الأربعاء، 15 أبريل 2015

هديّة «لجنة إعدام الكتب» إلى الرئيس المصري


هديّة «لجنة إعدام الكتب» 

إلى الرئيس المصري

رأي القدس


هذا مشهد عربيّ ينبغي تخليده: 10 مسؤولين تربويين يرفعون أعلام مصر داخل حرم مدرسة ويحرقون كومة من الكتب بدعوى أنها ليس مصرّحا بها «كما أنها تحضّ على الإرهاب».

بحسب وكالات الأنباء فإن العملية جرت، «بعد جرد للمكتبات في المدارس الخاصة التي كان يمتلكها عدد من قيادات الأخوان المسلمين، وكان غرضه التأكد من عدم وجود كتب خارج المصّرح به»، نقلاً عن لسان بثينة كشك، وكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة الجيزة.

المسؤولة التربوية شكلت، مع بعض زملائها التربويين، «لجنة إعدام» لتلك الكتب المتهمة باحتواء «كمّ من المغالطات الفكرية والعقائدية»، بل إن المسؤولة وجدت كتباً «تتحدث عن أخطاء في القرآن الكريم».

«لجنة الإعدام» أحرقت الكتب – والحديث للمسؤولة نفسها – «تقديساً لكلام الله»، الأمر الذي فتح الباب واسعاً لمقارنات كبيرة، كما فعل داعية إسلاميّ حين علّق على وسيلة التواصل الاجتماعي «تويتر» بالقول: «ليبراليون في مصر من دعاة الحرية كما زعموا يحرقون الكتب الإسلامية في الساحات بما فيها كتب شيخ سابق للأزهر كما فعل التتار»، والحديث يدور عن كتب للشيخ عبد الحليم محمود، وكذلك عن كتب لعلي عبد الرازق وعبد الرزاق السنهوري، وعن عناوين مثل «دور المرأة ومكانتها في الحضارات المختلفة عبر التاريخ» و»أضواء الحضارة في الإسلام» و»مفاهيم إسلامية»!

يحمل الحدث طابعاً سياسياً بامتياز (التحطيم الرمزي لجماعة سياسية مستهدفة من السلطة الحاكمة)، وهو يستعيد سلسلة طويلة من عمليات حرق وإعدام الكتب بينها حرق كتب ابن رشد وغيره من الكتاب والفلاسفة كابن سينا والفارابي وابن الهيثم عام 1198، وتدمير المغول لبغداد بسكانها وحضارتها وكتبها عام 1258، مروراً بـ»محرقة الكتب» في الحقبة النازية عام 1933، ووصولاً إلى المرحلة الحالية التي جمعت السيدة بثينة كشك مع… تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي أفاضت وسائل الأنباء بالحديث عن عمليات حرقه للكتب وتدميره للآثار الفنية والثقافية.

الغريب أن هناك تشابهات لا تخفى في خطاب الطرفين في تبرير فعلتهما بالدفاع عن «الإسلام» الحقيقي من خلال إحراق وإعدام «ما لا يمتّ للإسلام بصلة»! فالطرفان يكشفان عن يقينيّة صلبة وتمسّكا كونكريتياً بالرأي الواحد الذي يلغي الآخر، والإثنان «يدافعان عن الإسلام»، رغم أن طرفاً يلوّح بالراية السوداء كمبرر لحرق وتدمير ما لا يتفق معه في الرأي والثاني يحمل أعلام مصر ليدمّر جزءا مهمّا من الثقافة العربية والإسلامية المصرية لأغراض سياسية انتهازية وآنيّة.

تكشف الحادثة عن الجهالة الكبيرة التي يحملها مرتكبوها فبعض الكتب المحروقة، مثلاً، تتناقض مع الأفكار المؤسسة لجماعة الإخوان المسلمين ومنها مثلاً كتاب «الإسلام وأصول الحكم» والذي تبرأ الأزهر عام 1925 من كاتبه وفصله من عمله كقاض شرعي وصادر الكتاب لأنه رفض فكرة الخلافة الإسلامية ودعا إلى مدنية الدولة.

نصّب حارقو الكتب الجهلاء أولئك أنفسهم حكّاماً على الثقافة العربية الإسلامية وقاموا بالبتر والقص والاستئصال بناء على الظاهر، فيكفي أن يحمل الكتاب كلمة «إسلام» حتى يصبح «حضّاً على الإرهاب» والعنف ويحمل مغالطات فكرية وعقائدية!
الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد لخّص الحادثة بالقول إن المسؤولين عن الواقعة «أرادوا نقل رسالة للرئيس (عبد الفتاح السيسي) أنهم يحاربون التطرف»، أي أنهم يتكسبون برفع سيف السلطة على خصوم سياسيين مطاردين ولو أساء ذلك إلى مصر والثقافة العربية والإسلام.

… بانتظار جواب الرئيس!

رأي القدس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق