وجوب التحول عن الصوت الواحد غير المتحول

وجوب التحول

عن الصوت الواحد غير المتحول

( د.فرج أحمد قرمان)

 

النظم الانتخابية في العالم كثيرةٌ ومتشعبة وليس من المُجدي حصرُها ولا من المُفيد ذكرها في هذا المقال، ولكن من المعلوم أن كل دولة تتولى إتباع النظام الذي يُناسبها، فما يناسب دولة ما، ليس بالضرورة أن يكون مناسباً لدولة أخرى، بل قد يؤدي إتباع النظام غيرُ المُناسب إلى زعزعة الاستقرار السياسي والإجتماعي.

في نظام الصوت الواحد غير المُتحول ( Single Non-Transferable Vote, SNTV) يقوم الناخبُ بالاقتراع لصالح مُرشح واحد فقط في دائرة مُتعددة التمثيل، حيث يتم إنتخاب أكثر من ممثل واحد عن الدائرة ويفوز المُرشحون المتحصلين على أكثر الأصوات.

قانون إنتخاب المجالس البلدية وربما قانون انتخاب البرلمان القادم، يتبنيان نظام الصوت الواحد عير المتحول هذا، حيث يعتقد المُشرّعون أن نظام الانتخاب هذا هو الأفضل والمناسب للحالة الليبية، بالرغم مما ينتج عن تطبيقه من ضياع لأعداد كبيرة من الأصوات التي تذهب هباءً، خاصة في ظل وجود شروط سهلة للترشح والتي تمكن أعداد كبيرة من الأفراد للترشح للانتخابات.  لتسهيل فهم طرحي هذا، أسوق عملية إنتخاب المجلس البلدي لمدينة مصراتة كمثال، مع ملاحظة أن الارقام الواردة في هذا المثال ليست دقيقة بل تقريبية:  عدد سكان بلدية مصراتة يقارب 500 الف نسمة، يحق لـ 189 ألف منهم التصويت في الانتخابات.  تم تسجيل 80 ألفاً منهم في سجل إنتخاب المجلس البلدي ومتوقعٌ أن يقوم بالإقتراع الفعلي ليس أكثر من 50% منهم أي 40 ألف مواطن.  عدد المترشحين للتنافس على خمسة مقاعد في المجلس البلدي (المقاعد العامة) هو 71 مواطناً.  إذا تساوت أعدد الأصوات لكل المترشحين فسيحصل كل واحد منهم على 563 صوت ولكن إذا إفترضنا جدلاً أن الخمسة الفائزين قد تحصل كل منهم على العدد التالي من الأصوات:

-        الفائز الاول            580 صوت      

-        الفائز الثاني            575 صوت      

-        الفائز الثالث            570 صوت

-        الفائز الرابع            568 صوت      

-        الفائز الخامس           565 صوت

 

فالـ 580 صوتاً التي تحصل عليها الفائز الأول؛

تُعادل فقط 1.5% من عدد الذين أدلوا بأصواتهم

وتُعادل فقط 0.7% من عدد المسجلين في سجل الانتخابات

وتُعادل فقط 0.3% من عدد الذين يحق لهم التصويت

وتُعادل فقط 0.1% من عدد سكان بلدية مصراتة

هذا يعني أن؛

98.5% من عدد الذين أدلوا بأصواتهم لم يصوتوا للفائز الأول

وأن 99.3% من عدد المسجلين في سجل الانتخابات

لم يصوتوا للفائز الأول

وأن 93% من الذين أدلوا بأصواتهم لم يصوتوا للخمسة الفائزين

في بلدية بنغازي التي استكملت انتخاب مجلسها البلدي الأسبوع الماضي، كان عدد المسجلين في السجل الانتخابي 70 الف مواطناً تقربياً من أكثر من نصف مليون مواطنا يحق لهم التصويت في هذه الانتخابات، صوّت منهم فعلياً 35266 مواطناً لإختيار 7 أعضاء للمقاعد العامة من بين 61 مترشحاً.

بالرغم من أن الفائز الأول والفائز الثاني تحصلا على أعداد كبيرة نسبياً من الأصوات إلا أن بقية الفائزين لم يتحصلوا إلا على أعداد صغيرة من أصوات الناخبين، فالفائز رقم 5 لم يتحصل إلا على 961 صوتا فقط.

أو: ما يُعادل فقط 2.7% من عدد الذين أدلوا بأصواتهم

وما يُعادل فقط 1.3% من عدد المسجلين في السجل الأنتخابي

وهذا يعني أن؛

97.3% من عدد الذين أدلوا بأصواتهم لم يصوتوا لهذا الفائز

وأن 98.7% من عدد المسجلين بالسجل الانتخابي لم يصوتوا لهذا الفائز

وأن 77% من عدد المسجلين بالسجل الانتخابي لم يصوتوا للفائزين السبعة

 

وهكذا فإن نسبة 1.5% و نسبة 2.7% من عدد الناخبين هي لا شك أقلية ولكنها بنظام الصوت الواحد غير المتحول (SNTV) ستُمكن المُترشح من الفوز ربما بمقعد في المجلس البلدي وستُهدر أصوات الأغلبية الساحقة (97.3%-98.5%) من الناخبين وتضيع هباءً ولن يكون لها ثأثيراً على نتائج الانتخابات.

إذاً، كل ما يحتاجه المترشح للفوز هو ضمان تصويت عدد ليس بالكبير لصالحه، وهذا قد يكون سهلاً في ظل تفشي العقلية القبلية والجهوية وربما تواجد الافراد دوي النفوذ والكيانات الدخيلة والمجموعات المشبوهة في ليبيا، وقد يكون شراء الاصوات عملية مغرية لبعض المترشحين فالعدد المطلوب ليس بالكثير وقد يسهُل الحصول عليه بأثمان زهيدة نسبياً، أو بوعود قد تبدو للناخب سهلة التنفيذ من قبل المُترشح المتوقع فوزه.

يُعد نظام الصوت الواحد غير المتحول (SNTV) من أقل النظم الانتخابية استخداماً في العالم، فلقد اُستُخدم لفترة قصيرة في الانتخابات البرلمانية اليابانية وفي كوريا الجنوبية ويستخدم حالياً في الأردن وفي انتخابات مجلس الشيوخ التايلندي وفي الانتخابات البرلمانية في أفغانستان رغم المحاولات الكثيرة للتخلص منه في هذه البلدان.

المؤيدون لهذا النظام يقولون أنه يعطي ميزة للمرشحين المستقلين في كونه لا يعطي الفرصة لتكوين قوائم حزبية ويعتقدون أنه يُذيب الكيانات السياسية القوية وإنه يساعد على الإنتقال الى مرحلة السلم والأستقرار في مناطق النزاع ولهذا يتم تطبيقه في أفعانستان على سبيل المثال.  ولكن المعارضين لهذا النظام يقولون إنه لا يشجع على مشاركة الأحزاب السياسية، بل يُشجع على تسجيل أعداد كبيرة من المرشحين الأمر الذي يؤدي إلى مصاعب لوجستية في إدارة الإنتخابات والأهم أنه يؤدي إلى ضياع أعداد كبيرة من الأصوات، ففي أفغانستان على سبيل المثال، تحصّل سنة 2005 مُرشحون على مقاعد في البرلمان، بنسبة أصوات لم تتجاوز 1% من مجموع أصوات الناخبين.  كما يؤكد المعارضون لهذا النظام أن هذا النظام قابلٌ للاستغلال من قبل النُخب وذوي النفوذ على حساب الديمقراطية (حكم الأغلبية) والشفافية وتكافؤ الفرص.

هذه دعوة للمهتمين بالشأن الانتخابي في ليبيا لمناقشة مدى ملائمة هذا النظام للعملية الإنتخابية في ليبيا فالذي أراه أن هذا النظام ليس مناسبا بل قد يأتي بأناس ليسو أهلاً لتحمل المسؤولية وقد يقودنا إلى صراعات سياسية واجتماعية نحن في غنى عنها، وقد يصعُب لاحقاً استبداله بنظام آخر بعد أن يجد فيه الانتهازيون المتربصون منفعةً لهم.

حفظ الله ليبيا

د. فرج أحمد قرمان

fargarman@yahoo.com