السبت، 8 يونيو 2013

العزل الليبي مقارنة بالاجتثاث العراقي!



العزل الليبي

مقارنة بالاجتثاث العراقي!

 

9998369402[1]

بقلم / رشيد الخيّون


صدر قرار بالعاصمة الليبية طرابلس تحت عنوان «العزل السياسي والإدراي»، يقضي بحرمان نحو خمسمائة ألف ليبي، مِمَن تبوؤوا وظيفة أو مسؤولية كبرت أو صغرت في ظل النظام السابق. ليس من حقهم العمل في السياسة والإدارة لعشرة أعوام. وفي تسمية القانون يبدو أن الليبيين قد نظروا في التجربة العراقية عندما لُطف «الاجتثاث» بالمساءلة والعدالة، لكن تعدد التسميات لا يغير المعنى، مما يضع التجربة الليبية على قلق. فالعدد المعزول سيقول ما قاله سوار بن المُضرب التميمي العماني طريد الحجاج بن يوسف الثقفي (ت 95 هـ): «أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي/ وقومي تميم والفلاة ورائيا» (ابن المبرد، الكامل في اللغة والأدب).

ما هو أغرب في القرار الليبي أن الذين نادوا بالتغيير وسبقوا إليه هم من هذا النصف مليون كادر؛ فطوال شهور النزاع الخطير مع القذافي (قُتل 2011) قاده ضباط من الجيش الليبي ومن الإدارة الليبية السابقة، وقامت هذه الإدارة بتسليم المفاتيح للمجلس المنتخب بكل يسر وأمانة، وظهر أنها لم تفسد في شيء مما كان تحت يدها.

هناك تشابه، إلى حد ما، بين تجربتي ليبيا والعراق السابقة واللاحقة، فنظاما الحكم كانا ديكتاتوريين دمويين أفرطا في الاغتيالات السياسية، هنا «البعث» وهناك «اللجان الشعبية»، والبلدان يعتمدان على النفط، ويوصف نفطهما بأنه من أفضل أنواع النفوط بالعالم، الليبي بالجودة والعراقي بسهولة الاستخراج.

كذلك تشابها في الخلاص من ديكتاتوريتهما، غير أن العراق تخلص بزحف الجيوش الأميركية المُعلن. أما ليبيا فقد ساندت القوات الأوروبية، بالتنسيق مع الأميركيين، المقاتلين الليبيين، بالإشراف على إعدادهم وتسليحهم، وعلى ما يبدو كان الدور أكبر مما كان يُعلن، فمن الصعوبة بمكان أن يصير النظام السابق أثراً بعد عين بالمسلحين السلفيين والمدنيين فقط! ولم يتم الأمر أيضاً إلا بالاستفادة من القضية العراقية. لا أطيل، لقد صار العراق «فأر» التجارب!

بيد أن التجربة الليبية افترقت عن العراقية ما بعد الخلاص، وهو أن الساسة الليبيين تحلوا بالوطنية والعفة، حتى تسليم الأمر للجمعية المنتخبة. أما العراقيون فقدموا نموذجاً سيئاً في القبول بمجلس الحكم الكاريكاتيري، وبرئاسة دورية شهرية، لا يفعلها حتى طلبة الابتدائية، وتعاملوا مع بلادهم كعدو، فقد اختصروها بصدام حسين (أعدم 2006)، وأخذوا يتعاملون معها بمنطق الضغينة والثأر، فإذا كان (الفرهود) يحصل داخل سوق أو محلة أخذ بعد التاسع من أبريل 2003 يجتاح العراق طولاً وعرضاً.

زار وفد شعبي ليبي بغداد، وهم من بعض الثوار، للإطلاع على خبرات المنطقة الخضراء (الثرية)؛ فعم جو من التنكيت حينها، لكن على ما يبدو كان المنكتون على خطأ؛ فقد تمت الاستفادة بإعلان الاجتثاث على نصف مليون من الشعب الليبي. ومن حسن حظهم أن يقتل القذافي ولم يقدم إلى محاكمة كمحاكمة صدام على قضية جزئية وهي «الدجيل» (1982)، وطريقة إعدام هزيلة، قدّمته بطلاً والمنفذين مجرد أطفال يلهون بدمية. كم حذر المخلصون من هذه الممارسات، لأنها تداعب الروح الطائفي وتثير شهوة الانتقام، وبالفعل حصل هذا وما زال.

كانت لحظات انتقام لا أكثر، بينما إعادة إعمار الأوطان تحتاج إلى رجال قلوبهم كبطون الحيتان واسعة، وكالدلافين ينقذون لا يفترسون، ولو دققنا في الحوادث الدامية لوجدنا للاجتثاث حصص فيها، وما هذه التظاهرات بالمنطقة الغربية، التي لم تندلع إلا بعد سنوات وتراكم إذلال، إلا والاجتثاث في مقدمة أسبابها، وها هي تضيف أحقاداً على أحقاد.

أقول: لا يُزايد علينا في أمر صدام حسين و«البعث» كافة، لقد شببنا على عدم ود هذا الرجل وحزبه، وبقينا على ذلك حتى يوم سقوط تمثاله (9 أبريل 2003)، لكن لا يمنعنا هذا من انتقاد إعدامه، فقد جرى بأنانيات وتجاوز على ما يفترض أن يكون قانوناً. سمعت من وزير العدل السابق هاشم الشبلي، أنه عندما قابلته صحيفة «الشرق الأوسط» (ديسمبر 2006) وسألته عن إعدام صدام ومصادقة رئيس الجمهورية- فحينها صرح جلال الطالباني أنه لم يصادق على الإعدام- وهل يجوز الإعدام في العطل الرسمية؟ فأدلى الوزير قائلا: القانون العراقي لا يسمح بالإعدام في الأعياد أو العطل الرسمية ويشترط مصادقة رئاسة الجمهورية، وقبل هذا مصادقة وزير العدل. وبعد نشر المقابلة تحدث معه المالكي: كيف صرحت بذلك، فقد سببت لنا مشكلة! وسأله عن رأيه في الإعدام فأجابه كوزير وقانوني، تاركاً له الخيار، وهو كوزير عدل لن يوقع على إعدام مخالف للقانون! لكن ما جرى أنه استغل غياب الوزير وعُين وزير التربية، من «الدَّعوة»، وزيراً للعدل بالوكالة، وهو ليس له بالقانون شأن، فصادق على الإعدام في ليلة العيد، وظهر المالكي يوقع التنفيذ أمام الكاميرات دون مراعاة ما ستجره تلك اللقطة من ضغائن، رقص لها الغافلون والقاصدون. كان المشهد طائفياً، ألغى كل ما يؤمل من المصالحة. فما كان يفعله القذافي وصدام ضد الخصوم اجتثاثاً، إذن ما الفرق بين عصريهما وعصر الديمقراطية؟

أما عن الذي يصادق على الإعدامات باسم رئاسة الجمهورية، فلو يُصحح لنا ما سُمع منه، بأنه يمارس «الاستخارة»، وها هو يمارس صلاحيات الرئاسة كاملةً! هنا يحضر في الخاطر بيت صاحب المعلقة طرفة بن العبد (قُتل نحو 569 ميلادية): «يا لكِ من قبرة بمعمر/ خلا لك الجو فبيضي واصفري/ ونقري ما شئت أن تنقري» (الجاحظ، كتاب الحيوان). فتأمل قتامة الظرف الذي يعيشه العراق عندما ينفذ الإعدام بعد الاستجارة بخرزات المسبحة، فمع العدد المفرد يقال: «بيها خِيرة» أي إعدم! لسنا ضد الاستخارة، في أمور شخصية، لكن أن تصادق السلطة على القتل صبراً بعد استشارة المسبحة فتلك «قاصمة الظَّهر»!

قد يكون الاجتثاث الليبي أخف وطأة، وأرى بين الليبيين عقلاء سيراجعون قرارهم، وليس بينهم فاسد بالمال العام، فمصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي، والمشمول بقانون العزل، كشف بأنه لم يستفد شخصياً ولا زملاؤه من سلطة وثروة، ولم يبيعوا عقارات الدولة أو يتناهبونها كغنائم حرب. أخيراً، العزل أو المساءلة والعدالة كلها كنايات للاجتثاث والانتقام والثَّأر، ولعبيد بن الأبرص الأسدي (نحو 598 ميلادية)، المعدود من أصحاب المعلقات العشر: «هي الخمرُ تُكنى بأم الطلى/ كما الذئب يكنى أبا جعدة» (الأصفهاني، كتاب الأغاني).

الاتحاد الإماراتية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق