كتب
الكثير في « » خلال السنوات الماضية عن الضغوط الهائلة التي مورست على
تركيا، من محيطها المتمثل بروسيا، من جهة، والاتحاد الأوروبي، من جهة أخرى،
وكذلك عن الأثر الهائل للأزمة الطاحنة في سوريا وخلافات حكام تركيا مع
المحور الاقليمي العربي، والصراع الناشب بين قوى المنطقة، وخصوصا مع إيران
وإسرائيل، على الكيان التركي.
إحدى هذه الافتتاحيات كان عنوانها «تفكيك
تركيا»، وقد أشرنا فيها إلى وضع تركي يشابه العودة إلى صراعات نهايات
السلطنة العثمانية واتفاق القوى الغربية على تفكيكها وتحويلها إلى عدد من
الدويلات وما قامت به النخبة التركية آنذاك من تسليم لمقدرات الأمة لمفتش
عام الجيش آنذاك، مصطفى كمال، مما ساهم في دحر الغزو اليوناني وأسقط معاهدة
سيفر وأخرج القوات الغربية من البلاد.
فشل الانقلاب العسكري التركي
فتح المجال لحديث طويل مستجد عن قوة الشعب التركي، ولكن، هذه المرة، ليس
لصالح دكتاتورية عسكرية، بل إعلانا لتمسكه بنظامه السياسي البرلماني
وبقادته المنتخبين ديمقراطيا، وكذلك عن حكمة النخب السياسية التي ذاقت
ويلات الانقلابات، بما فيها الأطراف التي هي الآن على خصومة شديدة مع حكومة
«العدالة والتنمية» كحزب الشعوب الديمقراطي الممثل للأكراد، ناهيك عن خصوم
الحكومة التقليديين من حزب «الشعب الجمهوري» الممثل للعقيدة الأتاتوركية،
والحزب «القومي» الممثل للنزعة القومية الطورانية.
مع تزايد الضغوط
الكبيرة على تركيا خلال الشهور الماضية ارتفعت إشارات، بينها مقالة في
«فورين أفيرز» الأمريكية، تتوقع حدوث انقلاب عسكري، بل وترحب به، كما انتبه
بعض الكتاب الأتراك والعرب لهذه الاشارات وحذروا من سيناريو انقلاب مقبل
تشارك فيه جماعة فتح الله غولن التي تصفها أدبيات الحكومة التركية بـ
«الكيان الموازي» مع جهات معارضة أخرى، وهو يشابه، بحسب المعلومات الواردة،
ما حصل ليل الجمعة وصباح السبت الماضيين.
وإذا كان من الصعب الربط بين
التحليلات، وحتى الترحيب المباشر، الصادر في مجلات سياسية أمريكية من وزن
«فورين أفيرز»، وبين رغبات، أو أفعال، الإدارة الأمريكية، وخصوصاً أن حكومة
أوباما تشارف على الرحيل، فإن الرابط غير معدوم، وخصوصاً على مستوى
«الدولة العميقة»، وهو ما يشابه مصطلح «الكيان الموازي» التركي، والتي
تتجاوز السلطات التقليدية وتحاول العمل كحكومة خفية.
الرابط الآخر
والذي لا يحتاج إلى إثبات هو الضغوط الهائلة التي مارستها الولايات المتحدة
الأمريكية لتطويع الحكومة التركية لتنفيذ أجندتها وهو ما أنتج توترا شديدا
بين الطرفين، الأمر الذي انعكس في علاقات متوترة أيضا بين مؤسستي الحكم
والجيش التركيتين، وهو ما اعتبرته اطراف في الجيش التركي كغطاء أمريكي
محتمل لأي تحرك ضد السلطات، كما أنه كان أحد عوامل الضبط التي استخدمتها
واشنطن لمنع خطط الحكومة في الشأن السوري.
يجب القول، أخيرا، أن عددا
من الممارسات التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، في محاولته لجعل
القرار متماثلا بين الحكومة والجيش، تمت قراءته تركياً وعالميا على أنه
تثبيت لسلطة الإسلاميين في تركيا على بقية التيارات السياسية الأخرى.
كما أن التعديلات الدستورية الجاري العمل عليها لنقل تركيا إلى نظام رئاسي
أعطت اردوغان سمة الراغب في تطويع مؤسسات الدولة جميعها لخدمته وتحقيق
أهدافه، وهو ما شخصن الحملة ضد اردوغان وأعطى خصومه المحليين والخارجيين
سهاما اضافية للنيل منه.
ان الدرس المهم الذي يمكن الاستفادة منه بشأن
الانقلاب هو أن الشعب والنخبة التركيين حسما قرارهما في حماية النظام
السياسي الديمقراطي وأن لا رجعة للانقلابات العسكرية، لكنه، من ناحية أخرى،
يجب أن يكون رسالة تنبيه كبيرة جدا لحكومة «العدالة والتنمية» واردوغان
شخصيا أن التفويض يتعلق بالنظام الديمقراطي نفسه وليس بشخص بعينه، فالأشخاص
يمضون والأنظمة تبقى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق