سجن "أبوغريب".. هدية الديمقراطية الغربية للعراقيين
لوحة تشكيلية بسجن أبو غريب
كتب: مجدي سلامةــ الوفد
إذا
لم نتعلم من فاجعة غزو العراق، فسنكون قد اخترنا بكامل إرادتنا أن نواصل
العيش بمنطق الأسماك.. بلا ذاكرة.. بلا رؤية.. بلا مستقبل، ونظل دوماً
صيداً سهلاً لكل هواة الصيد.
صحيح
أن «التاريخ لا يقرأ للتسلية» ولكننا حتى الآن لم نقدم دليلاً واحداً على
أننا نقرأ التاريخ، حتى ولو كان هذا التاريخ عشناه بأنفسنا وكنا جزءاً منه،
ودليل ذلك أننا نسقط فى ذات الأخطاء التى سقطنا فيها من قبل عدة مرات،
وسقط فيها أيضاً من سبقونا، وأيضاً تصطادنا نفس الشباك التى صادتهم،
ونتعاون بكل ود مع قتله ومجرمين سفكوا دماء الملايين من أشقائنا، ونهبوا
ثروات لا تقدر بثمن، وخربوا بلاد من بنى جلدتنا، ونهبوا منها ثروات لا تقدر
بثمن، وحولوا حياة أهلها من بعد أمن خوفاً ومن بعد رغد فقراً.
ورغم
مرور 13 عاماً على غزو العراق مازال الدرس الأكبر للغزو غائبا عن أذهان
الكثيرين، هذا الدرس له علاقة بحجم الأكاذيب التى بدأت بها أمريكا الغزو،
والوعود التى قطعها الرئيس الأمريكى آنذاك بوش الثانى قبيل ساعات من الغزو،
ثم ما خلفته هذه الوعود والعهود فى الواقع، فلقد وعد بوش الصغير - كما كان
يطلق عليه الرئيس العراقى الراحل صدام حسين - العراقيين بالحرية والحياة
الرغدة.. ووعدهم بالطعام والدواء والرفاهية، ولكن ما حدث كان العكس تماماً.
وقبل
غزو أمريكا للعراق فى عام 2003 حاولت الإدارة الأمريكية أن تستصدر قراراً
من مجلس الأمن يبيح لها التدخل العسكرى فى العراق بدعوى أن صدام حسين صار
خطرا على العالم، لامتلاكه أسلحة دمار شامل يهدد بها شعبه وجيرانه، ورغم
مساندة بريطانيا واستراليا للمساعى الأمريكية، لم تحصل واشنطن من مجلس
الأمن على ما تريده، واكتفى مجلس الأمن بإصدار قراره رقم 1441 والذى يقضى
بعودة لجان التفتيش على الأسلحة فى العراق، وقال مجلس الأمن فى قراره، إنه
إذا لم توافق العراق على عودة لجان التفتيش ستتحمل عواقب وخيمة.
ووقتها
وافق العراق على عودة المفتشين الدوليين، وبالفعل بدأت اللجان تمارس عملها
فى طول العراق وعرضها، وبعد أسابيع طويلة من التفتيش أصدر المفتشون
تقريرهم النهائى بإعلان هانز بليكس كبير المفتشين بأنهم لم يعثروا على
أسلحة دمار شامل فى العراق، وأنهم فقط وجدوا صواريخ مداها 150 كيلومتراً،
وهو ما يفوق المدى المسموح به للصواريخ العراقية طبقا لقرار مجلس الأمن رقم
687 لسنة 1991، وبدورها أعلن العراق موافقتها على تدمير كل هذه الصواريخ،
فيما قال الدكتور محمد البرادعى، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأحد
كبار المفتشين، أنهم وإن كانوا لم يعثروا على أسلحة دمار شامل فى العراق،
فإنهم ما زالوا بحاجة إلى وقت أطول للقيام بالمزيد من عمليات التفتيش.
ولم
يكن لدى العراق أى مانع من مساعدة فريق التفتيش، ولكن بوش الابن ومعه
تابعه رئيس الوزراء البريطانى - وقتها - تونى بلير، لم يطيقا صبراً، ودون
سابق إنذار قال بوش الابن «على صدام حسين وابنيه أن يغادرا العراق خلال 48
ساعة، وعدم امتثالهم لهذا سوف يؤدى إلى تدخل عسكرى، ونحن من سيحدد وقته».
وطبعاً
لم يغادر صدام العراق، وبعد 90 دقيقة من انقضاء المدة، وتحديدا فى الثانية
والنصف من فجر يوم 20 مارس 2003 سمع دوى انفجارات ضخمة فى قلب بغداد..
وبدأت الطائرات الأمريكية عدوانها على العراق.
وبعد
45 دقيقة من بدء العدوان وقف جورج دبليو بوش ليوجه خطاباً إلى الأمريكان
والعراقيين على السواء.. وقف وعلى وجهه تكشيرة مصطنعة، وكان يتحدث ببطء
ويضغط على كل حرف ينطقه، وقال «أيها المواطنون.. القوات الأمريكية تقوم
الآن بعملية عسكرية لنزع أسلحة العراق وتحرير شعبه وحماية العالم من خطر
حقيقى».
وواصل
«يا شعب العراق حملتنا العسكرية موجهة ضد الرجل الذى يحكم بلادكم، وليست
موجهة ضدكم.. سنوفر الطعام والدواء الذى تحتاجونه، وسننزع الإرهاب
وسنساعدكم على بناء عراق حر جديد.. وفى العراق الجديد لن يكون هناك حروب ضد
جيرانه، ولن يكون هناك مزيد من مصانع السموم ولا مزيد من الإعدامات
العشوائية ولا التعذيب.. التعب سيزول قريبا.. ويوم التحرير سيكون قريباً».
قال
بوش الابن هذا الكلام قبل 13 عاماً ويومها نشرته كل الصحف العالمية على
صدر صفحاتها الأولى، وأذاعتها كل الإعلام فى مقدمة ما تبثه من أخبار، وزاد
عليه البعض بأن العراق على أبواب الجنة، وقالت صحيفة «الأهرام» المصرية
بالحرف الواحد «يخطئ من يتصور أن قوات التحالف دخلت العراق لتبقى، فالحقيقة
أن هذه القوات ستحرر العراق سريعاً، وكل جزء ستحرره ستحوله إلى جنة وبسرعة
ستغادر الأراضى العراقية ليبدأ العراقيون عهداً جديداً من الرخاء».
ولم
يحدث شيء مما وعد به بوش، فلا طعام ولا دواء، ولا أمن ولا رخاء، ولم يحدث
ما تنبأت به «الأهرام» المصرية، وبقيت أمريكا وبريطانيا فى العراق حتى
نهاية 2011، ولم تخلف هناك سوى عمليات قتل حصدت أرواح أكثر من مليون عراقى،
وأصابت أضعافهم، وهدمت آلاف المنازل وحرقت وسرقت ملايين البراميل من بترول
العراق، واقتلعت أكثر من مليون نخلة، وخربت زراعات ملايين الأفدنة.
والأخطر
من ذلك كله ما حدث فى سجن أبوغريب، حيث جرت عمليات تعذيب مروعة، هذه
العمليات بحسب منظمات حقوقية أمريكية كانت تبدأ من الصفع على الوجه والضرب
وتنتهى بالاعتداء الجنسى واللواط وترك السجناء والسجينات عرايا لعدة أيام
وإجبار المعتقلين العرايا الرجال على ارتداء ملابس داخلية نسائية والضغط
على السجناء لإجبارهم على ممارسة العادة السرية وممارسة أفعال جنسية شاذة
وتصويرها بالفيديو.
وشهد
السجن مئات عمليات اغتصاب منظمة للنساء وهتك لأعراض الرجال، واستخدام
الكهرباء والكلاب وكافة الوسائل خلال التعذيب، فضلاً عن منع المعتقلين من
النوم لأيام طويلة فى محاولة لإجراء عمليات غسيل مخ لهم.
أجبر
جنود بوش السجناء العرايا على التكدس فوق بعضهم ثم القفز فوقهم أو وضع
سجين فوق صندوق وتوصيل أجزاء من جسده بالكهرباء، كما قاموا بوضع سلسلة جر
للكلاب حول أعناق السجناء وسحبهم من قبل أحد المجندات وتصوير الموقف
واستخدام الكلاب البوليسية المدربة لإثارة الذعر والهجوم على السجناء.
وشملت
عمليات التعذيب أيضاً كسر أنابيب الإضاءة الكيميائية وحسب محتوياتها من
الفوسفور على الأجساد العارية للسجناء وتهديدهم بالأسلحة وصب الماء البارد
على أجسادهم العارية وضربهم بالعصى والكراسى.
هذا
ما فعله «بلير» و«بوش» وجنوده فى بغداد، والذى لا يعرفه الكثيرون أن عشرات
القيادات الداعشيين كانوا من بين سجناء أبوغريب، وكان فى مقدمتهم قائد
تنظيم داعش أبو بكر البغدادى نفسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق