هل انقلاب تركيا كان مسرحية؟
إنقلاب تركيا
كتب ـ أحمد بكير:
لم
يكن سيناريو الأحداث التى شهدتها تركيا الجمعة الماضى معداً كله بمعرفة من
قاموا بالانقلاب، لكن السيناريو تدخل فيه الرئيس رجب أردوغان بنفسه، فأكمل
عليه ووضع له نهاية خلاف التى سعى إليها قادة الانقلاب.
اجتماع المخابرات......
كشفت
مصادر مطلعة وثيقة الصلة بالملف التركى أن المُخابرات التركية تلقت
معلومات عن تدبير انقلاب، سيقوم به عناصر من الجيش، قدمها أحد رجال وكالة
الاستخبارات الأمريكية CIA، لرئيس المُخابرات التركية، وأكدها جهاز
المخابرات الإسرائيلى «الموساد» من خلال أحد عناصره، يوم الأربعاء 6
يوليو.. وتم عرض المعلومات على الرئيس، فدعا لاجتماع عاجل بمقر المخابرات،
حضره: رئيس الوزراء ورئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم بن على بلدريم،
ورئيس أركان الجيش خلوصى أقار، ووزير الداخلية افكان آلا، ورئيس المخابرات
حاقان فيدان، وصهر الرئيس زوج ابنته إسراء وزير الكهرباء لبرات البيراق..
وتقرر فى الاجتماع بعد مُناقشات طويلة السماح لمدبرى الانقلاب بالبدء فى
تنفيذ مُخططهم، تحت أعين ومراقبة المخابرات، ومحاصرتهم جيداً حتى لا تنفلت
الأمور.. ورغم تخوف الرئيس أردوغان من المغامرة بمسايرة الانقلابيين، فقد
وافق رئيس الوزراء ورئيس حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، ورئيس المخابرات،
وصهر الرئيس وزير الكهرباء بيرات البيراق، على مُجاراة المتمردين بِحرص
شديد ويقظة، واستغلال الحدث فى تصفية المعارضين الموالين للمعارض فتح الله
جولن المقيم فى أمريكا، ومعظمهم من ضباط الجيش والقضاة، وتهيئة المناخ
لإجراء تعديلات دستورية وقانونية تحصن الرئيس وتوسع اختصاصاته وسلطاته،
وتُغطى على تدنى شعبية الرئيس، بعد اعتذاره لروسيا، وتعويضها عن إسقاط
طائرة لها قبل شهرين، وبعد التطبيع مع إسرائيل.. وتقرر فى الاجتماع توزيع
الأدوار ليقوم الحزب بالدور الأكبر لحشد أعضائه والمتعاطفين معه، واستقطاب
نشطاء الأحزاب.. وتم بالفعل وبسرعة كبيرة دعوتهم تنظيمياً للنزول فى
الشوارع والميادين واحتلالها، رغم حظر التجوال، ومطالبة قادة الانقلاب
الشعب بعدم الخروج. وتحمًّلت القوات الخاصة، وميليشيات من حزب العدالة
والتنمية سبق تدريبها، وعناصر مسلحة من المخابرات، مسئولية المواجهة فى
المناطق الحيوية والمقار المهمة كدار الإذاعة والتلفزة، والمطار، ومقار
الحكم، وإقامة الرئيس والبرلمان.. ومالت المناقشات فى الاجتماع إلى ضرورة
الإبقاء على مواقع التواصل الاجتماعى عبر الإنترنت، حتى تكون وسيلة الحزب
للتواصل مع أعضائه، وتحريكهم حيث يريد وعلى وجه السرعة، وهو ما حدث بالفعل،
حتى إن «أردوغان» نفسه استخدام تلك الوسائط للتواصل مع أنصاره، يحثهم على
النزول إلى الشوارع، رغم مُحاولاته السابقة تعطيل هذه الوسائط، وإصدار
قانون يسمح له بإغلاقها تماماً..
بداية المواجهة........
وكشفت
المصادر أنه ومع الإعلان عن الانقلاب كان عدد من أعضاء حزب «العدالة
والتنمية»، فى حماية عدد من رجال المخابرات والشرطة والقوات الخاصة فى محيط
مبنى التليفزيون والإذاعة الرسمية، ليقتحموا المبنى، ويعتقلون الجنود،
الذين كانوا قد سيطروا قبل دقائق على هيئة الإذاعة والتليفزيون التركية.
وفى ذات الوقت كان قد تم التنسيق مع عدد من القنوات الفضائية غير الرسمية،
لفتح قنواتها أمام أنصار الرئيس، واستخدامها للحشد وإذاعة التعليمات
والأخبار المضادة للانقلاب.. وأذاعت هذه القنوات أخباراً مُسربة، تفيد
القبض على رئيس الأركان، ثم إذاعة خبر قتله بمعرفة قادة الانقلاب، وهو
الخبر الذى تبين كذبه بظهور رئيس الأركان حياً سليماً، يلقى بياناً أمام
البرلمان فى اليوم التالى يدين فيه الانقلاب. وأذاعت هذه القنوات تصريحات
متتابعة لرئيس الوزراء ورئيس البرلمان وقائد القوات الخاصة، يُعلِنون فيها
فشل الانقلاب بعد دقائق من إعلان المتمردين الاستيلاء على السلطة، مما
حمَّس أنصار الرئيس على المواجهة.
وتم
توجيه أكثر من سبعة آلاف من أعضاء العدالة والتنمية، مدعومين بعناصر من
القوات الخاصة إلى مطار أتاتورك الدولى لاقتحامه، والقبض على منفذى
الانقلاب، وأسر عدد كبير منهم فى ترتيب كان مُعداً من قبل.
وكان
أعضاء من النواب من الموالين الموثوق فيهم مُعتصمين داخل مقر البرلمان عند
إذاعة بيان الانقلاب، وتم استدعاء عدد آخر لعقد جلسة خاصة لرفض الانقلاب،
وهو ما تأجل لصباح اليوم التالى، بسبب القصف الشديد من الانقلابيين على
مبنى البرلمان..
الرئيس فى حماية القوات الأمريكية......
ولم
يكن الرئيس «أردوغان» فى مقر الرئاسة عند اقتحامه، ولم يكن فى مقر إقامته
فى أنقرة، أو فى إسطنبول، عند اقتحامهما، لأنه كان فى مُنتجع مرميس، يقضى
إجازة مُعلنة ومُرتب لها فى اجتماع مقر المُخابرات، حتى يكون بعيداً عن
أيدى المُتمردين.. ولجأ «أردوغان» بعد ظهر يوم الانقلاب «الجمعة» 15 يوليو،
إلى المخابرات الأمريكية للمساعدة، التى قدمت دعماً بتسريب خبر لوكالة
رويترز للأنباء، منسوب إلى ضابط أمريكى، للتمويه، يؤكد طلب «أردوغان»
اللجوء السياسى لألمانيا، وهو ما نفاه مسئولون ألمان، فى الوقت الذى كان
فيه «أردوغان» فى قاعدة انجرليك فى حماية قوات أمريكية، سهَّلت استخدام
طائرات F16 ظهرت فى سماء العاصمة «أنقرة»، وفى سماء «اسطنبول» وهى تُسقِط
طائرات هليكوبتر كان يستخدمها مُنفِذو الانقلاب، وصل عددها إلى 23 طائرة،
كانت تحمل ضابطاً وجنوداً، لقوا حتفهم جميعاً.
وقدم «أردوغان» خلال ساعات تواجده فى قاعدة انجرليك الجوية، تعهدات
لأمريكا بالمساعدة فى تنفيذ توجهات أمريكا فى سورية والعراق، والسماح
للقوات الأمريكية بالحركة بعيداً عن حلف «الناتو» من خلال قاعدة إنجرليك،
التى كانت تركيا قد رفضت السماح للقوات الأمريكية باستخدامها ضد «داعش» فى
يوليو العام الماضى..
واستطاع «أردوغان» أن يستغل الحادث فى تصفية واعتقال أكثر من ستة آلاف من
معارضيه فى الجيش، والمناصب العليا فى الدولة، وأطاح بأكثر من 2700 قاضٍ،
وعيَّنَ بدلاً عنهم فى ذات اليوم الذى تم فيه عزلهم، من خلال قائمة كان قد
تم إعدادها قبل خمسة أيام بالتنسيق بين جهاز المخابرات وحزب العدالة
والتنمية. ونجح «أردوغان» فى استبعاد كل هذا العدد من القضاة، الذين رآهم
موالين للمعارض التركى اللاجئ إلى أمريكا فتح الله جولن، وفى ذات اليوم
أيضاً استبعد أردوغان -بغير سند قانونى- عشرة من أعضاء مجلس الدولة، من أصل
15 عضواً، وتعيين عشرة آخرين من الموالين له، فيما سماه المراقبون «مذبحة
القضاة» الكبرى..
السيناريو «المشترك» تم تنفيذه كما أعده الانقلابيون وأكمله «أردوغان»
ونظامه، غير أنَّ نتائجه لا يمكن تقييمها الآن، لأن التداعيات سيظل معظمها
مدفوناً قبل أن يطفو على السطح.. وأياً كانت النتائج فإن ما حدث فى تركيا
كان سيناريو حاول المشاركون فيه «جميعاً» توظيفه لصالحهم فخسر الجميع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق