العيش بدون مستقبل
تسببت الحرب في سوريا في دمار يفوق
مجرد الخسائر البشرية والمادية
الكاتب / اليهودى تسفي بارئيل
الفيلم «اسمي نجوم وعمري عشر سنوات ومطلقة» للمخرجة اليمنية خديجة السلامي، يروي قصة نجود علي المعروفة، التي أجبرها والديها على الزواج من شاب عمره ثلاثون عاما. ابوها الذي غير اسمها ليصبح نجوم بسبب حبها لعد النجوم والكواكب في السماء، قال انه قرر تزويجها خوفا من أن يكون مصيرها مثل مصير أختها، التي اغتصبت من قبل احد أبناء وجهاء القبيلة.
هذه القضية، التي انتشرت بانحاء العالم، خلقت تضامنا مع الطفلة الصغيرة التي قررت وعلى العكس من العادات الاجتماعية السائدة ان تتوجه إلى المحكمة لتأمر بطلاقها، ونشرت قصتها في كتاب حاز على اكثر المبيعات وعاد ريعه لنجود من أجل ان تعيش حياة مستقلة وتحقق حلمها بان تكون محامية. لكن النهاية لم تكن سعيدة، حيث اخذ ابوها ريع الكتاب واشترى فيه إمرأتين جديدتين، واختها الاصغر بيعت لشخص كبير في السن، وزوجها السابق يدفع لها حوالي 30 دولارا شهريا كنفقة.
ان زواج الاطفال ليس ظاهرة استثنائية في الشرق الاوسط، في معظم الحالات تأتي البنات الصغيرات من عائلات فقيرة، حيث يحتاج الاهل إلى المهر من أجل القدرة على العيش. لكن في الثلاث سنوات الاخيرة تحول هذا الزواج إلى صراع بقاء للاجئين الذين هربوا من الموت في سوريا وذهبوا إلى الدول المجاورة. وايضا الاف العائلات التي بقيت في سوريا مضطرة إلى اتخاذ هكذا خطوة، خوفا من الاغتصاب والتعذيب في الدولة التي غاب عنها النظام والقانون واصبح من الماضي.
«لم يكن امامي خيار، دافعت عنها وعن أنفسنا» يقول أبو مها التي تبلغ من العمر 16عام في مقابلة لموقع «داي برس» الالكتروني، زوجها في سنوات الخمسين من العمر، أرمل ولديه ثلاثة أولاد.
«الخوف من الاغتصاب او من تحويل البنت إلى عاهرة يدفع الكثير من الاباء إلى هذه الخطوة، وكذلك الضائقة الاقتصادية ايضا التي تحول عائلات اللاجئين إلى فاقدين لكل شيء. وهي سبب رئيس في دولة يعيش اكثر من 80 في المئة من سكانها تحت خط الفقر. حسب المعطيات التي نشرتها منظمات حقوق المواطن في سوريا. كل يوم يعقد قران حوالي مئة طفلة لازواج كبار في السن، معظمهم بشكل غير رسمي وبدون هويات شخصية تضمن على الاقل حقوقهن. القانون السوري يسمح للبنات بالزواج من سن 17 عام (لدى الرجال السن الادنى هو 18) ومن أجل تجاوز القانون يقوم الاباء بارشاد البنات القاصرات كيف يجبن على المأذون اذا تقرر التوجه اليه وعدم الاكتفاء بالزواج حسب العادات والتقاليد.
تقول الطفلة امام القاضي ان ابويها قد ماتوا، او أنها اكبر سنا واضاعت اوراقها الثبوتية، نشطاء في المنظمات الاجتماعية يقولون ان معظم هؤلاء القاصرات يتعرضن لصدمات نفسية صعبة، ولا تتواصلن مع محيطهن وتشعرن بالخوف عند لمسهن او اقترابهن من أي شخص، بعضهن يقدمن على الانتحار، والقليل من المحظوظات يجدن العلاج النفسي لاعادة بعض الامان والطمأنينة اليهن.
التقارير حول الحرب في سوريا تركز عادة على عدد القتلى الكبير، والضرر المادي والتطورات العسكرية، لكن المعاناة التي تسببتها هذه الحرب اكثر بكثير من تلك المعطيات، والبنات القاصرات اللواتي يتزوجن عنوة هن جزء من المشكلة، حيث ان حوالي 40 الف شخص يعاني من وباء تسببه جرثومة أريحا، غياب النظافة وانعدام الدواء حولا المرض إلى وباء، مرضى السرطان غير قادرين على الوصول إلى العيادات من أجل العلاج، وعندما يصلون فان انقطاع الكهرباء يمنع منهم الحصول على العلاج، كل هذا في المدن الكبيرة مثل دمشق وحمص. وفي الضواحي يمكن فقط الحلم بتلقي العلاج المتقدم.
في ظل غياب السلطة المركزية القادرة على تطبيق القانون، تحولت الزعرنة إلى نمط حياة، الاف الشكاوي من السرقات موجودة لدى الشرطة والمحاكم، واعمال القتل على خلفية جنائية اصبحت عملا يوميا. وتقول مصادر الشرطة ان 200 عصابة على الاقل تعمل في الدولة وبضمنها نساء ورجال يقومون بالخطف من أجل الفدية، وكذلك سرقة الممتلكات، وهناك المئات من العصابات التي تعمل بدون أي عائق.
الحرب تدمر ايضا النسيج الاجتماعي العائلي، وكل يوم تسجل مئات حالات الطلاق بسبب الضائقة الاقتصادية والنفسية او بسبب الاهانة والتعذيب، التضامن العائلي ينهار وكما تقول باحثة اجتماعية لصحيفة «الوطن» السورية فان الاخ يقاتل اخيه احيانا.
مكانة الرئيس بشار الاسد ومستقبله هي المسألة التي تثير اهتمام الغرب والدول العربية، بينما المجتمع السوري آخذ بالاندثار، جيل من الايتام، والتقديرات تتحدث عن حوالي 200 الف ممن سيكبرون وليس فقط لن يعرفوا ما هو مستقبلهم وانما ايضا هل سيعيشون يوما آخر. هذا الجيل الذي كان من المفترض ان يصنع مستقبل الدولة والان لا يعرف كيفية تهجئة كلمة مستقبل.
هآرتس 9/6/2015
تسفي بارئيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق