الجمعة، 6 مارس 2015

و للحوار ثقافات



و للحوار ثقافات





  د. فرج أحمد قرمان



6/3/2015

 
بداء يوم أمس، الخميس 5/3/2015 في المغرب، الحوار بين الفرقاء الليبيين برعاية برناردينو ليون المبعوث الأممي لدى ليبيا مع دعاء الليبيين النازحين والمهجرين والجرحى وأسر الشهداء والمفقودين والمخطوفين والأسرى، بأن يتكلل هذا الحوار بالنجاح فالكلُّ ملّوا الحرب وملوّا إنعدام الأمن في البلاد وبين العباد.

يأتي السيد برناردينو ليون إلى مقر الحوار بدماغ خصص حيزاً كبيراً منه لمواضيع الحوار، حيث يحتوي هذا الحيز من دماغه على صناديق صغيرة في كل منها قضية من قضايا الحوار مثل؛ تشكيل حكومة تولفق وطني، شرعية المجالس التشريعية، شرعية الكيانات المسلحة و قضيايا الأرهاب و النازخين واللاجئين.. الخ.

ويأتي طرفا الصراع في ليبيا إلى مقر الحوار بأدمغة يحتوي كل منها حيزاً كبيراً خصص بكامله للحوار ولكنّ، دماغ كل واحد منهم يحتوي علي صندوق واحد حُشرت فيه كل قضاء الحوار المذكورة أعلاه. من المتوقع أن يتولى السيد ليون في أول جلسات الحوار، إستخراج صندوق تشكيل حكومة الوفاق الوطني من دماغه بكل حذر حتى لا يحتكّ  بالصناديق الأخرى فيتطاير الشرر الناتج وينفض المجلس، فيضعه على الطاولة ويدعوا الطرفين للإدلاء بدلوهما.

في المقابل، يتولى كل من الطرفين الليبيين إستخراج وفتح صندوقه الممتلئ بكل القضاء (كما يقول المثل، ينكُث الشكارة) فيتطاير الشرر الناتج عن تفاعل القضايا مع بعضها البعض، وتمتلئ القاعة بالدخان فلا يرى أحد منهم الآخر. يحاول السيد ليون وطاقمه السيطرة على الوضع دون جدوى، فيقرر تأجيل الحوار لأجل غير مسمى.

الثقافة التي أتى بها ليون إلى مقر الحوار والتي لم نستوعبها وربما لن نستوعبها نحن الليبيون في المستقبل المنظور وهي ثقافة تجزئة القضية الواحدة إلى قضايا صغيرة وعزلها عن بعضها لتسهُل مُقارعة كل منها على حدة، ولعل سياسة فرّق تسُد الإستعمارية، هي أحد مشتقات هذه الثقافة، فكما يمكن التفريق بين مكونات الأمة الواجدة للنيل منها، يمكن التفريق بين مكونات القضية الواحدة لحلها.

لا أعتقد أن السيد ليون يستطيع أن يقنع كل الليبيين بجدوى ثقافته تلك، ولكنه يستطيع أن يقنع المتحاورين بأن يأتوا إلى مقر الحوار في المرة القادمة، بأدمغة تحتوي صناديق بعدد قضايا الحوار وأن يحافظوا على عدم إختلاط محتوياتها بأي شكل من الأشكال.  عندها فقط يمكن للمتحاورين بمعيّة الراعي ليون مناقشة كل قضية بمعزل عن الأخريات والوصول إلى توافق بشانها.

يبقى فقط، أمر ترتيب أولويات إجندة الحوار، فمثلاً؛ هل يجب أن يسبق التوافق على تشكيل الحكومة، التوافق على حل لُغز المجلس التشريعي أو حل المسألة الأمنية؟

 

حفظ الله ليبيا
د. فرج أحمد قرمان (أرشيف الكاتب)
fargarmn@yahoo.com 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق