بينما هاجم إعلامها «عدوان السعودية السافر»)، وصولاً إلى وصف إيران العملية بـ«الخطوة الخطيرة» واعتبار وزير خارجيتها أن التدخل العسكري من الخارج «ضد وحدة أراضي اليمن وشعبها لن تكون له أي نتيجة سوى مزيد من القتلى وإراقة الدماء»، وهو أمر يتراوح بين التنبؤ والتهديد.
الحوثيون الذين تلقّوا الضربة الكبيرة غير المتوقعة عادوا فجأة من موقع الطاغية الصغير المتنمّر الذي يطلق الرصاص على المظاهرات السلمية إلى استخدام تظاهرات لأنصارهم في صنعاء وخُطب لقادتهم تؤكد «الانتصار على المعتدين»، فيما تراجعت قوّاتهم على الأرض كالجزر البحريّ بعد مدّ كبير.
تبدو الضربات الجوية السعودية فاتحة لخروج المنطقة من إشكاليات استراتيجية بدأت مع الثورات العربية، لكنّ على رأسها إشكاليات سياسية للسعودية نفسها.
فالرياض التي قامت باحتضان الرئيس السابق علي عبد الله صالح وأعادته إلى كواليس ممارسة القوّة في اليمن، غفلت عن التخلخلات الجيولوجية العميقة للبنية السياسية في اليمن والمنطقة، فالعمل على تحجيم الحراك الشبابي أدّى لاحقاً لاستهداف اتجاه الإسلام السياسي (السنّي)، ما خلق فراغاً كبيراً ملأته الحركة الحوثية المدعومة إيرانيا وما لبث صالح، الحليف المفترض للرياض، أن انضمّ للقافلة حالماً بالعودة إلى رأس السلطة ملتحفاً بالحوثيين وإيران.
وهذا المأزق الاستراتيجي تبدّى أيضاً في العراق، حيث وجدت الرياض نفسها في موقف لا تحسد عليه تقوم خلاله طائراتها بتقديم غطاء جوّي لقوات «الحشد الشعبي» الشيعيّة الموالية لإيران التي تهاجم مناطق سنّية وتقوم بانتهاكات بشعة ضد السكان والمدن التي تعتبر السعودية حليفها الطبيعي، وهو فعل يصبّ في المحصلة النهائية في صالح إيران، كما حصل في اليمن.
ردود الفعل الشعبية والدولية على العملية تؤكّد أنها ترسم خطّاً جديداً للصراع في المنطقة، شادة العصب لمنظومة عربية متهالكة وهشة، دافعت عن أجندات غيرها، وامتنعت عن المبادرة فخسرت مصداقيتها لدى شعوب المنطقة، وتراجع تأثيرها إلى درجات غير مسبوقة.
العملية المفاجئة تفصح عن إحساس سعودي وخليجي بأن الحلفاء قبل الأعداء صاروا ينظرون إلى الأنظمة العربية باعتبارها نموراً من ورق تشاهد اقتراب النار من بلدانها ولا تصنع حيالها شيئاً.
كما أنها تبين إن واشنطن لا يمكن أن ترفض مبادرة عربية تشارك فيها كل هذه الدول، رغم أنها جاءت في وقت حاسم من مفاوضاتها حول النووي الإيراني، وهذا تغيير عن الموقف الانتظاريّ لتحرّك أمريكي لن يأتي أبداً، كما حصل في سوريا.
وتحمل مشاركة (أو دعم) كل من قطر وتركيا ومصر في العملية دلالة رمزيّة كبيرة، فهي تصحّح، نظرياً على الأقل، خطأ استراتيجيا مصرياً تمثّل في جعل الصراع الداخليّ (مع الإخوان المسلمين) أولوية كبرى تفوق أهمية الصراع الجاري على المنطقة.
وبذلك تكون العملية ردّاً من المنظومة العربية وحلفائها على تمدّد «الإمبراطورية» الإسلامية الإيرانية أكثر بكثير مما تحتمله المنطقة.
لكل ذلك وغيره، فإن العملية تقدّم سابقة ستكون لها، على الأغلب، مفاعيل كبيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق