اختلف
رد فعل السلطات الألمانية على هجوم ميونيخ الذي نفذه شاب ألماني من أصل
إيراني وأودى بحياة تسعة أشخاص أغلبهم من الشباب عن رد فعل السلطات
الفرنسية بعد هجوم نيس الذي نفّذه شاب فرنسي من أصل تونسي.
قالت الشرطة
الألمانية إن منفذ هجوم ميونيخ هو شاب كان يعاني من اضطرابات عقلية وإنه
مهووس بعمليات القتل الجماعي مثل التي ارتكبها النرويجي اليميني المتطرّف
أندريس بيرينغ بريفيك، ولعلّ النقطة التي أرادت السلطات إبرازها كانت
تأكيدها أن الشاب لا يرتبط بتنظيم «الدولة الإسلامية».
الفرنسيون من
جهتهم افترضوا بسرعة كبيرة وجود رابط بين الهجوم و«العمليات الجهادية»، وما
لبث تنظيم «الدولة الإسلامية» أن أعطاهم شيكاً على بياض يتحمل بموجبه
المسؤولية عن العملية.
لكن مجرّد تبنّي تنظيم (حتى لو كان «الدولة
الإسلامية») لعمليّة ما لا يعني، بالضرورة، علاقته المباشرة بها، أو نفي
احتمال أن من قام بها هو من فصيلة «الذئاب المتوحدة» وهم الأفراد الذين قد
يندفعون، كل لأسبابه الخاصة، للقيام بعملية قتل جماعية ويُقتلون أو ينتحرون
أو يعتقلون، وهو ما ينطبق على عمليات كثيرة بينها عمليات ميونيخ وفوتسبورغ
ونيس، التي تعددت تفاسيرها بين «جهادي» و«اضطراب عقلي»، أو عمليتا بريفيك
في النرويج، وقتل النائبة البريطانية جو كوكس في بريطانيا، اللتان اعتبرتا
عمليتين عنصريتين لمتطرفين بيض مع «اضطراب عقليّ»، أو عمليتا دالاس وباتون
روج اللتان اعتبرتا عمليتين إجراميتين لناشطين سود ضد شرطة بيض.
تختلف
كل محاولة لعمليّة قتل جماعي في العالم في أسبابها وأساليبها وأهداف
منفذيها، فألمانيا، على سبيل المثال، لا تمتلك تاريخاً كولونيالياً يشبه
التاريخ الفرنسي بتعقيد نتائجه التي تتمثل بالجاليات الكبيرة الشمال
أفريقية والتي تعاني من مشاكل تهميش وعنصرية و«غيتوات» التي نقلت إشكالات
الاحتلال الثقافية والسياسية إلى داخل فرنسا، واستقدامها لجاليات أجنبية،
وخصوصا التركيّة، ارتبط أكثر بعناصر اقتصادية.
السلطات الفرنسية، بهذا
المعنى، تدفع باتجاه العامل الخارجي (تنظيم «الدولة») لإخفاء فشلها
الداخليّ وتغطية للعنصرية العميقة التي باتت جزءاً من المكوّن الفكري
والسياسي الفرنسي، فيما تحاول السلطات الألمانية عقلنة العمليات الإرهابية
وربطها بـ«اضطرابات عقلية» وموضعتها ضمن السياق الأوروبي (بريفيك)، وهو
أيضاً شكل من الدفاع عن سياسات التحالف الحاكم لاحتواء اللاجئين، من جهة،
ولإبعاد العلاقة بين هذه العمليات والتدخل العسكري الألماني في العراق
وسوريا لصالح جهات ليست بعيدة بدورها عن الإرهاب، من جهة أخرى.
الحقيقة
الأولى التي يجب كشفها هي زيف الفصل بين «الداخلي» و«الخارجيّ»، فما يحصل
في ألمانيا يؤثر في تركيا وبلدان أخرى كثيرة (والعكس)، وما يحصل في فرنسا
وأمريكا يؤثر في سوريا والعراق والجزائر وتونس الخ… (والعكس).
والحقيقة
الثانية هي أن الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي كان موجوداً ولوقت
طويل جداً قبل ظهور تنظيمي «الدولة الإسلامية» و«القاعدة»، وأن الظاهرة
«الجهادية المسلحة» هي مجرّد عرض مرضيّ كبير من أعراض الظلم الهائل الذي
مورس على المنطقة العربية، وبالتالي فإن التطبيل بأن القضاء العسكري على
«داعش» سيعيد الاستقرار في العالم العربي هو أسطورة غربية – عربيّة للتعمية
على سياسات خطيرة خاطئة في الداخل والخارج.
والحقيقة الثالثة هي أن
عالماً يقبل أشخاصاً مثل أفيغدور ليبرمان وآيليت شاكيد وأيال كريم الذين
يدعون علانية لاضطهاد الفلسطينيين وذبحهم ، ورئيس مثل بشار الأسد، يفاخر
بأنه لم يذرف دمعة على شعبه، ومرشحاً لرئاسة أمريكا مثل دونالد ترامب، يريد
أن يفرض على العالم فكرتي أن بلاده فوق الجميع، وأن الأقلّيات في أمريكا
هم سبب الجرائم والإرهاب، هو عالم بالتأكيد يشكو من «اضطرابات عقلية»، وأن
نتائج هذه الاضطرابات ستنعكس مزيداً من الموت والرعب والجريمة في العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق