الثلاثاء، 10 مارس 2015

مصر و«تخوين» مزدوجي الجنسية


مصر و«تخوين» مزدوجي الجنسية

رأي القدس




على الرغم من الحكم التاريخي الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا في مصر السبت الماضي ببطلان مادة في قانون مجلس النواب تحرم المواطنين مزدوجي الجنسية من الترشح في الانتخابات البرلمانية، لم تتورع الأبواق الإعلامية «الفلولية» منذئذ عن شن حملة «تخوين» ضد ملايين المصريين الذين إما يحملون جنسية ثانية أو في طريقهم إلى ذلك (لا توجد إحصائيات دقيقة). وشملت الحملة في الفضائيات استنكارا للحكم بل وإهانة لأعلى محكمة في مصر. وبالطبع فإن النظام، ومعه النائب العام، قرر أن يتغاضى عن هذا الانتهاك الفاضح للقوانين التي تحظر التعليق على الأحكام القضائية أو توجيه أي إهانة للقضاء.

وللمفارقة أن تأتي هذه الحملة الهستيرية قبل أيام قليلة من المؤتمر الاقتصادي المقرر عقده في شرم الشيخ لجذب الاستثمارات.

 وبدلا من تشجيع أكثر من اثني عشر مليون مصري مقيمين في الخارج على المشاركة السياسية الكاملة، كما أراد المشرع الدستوري، إذا بهم يسمعون اتهامات بـ «نقص الولاء وازدواجيته ما لا يمكن معه الثقة فيهم لنيل عضوية البرلمان». بل وانبرى أحد أبواق فيما يمكن تسميته بـ «إعلام الدبة» تطبيقا لمثل يتحدث باللهجة المصرية عن (الدبة اللي قتلت صاحبها)، مطالبا بإجبار المصريين على الاختيار بين الحفاظ على جنسيتهم الأصلية (نقية) أو تسحب منهم في حال رفضوا التنازل عن الجنسية الثانية (..).

 وبالطبع فقد شعر ملايين المصريين في الخارج بالصدمة والذهول، وهم يتابعون إحدى الفضائيات وقد تحولت إلى «محكمة تفتيش» تشق عن قلوب المواطنين لتعرف أين يقيم ولاؤهم؟

وبعد أن كان بعض هؤلاء المصريين من بين من أيدوا مظاهرات الثلاثين من يونيو/حزيران، وصوتوا لمصلحة الرئيس عبد الفتاح السيسي في الانتخابات، إذا بهم يتلقون منه هذه «المكافأة». وتشكل تحويلات المصريين في الخارج مصدرا أساسيا للدخل القومي المصري، وعلى الرغم من تدهور الأوضاع الأمنية خلال السنوات الأربع الماضية، فقد ضاعفوا تحويلاتهم تقريبا لتصل إلى اثنين وعشرين مليار دولار سنويا.
وينبغي التوقف هنا عند نقاط محددة لمعالجة هذه المأساة ـ الملهاة كما رأها كثيرون:

أولا: إن «إعلام الدبة» وجه الرسالة الخطأ في توقيت حرج. إذ أن البلد الذي لا يحترم نصا دستوريا، لا يتوقع منه الالتزام بقانون الاستثمار الذي تم «تفصيله» بعناية لجذب المستثمرين.
وهكذا تدمر هذه الأبواق المقيتة في ساعات قليلة جهدا مشهودا بذلته الدولة لشهور من أجل إنجاح المؤتمر. ناهيك عن أن الدستور الذي هاجمه «إعلام الدبة» بسبب مزدوجي الجنسية هو الدستور نفسه الذي كان يروج له ويتغنى به، بل ويكاد يدفع الناس دفعا للتصويت عليه العام الماضي.

ثانيا: لقد سمح المشرع للمواطن المصري منذ عشرا ت السنين بحمل جنسية ثانية، ثقة منه في انتمائه الغريزي إلى بلده مهما طالت سنوات إقامته في الخارج، وإدراكا بأن حملها يكون أمرا اضطراريا في كثير من الأحيان من أجل الاستقرار والحصول على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وخاصة للأبناء. وليس من الإنصاف أن الدولة التي سمحت للمواطن بجنسية ثانية قانونيا أن تعود فتقرر معاقبته عليها بحرمانه من بعض أهم الحقوق السياسية. 

ثالثا: قام رئيس الجمهورية بتعيين مصريين من مزدوجي الجنسية ضمن مجلس استشاري رئاسي، وبينهم السير مجدي يعقوب (بريطاني)، والمهندس هاني عازر (الماني) والدكتور احمد زويل (أمريكي)، وهي أسماء يعرف لها العالم قدرها، كما أن القانون لا يمنع مزدوجي الجنسية من تولي جميع المناصب التنفيذية ماعدا رئاسة الجمهورية.

فهل نسمح لهم بالتأثير المباشر على قرارات رئيس الدولة، وإدارة دفة الحكم في المحافظات والوزارات، ثم لا نثق في «ولائهم» عندما يتعلق الأمر بالمشاركة في مناقشة مشروع قانون؟ 

رابعا- إن كثيرا من المصريين في الخارج سيحملون الرئيس السيسي شخصيا مسؤولية هذا الهجوم الموتور ضدهم، وهم الذين طالما ضرب المثال بوطنيتهم ودورهم في إنقاذ الاقتصاد من الانهيار، وبينهم حتما من هو أكثر ولاء وانتماء لبلده من تلك الأبواق الإعلامية وهي نفسها التي طالما سبحت بحمد المخلوع مبارك وزينت له التدمير الممنهج لمقدرات البلاد طوال ثلاثين عاما.

وبدلا من أن يعالجوا معاناة المواطنين من التدهور الأمني، والأزمة الاقتصادية، والانسداد السياسي، وكوارث الطرق التي أودت بحياة أطفال أبرياء تحت عجلات قطار العشوائية والإهمال والفساد، إذا بهم ينشرون روح الفرقة والحقد والتمييز بين المواطنين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق