الاثنين، 28 أبريل 2014

عباس وتجارة الهولوكوست

عباس وتجارة الهولوكوست

رأى القدس 

 
 
 
 
بسبب الألم الفلسطيني الطويل، وليس العكس، كانت كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمس الأحد التي قال فيها ان المحرقة اليهودية ‘أبشع جريمة’ في العصر الحديث، مهمة وضرورية، فأسوأ ما يمكن لمظلوم أن يفعله هو إنكار مظلومية أخرى.
وباشارته الى كون المحرقة ‘ترجمة لمفهوم العنصرية على أساس عرقي’ وطلبه من العالم ‘أن يتجند بكل امكاناته لمحاربة العنصرية والظلم وانعدام العدل في العالم لانصاف المظلومين والمقهورين أينما كانوا’ يجرّد عبّاس إسرائيل  من ركن متين من أركان متاجرتها بـ ‘صناعة الهولوكوست’ التي راجت كثيراً منذ ثمانينات القرن الماضي وكان ضحايا الهولوكوست أنفسهم مادة هذه الصناعة الخام وضحاياها، باسم الدفاع عنهم، أيضاً.
تكاره الضحايا، يهوداً كانوا أم فلسطينيين، يصبّ بالضرورة في فائدة العنصريين والطغم السياسية والعسكرية والمالية، نازيين أوروبيين كانوا أم عنصريين اسرائيليين يتغنّون بأمجاد ضحاياهم وهم يتلذذون بتعذيب ضحايا آخرين.
تحويل ‘الهولوكوست’ الى صناعة وتجارة يسيء، أول ما يسيء، الى ضحاياه اليهود أنفسهم، فاستخدامه لتبرير آلة قمع وبطش وعنصرية جديدة هو إساءة مضاعفة لضحاياه وتحميل لمن ضاعت عائلاتهم في مختبرات النازية ومحارقها مسؤولية نكبة شعب كامل، ليسوا هم مسؤولين عنه، بل جلادوهم الأوروبيون، ومنفذو مشروعهم الاسرائيليون.
ورغم الحجم التاريخ الكبير لوقائع المحرقة اليهودية فان ‘صناعة الهولوكوست’ لم تكتف بأحداثها المعروفة بل روّجت لكتب زائفة عنها ورفعت قضايا عديدة على مصارف سويسرية لاستغلالها وتأسس ما يقارب مليون جمعية ‘خيرية’ ل’الدفاع′ عن ضحاياها، بحيث أصبحت المحرقة مجالاً ضخماً للاستثمار المالي، من جهة، والسياسي من جهة أخرى.
يصنّم التضخيم الاعلامي الأمريكي والاسرائيلي الهائل الحدث التاريخي محمّلا العالم مسؤولية دائمة عنه، وهو ما اقتضى، من جهة، التقليل من شأن ابادات جماعية عالمية أخرى، كما فعل الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس مرة في اعتباره ما حصل للأرمن في مطلع القرن العشرين ‘مزاعم’، كما يدخل في ذلك تجاهل المجاعة الاوكرانية بين عامي 1932-1933 والتي حصدت حياة 7.5 مليون اوكراني، والمجاعة الصينية الكبرى 1958-1961 التي حصدت حياة 20 الى 43 مليون صيني.
موقف الرئيس عباس صحيح، وانكار فلسطينيين وعرب (وعجم، كما فعل الرئيس الإيراني السابق احمدي نجاد) للمحرقة هو ردّ فعلّ غير سياسي ولا عقلاني، فالأولى بالفلسطينيين أن يتعاطفوا مع كل المظلومين في العالم، وأن ينزعوا من اسرائيل ورقة استثمار آلام اليهود الاوروبيين التي استخدمت لتبرير وجود اسرائيل.
إنكار الفلسطينيين للهولوكوست يريح المسؤول عن الجريمة (والذي هو الحركات الفاشية والنازية الأوروبية التي ما تزال تطارد العرب والمسلمين واليهود معاً) من مسؤوليته، ويثقل ضميره بعذابات ضحايا سبقوه الى العذاب والألم، وربطهم بالسياق العدواني الاسرائيلي اعتداء من اسرائيل على كراماتهم وليس انتقاماً من جلاديهم، فالجلاد أوروبي، والذي استثمر في عذابات اليهود والفلسطينيين، أوروبي أيضاً.
قد تبدو رسالة عباس موجهة الى العالم، لكنها، بالأحرى، موجهة الى اسرائيل، وهنا تكمن اشكالية كبيرة، فاستخدام اسرائيل للهولوكوست لابتزاز الفلسطينيين وتوظيفه ضدهم واحتكارها له يجب ان ينتهي، ومحاولة عباس تقع في المنتصف بين الاستجابة للابتزاز والردّ عليه.
الفلسطينيون يحترمون عذابات ضحايا العالم كفعل مبدئي أخلاقي، وكتمثيل لتعاطف الضحايا مع بعضهم البعض، أما المجرمون والعنصريون، اسرائيليين كانوا أم غير اسرائيليين فعليهم أن يكفّوا عن تجاربهم البائسة هذه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق