حالة الضياع للمصارف الليبية حقيقة ام وهم ؟
حالة الضياع للمصارف الليبية
حقيقة ام وهم ؟
بنور محمد نور
كل الاسباب تجمعت هناك ، أجور ومزايا الموظفين … ابتلعت جل حقوق المساهمين
، وهم في غفلة من امرهم …. في غياب كامل لمعنى الحوكمة والرقابة التي يختص
بها مجلس الادارة باعتباره السند الرئيسي للحفاظ على حقوق المساهمين وهو
السد المنيع لحماية أموالهم من الهدر او النصب ….. يحدث دلك قسريا نتيجة
إستقواء وتغول الادارة التنفيدية المطوقة بالفاسدين والفاشلين حسبما يؤكده
تاريخهم المهني ….. !
هده حقيقة وليست رواية تستهدف المتعة ، للأسف الشديد معظم مصارف التجارية
في ليبيا مفلسه افلاسا حقيقيا ، بدون جدل ولا عزاء للمتقاعسين ، والارقام
الواردة باغلب تلك القوائم المالية والميزانيات الختامية لسنوات خلت واخرى
قادمة ، توكد صحة تلك الفرضية ، بدأ من بند مخصصات الديون المشكوك في
تحصيلها ، و بند قضايا تحت التسوية أو ما يعرف ” بفروق السجلات أو السرقات ”
، وبقية المخصصات على اختلافها ، بالاضافة الى الاحتياطيات المزعومة
والاسهم المجانية والارباح السنوية التي تم توزيعها في سنوات سابقة لتحسين
اداء الاسهم في سوق راس المال ، اغلب هده الارقام والاموال ، هي في الاصل
ايرادات سجلت ” دفتريا ” و في الواقع العملي لم تحصل اصلا ، وثمتل فائده
لتسهيلات وقروض صنفت على انها ” ديون عديمة الاداء ” وفق تصنيف المصرف
المركزي للديون المتعثرة ، كونها في حكم المعدومة ، منحت مند بداية
التسعنيات من القرن الماضي وحتى تاريخ قالدي حدده القرار بالتوقف عن
التعاملات المصرفية الربوية ” رغم ان هدا المعنى محل خلاف بين فقهاء الامة ”
( 1 ) …… – معظم تلك التسهيلات والقروض منحت اثناء فترة الرواج وفق تسلسل
مراحل الدورة الاقتصادية المتعارف عليها إقتصاديا ، بمعنى : اسعار الرهونات
التي قدمت كضمان ، مقابل تلك القروض أو التسهيلات الائثمانية ، لا معنى
لها ، فهي عبارة أرقام فقط دون مضمون ، لكون الاسعار في تلك الفثرة تعد غير
حقيقية اي مبالغ في تقديراتها وفق اسعار السوق الجارية انداك ، بسبب حالة
الرواج والتضخم المشار اليه …. في تلك الاثناء ” وصل سعر الدولار الى اكثر
من 4 دينار ليبي ” .
كما انه وفق ما هو متعارف عليه في مصطلحات اكبر المصارف العربية والدولية ،
( أن الضمانات لا تعد المصدر الاساسي أو الرئيسي المعول عليه لإسترداد
الدين وجني الفائده ) ، في عرف المصارف يحدرون من الاعتماد على الضمانات
عند الاقراض ، خوفا من ان تتحولت المصارف التقليدية الى سماسرة لبيع
العقارات ، وهدا بطبيعته وفي الاساس يختلف اختلاف جدري مع طبيعة نشاط
المصارف بنص القانون التجاري والاعراف الدولية التي تنضم عمل المصارف
التجارية وتحدد انشطتها واختصاصاتها ، وهو ما تؤكده لوائح وقرارات المصرف
المركزي كسلطة نقدية ورقابية .
…. الواقع والتجارب تقول ان المصدر الاساسي لإسترداد الدين وما يترتب عليه
من فائده ، تضمنها التدفقات النقدية للمشروع أو أي نشاط تجاري او خدمي
ناجح ويؤسس لدعم اقتصاد الدولة … هدا أولا .
… هده التدفقات إن تحققت فهي وحدها الكفيلة بإنتظام سداد اقساط القرض او التسهيل وتحقيق العائد المناسب .
….. مرت سنوات وهده الايرادات المزعومة والوهمية ، هي المصدر الرئيسي
لقائمة الدخل وأرباح المصرف ، رغم تلك العيوب وأستمرارها لم تجنب هده
الموارد من فوائد الديون المتعثرة رغم التنبيه المتكرر لما قد يترتب عليه د
لك الخطأ الكارتي و مغبة مخاطره على مستقبل المصارف الليبية .
وفي نفس السياق هناك عوائد اخرى تتحقق من هامش الفائدة لشهادات الإيداع
الموظفة لدى المصرف المركزي وهو ما يعرف إصطلاحاً ” بالدين العام ” للخزانة
العامة للدولة ، بإشراف من المصرف المركزي ، رغم تحقق تلك العوائد ، الا
انها في مجموعها ، لا تغطي مرتبات الموظفين ونفقاتهم المتنامية ، ومن هده
الخلطة مضافا اليها عوائد الخدمات الاخرى التي يقدمها المصرف اهمها :
الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان من كل دلك تحقق جل ايرادات وارباح
المصارف التقليدية لتلك السنوات الخوالي وهي الكارثة ، تراكمت الديون في
جانب الاصول وفي المقابل تضخم حجم المخصصات في جانب الخصوم من القوائم
المالية ، فأنتفخت تبعا لدلك قوائم نتائج الاعمال زورا وبهتانا الى تلك
الحدود المزعومة بصورة وهمية ، وتبعا لدلك تحقق صافي الدخل بما فيها حصيلة
الضرائب .
…. وزادت
الامور في التردي ، بعد ان اختطف الموظفين المصارف وسخرها لخدمة مصالحهم
وتحقيق طموحاتهم غير المحدوده في العيش الرغيد من خلال استنزاف حقوق
المساهمين وودائع العملاء تحت الطلب ، في ظل هدا التردي المشين ياتي
ويستوجب اللجوء الى الحل الامثل لضرورته الملحة في هده الظروف العصية ، قبل
ان تقع الكارثة ، وتخر المصارف المتكئة على ” عصا او منساته ” في قصة
النبي سليمان عليه السلام ، لدلك وجب الحدر والعمل بهدوء على تحجيم تلك
المصارف من حيث عدد الموظفين وعد الفروع ، بما يتناسب مع حجم نشاطها ويعزز
ايراداتها ويحقق العائد المجدي اقتصاديا ، وهناك مصارف تستوجب التصفية ،
حتى لا تتكر مأسات افلاس ” مصر ف الامة ” ، على ان يراعي أ في اسبقية هده
المصارف ، تلك المملوكة في معظمها للقطاع الخاص ، وأن يعجل بدلك عندما تسمح
الفرصة من حيث استقرار الوضع الامني و ضبط الائقاع الاقتصادي المبعثر
حاليا الى حد ما والمتمتلة في شح النقد الاجنبي مع غياب التوازن بين
ايرادات الدولة ونفقاتها العامة .
يراعى بعد دلك البدء في انشاء مصارف حسب الطلب ، اما تقلدية سافرة ، او
مصارف تعتمد اسس الشريعة والنشاط المصرفي الاسلامي ، بحيث يبداء بكل دلك من
نقطة الصفر وبحجم فروع محدوده جدا ، وبعد ملائم ومناسب من الموظفين
الاكفاء المتخصين في نشاط الصيرفة الاسلامية بعيدا عن المجاملة والوساطة ،
على ان يتناسب كل دلك مع حجم الاعمال المتاحة في سوق الصيرفة الاسلامية
لغياب الوعي بهدا النشاط بين عموم المتعاملين ، مع ضرورت مرعات حجم العائد
المرتقب و المحسوب مقدما في ظل أفضل وأحسن كادر وظيفي كفؤ من حيت الاداء
الفعلي المقيم في لغة الزمن ، بعيدا عن الترهل العددي البغيض ، ثم يواكب
هدا النمو زيادة وانتشار في عدد الفروع مع نمو متناسب في عدد الموظفين ،
ويتنامى العدد مع امكانية توسع حجم نشاط المصارف الاسلامية وانتشار مفاهيم
الصيرفة الاسلامية الحديثة و ادواتها المتنامية ، على ان يجاري كل دلك
وبصورة جامعة وعاجلة نشاط تسويقي واسع و مميز لدعم مفهوم الصيرفة الاسلامية
، و التعريف بها لدعم مشروع انتشارها ، حتى تعم المجتمع تقافة العمل
المصرفي الاسلامي ، وخاصة بين التجار ورجال الاعمال وغيرهم من زبائن
المصارف على اختلاف انشطتهم وأتجاهاتهم وكدلك بين عامة الناس ، الارقام
تقول أن اكثر من 90 % من الاموال والنقد الموجود بالمصارف والمتاح لفرص
التوظيف ، من مجمل هده الاموال هي في صورة ودائع تحت الطلب ، أو غطاء نقدي
للإعتمادات المستندية ، وخطابات الضمان ، ولا يمتلك المصرف من ارصدتها
درهما واحد فهي في حكم الامانات المحفوظة لديه بموجب العقد المبرم بين
الطرفين ، كما انها واجبة الاداء او الدفع عند اول طلب ، ولا يجوز للمصرف
الاسلامي ان يتصرف فيها او يوظفها في اي نشاط مرابحة أو مشاركة بانواعها أو
مضاربة أو استصناع او اصدار للصكوك الاسلامية أو ” التورق ” ، الا بموافقة
ومشاركة اصحابها وفق مبدأ ” الغرم والغنم ” ، وهي القاعدة الفقهية المعنية
من حيث المبدأ والاساس ، لنشاط واسلوب عمل المصارف الاسلامية ، اما
الموجود على الساحة حاليا فهو يخالف هده الشروط والمبادي ، ولا يقتدي بادنى
اصولها المعتمدة في جل المصارف الاسلامية المعتبرة بقاعدة من العملاء قوية
ومتينة ومرتبط نشاطها المهني او الخدمي او الصناعي طوعا ، بتلك المصارف
وتفتخر علنا بالانتماء اليها باقتناع وحماس .
اما في سياق ما يحدث الآن ، فإن المصارف لا تمتلك من اموالها الخاصة
والجاهزة للتوظيف ، ما يتعدى في مجموعه رأسمالها والاحتيطاطيات والخسائر
المرحلة مند سنوات سابقة والتي ما فتئت تلتهم الاخضر واليابس ، وما يحدث
الآن من توظيف على ارض الواقع ، قد تجاوز النصاب الشرعي بكثير ، من حيث
التوظيف المتجاوز للشروط ، طمعا في تحقيق اكبر عائد لتغطية النفقات العامة
المبالغ في تعاطيها وبسخاء ملفت للنظر ، اما بقية الاموال وعلى راسها جميع
المخصصات وما في حكمها ، فهي اموال جمعت اصلا من عوائد ” الربا ” الفائدة
المحرمة شرعا ، وفي ظروف مصرفية سيئة السمعة سبق الاشارة اليها ، ضف لدلك
كون الفائدة في الاصل لم يتم تحصيلها حتى هده اللحظة ، لأن اصل الدين
وتكلفة الخدمة او ” الفائدة ” ، في مجملها مصنفة على انها ديون عديمة
الاداء والجدوى ، بمعنى انها في حكم الديون المعدومة الا انها تراكمت
وتوسعت قنواتها في غياب الادارة الحكيمة القادرة والكفؤة ، الواعية بتحمل
مسؤلياتها باتخاد القرارات الناجعة والحاسمة لمصلحة المالكين وحقوقهم
المشروعة ….. علما بن هده التصنيفات جاءت بصورة قطعية وفق فقه المصارف
التقليدية في سياق اتساع خبرتها وتكرار تجاربها ، ووفق موسوعة تصنيف الديون
للمؤسسات الدولية التي تهتم بالتصنيف الائثماني على المستوى الدولي لصالح
المستثمرين ، كدلك بما يتفق وتوجيهات صندوق النقد الدولي ، ومصرف ليبيا
المركزي من خلال ادارة الرقابة على المصارف والنقد … واخيرا وهي الاهم في
هده الخاطرة أو الفاجعة ، رواتب ونفقات الموظفين وما في حكمها ، في تلك
المصارف سيئة الصيت والسمعة ، بعد اختطافها من قبل زمرتهم الباغية ، تنامت
واصبحت تشكل اكثر %70 من اجمالي الايرادات و جل عوائد المصرف ، هدا دون
احتساب بقية المصروفات والنفقات الاخري التي طفت وتنامت قسرا في جانب
الخسائر المتلاحقة ولسنوات عجاف طويلة ومتتالية ، و في الجانب الاخر من
الصورة بعبع ما يعرف بمجلس الادارة الدي يمثل المالكين ومكلف بالسهر للحفاظ
على اموالهم وحقوقهم من النهب والنصب ، والعبث والهدر والتردي التي لحق
بالمؤسسة ، هدا البعبع بقي قابع يغط في سبات عميق وخارج سياق ما يحدث من
كوارث ، رغم ان المجلس وهو المعني بموضوع المراقبة والحوكمة ، ” الحوكمة أو
اللإدارة الرشسدة هدفها بالدرجة الاولى استقرار النظام المصرفي على مستوى
العالم ، وهو ما اقرت به ” لجنة بازل ” في اجتماعاتها من 1-3 وهي منبثقة عن
مجموعة العشرين او الدول الصناعية الكبرى ، أقرتها بصورة جبرية ، نظرا
لتداخل الاقتصاد العالمي وارتباطه جملة وتفصيل ، والزمت بها المصارف في
الاصل كشرط لحماية اموال المالكين واصحاب الودائع خوفا من الضياع والسرقة
والهدر ، ومن سوء تقدير الادارة التنفيدية واطماعها في ظل محدودية معرفتها
بالعلوم المصرفية الحديثة وقلة الخبرة من حيث مجارية ما يحدث في ساحة عالم
البنوك على مستوى العالم من ضبط لإقاعها وترشيداً لسلوكها نحو الافضل
والآمن . – صراع الادارة التنفيدية العبثي المرتبط بإنحيازها الكامل
لمصالحها الخاصة وتطلاعاتها الأنانية البغيضة ، شوه سمعة المصارف الليبية
وبقيت قاب قوسين أو ادنى من الافلاس الحقيقي .
… كما يستهدف ايضا عمل ونشاط مجالس الادارة ضبط ايقاع النشاط المصرفي بوجه
عام ، بما يناسب ويخدم مصلحة المالكين ويضبط مسار الاقتصاد الوطني وينئ به
جانبا عن الصراعات او التبعثر في الوحل وبرك المخاطر والتشوهات الهيكلية ،
للأسف الشديد هدا المجلس قليل المعرفة بالمهنة ومحدودية خبرته بتراكمتاتها
، بقي يغط في سبات ونوم عميق مند دلك الماضي العتيق ، وأغلبهم ليس لهم
دراية بالعمل المصرفي التقليدي او المصرفي الاسلامي ، لكون جل هؤلاء
اكادميين يعملون بالجامعات في الجانب النظري حشر بهم فيما لا يدركون وبعيدا
عن ما يفقهون من خفايا ودهاليز المارقين المندسين بالمصارف المحلية
والعالمية ، ويرجع دلك بسبب محدودية معرفتهم بالجانب العملي والمهني
الثراكمي وسعة الخبرة و حالة النمو المتسارعة للنشاط المصرفي ، وانتشاره
روافده وتوسع شريحة الخدمات في النشاط المصرفي التقليدي والاسلامي معا ،
الدي اعتمد التكنولوجيا اساس في تنويع الخدمة وانتشارها لتصبح في معظمها
خارج السيطرة واللجم … اما ادارة الرقابة بالمصرف المركزي ، فحدث ولا حرج ،
فهي لا تعير ادنى أهمية لا من قريب ولا من بعيد لهده الصعوبات الجمة
والمشاكل المستفحلة والمستعصية في المصارف المحلية المفلسة حقيقة
وبواقع عملي ملموس ….. . علما بان معظم البنوك في المملكة المتحدة
بريطانيا العظمى قامت بقفل اكثر من 40% من عدد فروعها من أجل الإبقاء على
60 % منها معافين في جانب الآمان مرعات لمبدأ الحوكمة ومقرارات لجنة بازل
التي استندت توصياتها الى واقع عملي يجاري أحدث المعايير لللإدارة الرشيدة
والرقابة الفاعلة والنزيهة في االنشاط المصرفي التقليدي أو” التجاري ” .
……. بنور محمد نور ….. طرابلس المدينة القديمة .
(
1 ) المرجع فتاوي فضيلة الشيخ : أ . د. محمد السيد طنطاوي رحمه الله …
فصل: فتوى إباحة فوائد المصارف من د. طنطاوي إلى مجمع البحوث …
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق