الجمعة، 8 يوليو 2016

بلير: دمّرت بلادكم لأجيال قادمة… ولن أعتذر



بلير: دمّرت بلادكم لأجيال قادمة… ولن أعتذر

رأي القدس

Jul 08, 2016
 

 

للرد على نشر نتائج سبع سنوات من تحقيقات لجنة تشيلكوت حول اجتياح الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا للعراق عام 2003 كانت خطّة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير تخفيف وطأة الاتهامات الموجهة له وصدّ الهجوم المتوقع عليه، ورفض، بالنتيجة، أن يتحمل مسؤولية ما فعله، أو يعتذر عنه. كشف التحقيق بوضوح أن بلير كان قد وعد الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج بوش، قبل ثمانية أشهر من إعلان الحرب بالوقوف معه «مهما كانت الظروف»، وفي سبيل ذلك قام بتزييف الأدلّة لإثبات أن العراق كان يشكّل تهديداً مباشراً لبريطانيا، فقام مسؤوله الإعلامي بالمساهمة في كتابة تقرير للمخابرات البريطانية يدّعي أن لندن يمكن أن تتعرض للهجوم في ظرف 45 دقيقة، وأعيدت صياغة مشورة المدّعي العام الذي رفض في البداية إعطاء ضوء أخضر قانونياً لشن الحرب، وعمل مساعدوه على إقناع الأمم المتحدة بأكاذيبه للسماح بإعطاء إذن أممي يشرّع الحرب، وفي النهاية فقد التزم بأجندة رئيس بلد آخر وخان ثقة الشعب البريطاني الذي انتخبه، وخرج ما يقارب المليون منهم محاولين منع الحرب.
انتهك بلير بهذا القرار القوانين الأساسية التي ترتبط بعمله كرئيس وزراء منتخب، وإذا لم يكن قد دفع ثمن هذه الخطيئة السياسية الكبرى حتى الآن فإن العالم ما زال يدفع فاتورة الخراب العميم ومئات آلاف القتلى والجرحى وملايين النازحين.
لقد دفع العراقيون الثمن الباهظ لهذا القرار وانداحت الكوارث أيضاً إلى سوريا بعد الفراغ الأمني الذي صنعته الثورة على النظام فيها، كما ترك الحدث بصماته على أوضاع فلسطين والأردن ومصر ودول الخليج وحتى دول شمال إفريقيا العربية.
لقد أدّى التكسّر الهائل الذي تعرّض له السنّة العرب في العراق إلى تغذية ماكينات التطرّف والإرهاب والنزاع الإقليمي مع الشيعة وإيران والأكراد، وأسهم، من ثم، في تحوّل الحدث المحلّي إلى جرح عالميّ متنقّل بفعل المظلوميّة الكبيرة التي تعيشها شعوب المنطقة تحت وطأة أنظمتها والهيمنة الإيرانية على مقدرات أربعة بلدان عربية.
على عكس الحروب السابقة التي قادت إلى ازدهار صناعات امريكية كبرى فقد ساهمت حرب العراق في خسائر كبيرة للاقتصاد الأمريكي قدّرت بأكثر من تريليون دولار، وهو ما كان له دوره في فترة الركود الاقتصادي التي تبعت الحرب؛ وبدل السيطرة التي كان يسعى لها الأمريكيون على حقول النفط فقد التهبت الآبار وحوصرت المدن والتهب العراق بالمقاومة العنيفة فتصاعدت أسعار الوقود مما أعاد الدور الروسيّ بقوّة للمنصّة العالمية، وبدلاً من «نهاية التاريخ» المفترضة التي كانت أمريكا طامحة فيها لفرض «ديمقراطيتها» بقوة السلاح وإعلان سيطرتها الكاملة على العالم عادت ظاهرة الأقطاب الدوليين للانتعاش وصار على أجندات الدفاع الأمريكية أن تواجه الصين وروسيا ودول اتفاقية «بريكس»، كما فتح ثغرة كبيرة في مصداقية السياسيين البريطانيين رأينا نتائجها في قرار الخروج من أوروبا، إضافة إلى الالتهاب الكبير في المنطقة العربية.
يصرّ بلير مثل شخص منوّم مغناطيسيّاً على القول أن العالم صار أحسن بعد سقوط صدام حسين ولكن الحقيقة الفاضحة أن العالم صار أسوأ بكثير، وفي حالتنا، كعرب، فقد دمّر قرار بوش وبلير حياة أجيال قادمة وخلخل أسس المنطقة العربيّة وأمّن لإيران هيمنة سهلة على مقدّرات العراق وسمح لروسيا بأن تزيد نفوذها على المنطقة العربية وتحتلّ سوريا عمليّاً، وسمح باشتداد قبضة إسرائيل المطلّة على خراب عربيّ هائل بحيث تنحسر إمكانيات التسوية العادلة، وأعطى عمراً أطول لأنظمة الاستبداد العربية.
لقد أنجز بلير، من خلال تبعيّته المذلّة لبوش كارثة لا حدود لها ولكننا، نحن العرب، من دفع ثمنها الأكبر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق