انزعاج أممي من استمرار ممارسة التعذيب في ليبيا
معتقلات خاضعة
لنفوذ الميليشيات
ــــــــــــــــــــــ
انزعاج أممي من استمرار
ممارسة التعذيب في ليبيا
5/10/2013
في
أول أكتوبر 2013، أصدرت المفوضية بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة لدعم
ليبيا أول تقرير عن حالات رصد للانتهاكات المرتكبة في ليبيا خلال العامين
الماضيين، أوصت فيه الحكومة بالإسراع في استعادة الإشراف على مراكز
الإعتقال التي لا زالت خاضعة لسيطرة عدد من الميليشيات المسلحة. التقرير
الذي جاء في 17 صفحة، نُشر تحت عنوان "التعذيب وعمليات القتل في مراكز
الإعتقال بليبيا"، وأورد أرقاما مُرعبة، إذ تحدث عن وجود أكثر من 8000
معتقل بسبب الصراع الذي شهدته البلاد، وأشار إلى مقتل 27 شخصا في مراكز
الإعتقال (قضى بعضهم تحت التعذيب)، 11 منهم فقط في عام 2013.
صعوبة إحداث قطيعة.
التقرير
تناول أيضا الممارسات المتبعة في مراكز الإعتقال، وتفشي ظاهرة اللجوء إلى
التعذيب، الذي تخشى مفوضية حقوق الإنسان أن "يتحول إلى ممارسات مؤسساتية"
رغم إشادته بجهود الحكومة لتجريم التعذيب والمعاملات المخلة بالكرامة
الإنسانية، واعتماد السلطات لقانون لتطبيق العدالة الانتقالية في شهر أبريل
2013. التقرير ذكّـر أيضا بأن "ثورة 17 فبراير 2011 كانت بمثابة رد فعل
بالدرجة الأولى على الممارسات التي كانت سائدة في ليبيا ما بين عامي 1969
و2011، في عهد الحكم الإستبدادي لمعمر القذافي والتي تميزت باستخدام أساليب
الإعتقال التعسفي، والتعذيب، والإغتيالات كوسيلة من الوسائل الرسمية
لسياسة السلطة، وبالإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان". وفي التوصيات
الختامية، أشار التقرير إلى أن "أمام السلطات الليبية اليوم فرصة لإحداث
قطيعة واضحة مع انتهاكات حقوق الإنسان التي كانت تحصل في العهد السابق، وأن
تقيم أسسا قوية لبناء مجتمع عادل قائم على مبادئ حقوق الإنسان الكونية".
مراكز الإعتقال الخارجة عن سيطرة السلطة.
في
سياق متصل، أشار تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى المشاكل التي
تواجهها السلطات الليبية الحالية في سعيها لاستعادة الإشراف على مراكز
الإعتقال الواقعة تحت إشراف الميليشيات بشتى أصنافها، ونوّه إلى أن أغلبها،
وخاصة في مناطق الوسط والغرب، سقط بأيدي المجموعات المسلحة. وفي ظل صعوبة
استعادة السلطات الجديدة للسيطرة على جميع هذه المراكز، أصبح الإشراف على
مراكز الإعتقال في ليبيا اليوم مُصنفا بالشكل التالي حسب تقرير الأمم
المتحدة. فهناك مراكز اعتقال تخضع كلية لإشراف السلطات الليبية، وهي تلك
التي تشرف عليها عادة الشرطة القضائية أو الشرطة العسكرية التي كانت
عناصرها تتولى تلك المهام قبل الثورة أو التي تم تجنيدها من خارج صفوف
الميليشيات المسلحة. وهذا ما ينطبق على سجني الكويفية (في بنغازي) والجديدة
(في طرابلس) على سبيل المثال. وهناك مراكز اعتقال تقع إما كلية أو جزئيا
تحت إشراف ميليشيات مسلحة تم إلحاقها بوزارة العدل، بضمها إلى الشرطة
القضائية، أو للشرطة العسكرية التابعة لوزارة الدفاع أو لوزارة الداخلية.
وهذا ينطبق على مركز اعتقال قاعدة إمعيتيقة الجوية في طرابلس، ومؤسسة إعادة
التأهيل والتربية في طمينه بمصراتة، ومؤسسة ماجر لإعادة التربية والتأهيل
في زليطن. وفي هذا الصدد، يقول التقرير: "عادة ما تتولى السلطات الرسمية
الإدارة الداخلية في حين تتولى الميليشيات المسلحة الإشراف على الحراسة
الخارجية أو تُواصل الإشراف الكامل على الرغم من إعلان تسليمها للسلطات".
وهناك الفئة الثالثة من مراكز الإعتقال، وهي التي تتولى فيها الميليشيات
المسلحة الإشراف الكامل. وهو ما ينطبق على شقق وبناءات ومزارع وبنايات
عمومية حولتها تلك المجموعات إلى مراكز اعتقال. التقرير أورد أيضا أن عدد
المعتقلين بسبب الصراع المُسلح في ليبيا بلغ (حسب إحصائيات سبتمبر 2013)
حوالي 8000 شخص. وبالرغم من عدم وجود إحصائيات مدققة حول مراكز الإعتقال،
إلا أن التقرير أشار إلى أن عدد المراكز الواقعة تحت إشراف وزارة العدل بلغ
في سبتمبر 2013 حوالي 37، كما تقوم السلطات حاليا بترميم وإصلاح بعض
المواقع التي ستحولها إلى مراكز اعتقال جديدة من بينها سجن الجوية في
مصراتة.
ممارسة التعذيب والقتل في حق المعتقلين.
تقرير
الأمم المتحدة توصّل أيضا إلى أن غياب إشراف تام للدولة على مراكز
الإعتقال، واستمرار الميليشيات المسلحة في الإشراف على بعضها كليا أو
جزئيا، وعدم توفر حراس مدربين، أدى إلى استمرار ممارسة التعذيب بشكل واسع.
في المقابل، أشار التقرير إلى أن بعثة الأمم المتحدة لاحظت أن ظروف
المعتقلين عرفت بعض التحسن في المراكز التي سلمتها الميليشيات المسلحة إلى
السلطات الليبية. وفي هذا السياق، أورد التقرير شهادات مفصّلة لبعض
المعتقلين تمكنت البعثة الأممية من تدوينها في بعض مراكز الإعتقال بخصوص
المعاملة التي تعرضوا إليها. كما سجّلت البعثة حوالي 27 حالة قتل لمعتقلين
كانوا محتجزين في مراكز اعتقال خاضعة لإشراف كتائب مسلحة مثل كتيبة علي ابن
أبي طالب، والفرسان، وأحرار ليبيا، ورد المظالم في الزاوية، ولجنة الأمن
العليا في مصراتة. كما قدم التقرير عرضا مفصلا بخصوص عشر حالات قتل ارتكبت
بحق سجناء ليبيين من أعمار وانتماءات مختلفة.
تعديلات قانونية طفيفة بعد الثورة.
التقرير
ذكّــر بأن الإعتقال التعسفي والتعذيب كانا يُمارسان بشكل واسع في عهد
القذافي رغم وجود قوانين ليبية تمنع ذلك، لكن التعديلات التي أدخلت على
القانون الجنائي بعد الثورة كانت، بنظر معدي التقرير "طفيفة"، فيما منحت في
المقابل صلاحيات واسعة في مجالات التحقيق والإعتقال إلى كتائب مسلحة تم
إلحاقها بوزارة الداخلية. وفي محاولة منه لمعالجة الفوضى السائدة نتيجة
إشراف الميليشيات على مراكز الإعتقال خارج الإشراف القضائي، أصدر المجلس
الإنتقالي القانون 38 لعام 2012 الذي طالب وزارتي الداخلية والدفاع
باسترجاع الإشراف على مراكز الإعتقال الواقعة تحت سيطرة الميليشيات، لكن
القانون لا زال مثار جدل بسبب تضمنه لفقرة تنص على شبه تبرئة لمرتكبي
الإنتهاكات (من العسكريين وأفراد قوات الأمن أو المدنيين) أثناء ثورة 17
فبراير. وفي القانون رقم 10 الصادر في عام 2013، شدّد المؤتمر الوطني العام
(برلمان مؤقت) على "تجريم التعذيب، والإختفاء القسري، والتمييز"، كما تم
تعزيز هذا القانون بتفاصيل تنفيذ تطال حتى المسؤولين العسكريين في الوقت
الذي تفتقر فيه جل القوانين الليبية لإجراءات التطبيق. أخيرا، خلُص التقرير
الأممي إلى أن أكبر التحديات التي تواجه السلطات الليبية الراغبة في
استعادة هيبة الدولة، تكمن في التغلب على مشكلة استعادة السيطرة على مراكز
الإعتقال الواقعة تحت إشراف الميليشيات المسلحة. وترى بعثة الأمم المتحدة
لدعم ليبيا ومفوضية حقوق الإنسان أن الحل "قد يكمن في تطبيق نظام العدالة
الإنتقالية الذي تم اعتماده في 22 سبتمبر 2013، والذي قد يسمح بمعالجة
معقولة وذات مصداقية لقضايا الإعتقالات المترتبة عن الصراع المسلح".
ردود فعل ليبية على مضمون التقرير.
السيد
خالد صالح، سكرتير منظمة التضامن لحقوق الانسان في ليبيا (مقرها جنيف) قال
أن "التقرير الصادر عن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ومفوضية الأمم
المتحدة السامية لحقوق الإنسان يُعد من وجهة نظرنا دقيقا ولكنه مؤسف في ذات
الوقت، لأن الثورة الليبية تميزت بالسعي للحصول على العزة والكرامة وليس
لإنتهاكها، ولكن ما نحب التأكيد عليه أن هذه الإنتهاكات ليست على نطاق واسع
وليست مُمنهجة وأن هناك تحسنا في أوضاع السجون التابعة للدولة رغم وجود
العديد من مراكز الإعتقال السرية، ويؤكد تقرير المجلس الوطني للحريات
العامة وحقوق الإنسان الصادر في 22 سبتمبر 2013 وجود مراكز الإعتقال السرية
التي يجري بها مختلف صنوف الإنتهاكات من تعذيب قتل خارج نطاق القضاء
واعتقالات تعسفية. وبخصوص الميليشيات المنتشرة، هناك مجموعات مختلفة
بتصنيفات متنوعة، فالكتائب المسلحة التي تندرج تحت سلطة الحكومة المؤقتة،
ليست بدرجة كبيرة من السوء والجهل بكيفية التعامل مع السجناء والمعتقلين هو
عادة السبب في ما يحصل من إنتهاكات في بلد غابت فيه المفاهيم الأساسية
لمبادئ حقوق الإنسان لعقود، ونستغرب مثلاً تصريحات لقائد إحدى هذه الكتائب
أن لديه سجونا سرية "لسجناء مُهمّين" الأمر الذي يخالف الأعراف الدولية بل
يُعرّضه هو نفسه للمساءلة والعقاب ولكن لا شك أن الجهل هو الدافع، وهو ما
ورد في تقرير بعثة الأمم المتحدة بتصريح بعض الثوار بالتعذيب وتبرير ارتكاب
جريمة التعذيب ضد المعتقلين بحجة ما ارتكبه المحتجزون من إنتهاكات إبان
حكم القذافي أو أثناء حرب التحرير، ولعل الجانب الإيجابي يتمثل في أن معظم
السجون التي تدار من قبل هذه الكتائب تشهد تحسناً في ظروف الإعتقال
والتعامل مع المحتجزين. في المقابل، هناك معتقلات تتبع مجموعات من الكتائب
التي لا تخضع بأي شكل من الأشكال للسلطات المؤقتة ويتعرض فيها المُحتجزون
لصنوف من العذاب بسبب الإنتماء أو لغرض الثأر وهي مراكز تثير القلق لأننا
نجهل عددها ونجهل ما يجري بها، ولا تُعرف أسماء أو أعداد نزلائها. من ضمن
هذه الكتائب تلك التي تشكلت بعد التحرير بواسطة من تم إطلاق سراحهم من
السجناء الجنائيين من قبل سلطات نظام القذافي لغرض إستعمالهم ضد المتظاهرين
وضد الثوار، وهؤلاء شكلوا أيضا كتائب مسلحة لها سجونها الخاصة التي لا
تخضع لسلطة الحكومة. أما عدد من تم إطلاق سراحهم من السجناء الجنائيين فلا
يستهان به، حيث يبلغ تعدادهم قرابة 17.000 في طرابلس وحوالي 4000 في
بنغازي".
ماذا عن جدية الحكومة في التعامل مع التجاوزات؟
أجاب
السيد خالد صالح، سكرتير منظمة التضامن لحقوق الإنسان في ليبيا: "أود
القول أن الحكومة الحالية ضعيفة ولا قدرة لها على إخضاع كل هذه السجون
المنتشرة في مناطق متعددة تحت إدارتها بشكل سريع، رغم أن السيد صلاح
المرغني وزير العدل الحالي الذي يُعتبر شخصية حقوقيةً كان له دور مُقدر في
إعادة الكثير من السجون تحت إدارة وزارته، ولكن الوضع الأمني المتردي لم
يمكنه من إستكمال مهمته على الوجه الكامل، والحكومة الحالية بإجمالها تعاني
من الضعف الإداري وتغلغل البيروقراطية والمركزية وشخصياً أعتبر أنها لا
تمتلك القدرة على القيام بدور حقيقي في القضاء أو الحد من هذه الإنتهاكات.
ولكن يظل الدور المهم ملقى على عاتق أهالي المفقودين والمتضررين من
الإنتهاكات كذلك مؤسسات المجتمع المدني إضافة لدور المجلس الوطني للحريات
العامة وحقوق الإنسان في الكشف عن هذه الإنتهاكات والسعي للحد من انتشارها
وتجريم مرتكبيها".
على
المستوى التشريعي، صدر مؤخرا قانون في ليبيا يُجرّم التعذيب والإخفاء
القسري، ولكن تفعيله يظل تحديا قائما بوجه الأجهزة التنفيذية والقضائية
المعنية بتطبيقه. واتصلت swissinfo.ch برئيس البعثة الليبية لدى المقر
الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف للحصول على رد فعل رسمي على ما ورد
في التقرير الأممي إلا أنه فضّل عدم الإدلاء بأي تصريح في الوقت الحاضر.
المصدر: swissinfo.ch
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق