الجمعة، 13 نوفمبر 2015

احتفالية الليبيين اليهود فى روما



احتفالية الليبيين اليهود فى روما 



  ماجد السويحلى
 
13/11/2015

فى يوم الثلاثاء العاشر من نوفمبر هذا العام 2015 احتفل الليبيون اليهود المقيمون فى ايطاليا بالذكرى السبعين لحادثة الاعتداء العنصري على الجالية اليهودية فى طرابلس وباقي المدن الليبية واسفرت عن مقتل ثلاثة وثلاثين ومئة يهودي ومئات الجرحى وما تبع ذلك من اقتحام للبيوت وسرقة المحلات والاعتداءات الجنسية على اناس عزل مضطهدين.


القصة بدأت فجأة، فى صباح يوم الجمعة الرابع من نوفمبر 1949 التاسعة والنصف صباحا يوم العطلة الاسبوعية كان مباني الادارة خاليا من الموظفين وصمت مريب يخيم على الشوارع انطلقت الصرخات فجأة اليهود.. اليهود واندفع مئات الاشخاص فى طوابير متراصة  نحو الحي اليهودي فى المدينة القديمة ثم انتشر الشغب الى كل المدن والبلدات الليبية واستمرت عدة أيام  ودمروا فى طرابلس 24 معبد يهودي وثلاث مقابر وفى بنغازي ثلاثة معابد ومقبرة ونهبوا المحلات واقتحموا البيوت واغتصبوا النساء، وحطموا المدرسة اليهودية وتدخلت السلطة البريطانية بعد عدة أيام فقبضت على 700  شخص من المعتدين الليبيين المسلمين.


واتخذت الادارة البريطانية موقفا متراخيا قامت بأطلاق سراح المعتقلين ورحلت اليهود العاملين معها إلى مناطق بعيدة، وتعلم اليهود الدرس وبدأوا فى تنظيم دورات تدريبية على الدفاع عن النفس واستخدام السلاح لذا فشلت الهجمات التالية  التي حاول الرعاع تكرارها.


وفى سنة 1949 قامت دولة اسرائيل ورحل المجتمع اليهودي نحو حياة جديدة خالية من الخوف والحقد والكراهية كان عددهم فى طرابلس وحدها حوالي 50000 غادروا باستثناء قلة قليلة فضلت البقاء ثم اجبرت على الرحيل بعد حرب الايام الستة 1967  حين تكررت نفس مشاعر الحقد  والثورة وقام ضابط واحد بقتل اثنين وعشرين فردا من عائلة يهودية وافلت من العقاب فالمسلم لا يقتل بالكافر. وبداية من انقلاب القذافي اغلقت فرص التعايش مع الاخر واصبحت ليبيا حكرا على الليين واصبح الحقد والكراهية عنوان الحياة فيها.


وتاريخ اليهود فى ليبيا هو تاريخ القهر وسوء  المعاملة, وفى العصر التركي والقره ما نلي كانوا أكثر فئات المجتمع تعرضا للظلم والتعسف والفقر وفرضت عليهم الضرائب الباهظة، وارغموا على ممارسة احقر الاعمال من اجل البقاء يواجهون اقسى العقوبات بعضهم يصلب بالمسامير على باب الكنيس ويطلى وجهه بالعسل ليجلب الذباب ويفقس البيض فينتج الديدان الصغيرة التي تعيش على خلايا الوجه وتأكل انسجته ويموت بأبشع سبل العذاب ولأتفه الاسباب، واندحرت دولة الترك وجاءت ايطاليا فتعرضوا لظلم افدح خاصة فى عهد موسي ليني. جمعوهم فى مناطق معزولة ووضعوهم فى هناجر بالقرب من سفح الجبل فى  نالوت تفصل بين العائلة والعائلة سياج من الحصير القديم، وعاشوا اسوء حياة وانتشرت بينهم المجاعة والمرض والالتهابات الجلدية.


والليبيون اليهود عنصر أصيل فى تكوين المجتمع الليبي شأنهم شأن المسيحيين فى مصر وفلسطين والشام والعراق لكنهم لم يكونوا معتدين أو عدوانيين، ولا يعرف فى تاريخهم أنهم مارسوا العدوان أو الجريمة أو كانوا فى يوم ما مصدر خطر على غيرهم من السكان أو ساعدوا المستعمر أو خانوا الوطن.


لكن الليبيين المسلمين المؤمنين نافقوا المستعمر عملوا جنودا فى جيشه وقاتلوا تحت رايته وقدم فقهياهم للدوتشي اسيف واعلنوه خليفة المسلمين لم يشارك اليهود فى ذلك، لم يتطوعوا للقتال ولا انضموا لشباب الفاشي ست ولم يعرف عنهم النفاق وتملق الحاكم، وعندما عرض عليهم الخليفة العثماني أن يمنحهم الجبل الاخضر ليقيموا دولتهم فيه، رفضوا واختاروا فلسطين أي أنك لن تجد فى تاريخ اليهود فى ليبيا ما تحاسبهم عليه ولن تجد سببا يبرر لك أن تكرههم أو تضمر الحقد لهم، فليس فيهم المجرم ولا السارق وليس فيهم شرطي ظالم ولا موظف مرتش أو نصاب يأكل حقوق الناس، والاغنياء بينهم قلة قليلة اما الغالبية العظمى فعاشت فئه مهمشة فقيرة مظلومة لم تجد من يدافع عنها ولم يكن بين أي من المهاجمين وأي يهودي فى الحارة حقد شخصي أو كره متبادل أو ثأر قديم  بل فى معظم الاحوال يعيشون معا فى سلام ويتبادلون المصالح ويتعاونون فى شئون الحياة  يتبادلون التعازي والتهاني والزيارات الأسرية، وقامت بين الليبيين واليهوديات حالات زواج عديدة لم ينكرها المجتمع.


لماذا تكون نفسية الليبيين متقلبة كتقلب كثبان الرمال، تراهم عقلاء مفكرين ثم ينقلبون فجأة بتأثير شيخ أو فقيه أو مرابط إلى وحوش بشرية فقدت السيطرة على عقلها وكما ترونه الان. فلماذا ينفجر هذا الحقد الدفين وأين كان كامنا؟


ولماذا تصرفوا من اقصى الحدود إلى اقصى الحدود فى نفس التوقيت بنفس الطريقة ونفس اسلوب التفكير الذى يكره الاخر ويكن له الحقد؟ السبب فيما أظن هو مفهوم الغنيمة، هو أن ما يملكه الاخر هو حق لي لان الاخر يعمل ويكد ويحصل على النتيجة وأنا متعب كسول لا أعمل وعندما يتعاظم الفارق بيني وبينه ابدأ بكرهه لأنه يذكرني بفشلي واحقد عليه لأنه جاري الذى يتميز على فى كل شئ  وأنا أحتاج إلى ما عنده لكني لا استطيع الحصول عليه بمجهودي أو بمالي، لذا سأنزعه منه بالقوة والقهر ما دام لا يستطيع الدفاع عنه نفسه ولا يوجد من يحميه ولا يوجد من يحاسبني على ما أفعل، ولكي اتخلص من محاسبة الضمير وأجد المبرر،  فلا بأس من أن  ترتدي هذه المشاعر الشريرة عباءة الدين فيصبح الخطف والنهب وقتل الاخر جهادا في سبيل الله مع أن هدفه الحقيقي هو ما سوف احصل عليه، هو الغنيمة هي متع الدنيا التي يملكه هذا الاخر.


والاخر الان يستطيع أن يحمي نفسه ويفتش فى دفاتره باحثا عن ديونه القديمة فقد حانت لحظة المطالبة والتجمع الذى اقاموه فى روما دليل على أنهم لا ينسون ولا يتسامحون مع من ظلمهم وأن لحظة الحساب ربما لن تتأخر إن لم تكن بدأت فعلا.


ماجد السويحلي
Magedswehli@gmail.com

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق