هل فهمنا الغرب وهل فهمناه؟
د. فرج أحمد قرمان
21/6/2015
الحقيقة أن الغرب لم يفهمنا ولم نتمكن نحن من فهمه، وعملية عدم
الفهم المتبادلة (Mutual incomprehension) هذه، هيّ بلا شك، السبب الرئيسي
من وجهة نظري، لما نحن فيه من تشرذُم واختلاف وتناحُر.
قد يقول البعض أن للغرب أجندات في ليبيا يسعى لتحقيقها. نعم للغرب
مصالح في بلادنا يسعى لتحقيقها، ولكنها ليست مصلحة موحّدة فكل دولة أو
مجموعة من الدول لها مصلحتها التي ليست بالضرورة تتوافق مع مصالح الآخرين
بل في كثير من الأحيان تتعارض مع هذه المصالح.
صدمة صدور حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الذي قضى ببطلان
مجلس النواب من أساسه، والتردد في قبول الحُكم أو رفضه إلى الآن، يُعدّ
دليلاً على عدم فهم الغرب لما يجري في ليبيا.
فلقد أدى هذا في حد ذاته إلى
تعميق الشرخ بين الفرقاء الليبيين وإلى الاقتتال فيما بينهم لاعتقاد كل
منهم بأنه على حق وأن الآخر انقلابي يجب مقاتلته.
لا أعتقد أن الغرب مسرورٌ بتفاقم الحرب الأهلية في ليبيا، فليبيا
قريبة من أوروبا ولا يريد الغرب لها أن تكون مصدراً للمهاجرين غير الشرعيين
ولا بؤرةً للجماعات الإرهابية، بل يريدها أن تكون دولةً مستقرةً لتنشط
فيها شركاته النفطية والصناعية وهذا بالطبع، لن يتأتى إلا في ظل الاستقرار
الأمني أولاً وأخيراً.
لهذا السبب يريد الغرب حكومة قوية تحكم هذا البلد
وقد لا يهمهم كثيراً بمسائل الشرعية وما إذا كانت حكومة ديمقراطية أو
شمولية أو حتى عسكرية.
لقد غضّوا النظر عما فعله ولا يزال يفعله حفر في
بنغازي لاعتقادهم أن بإمكانه بسط سيطرته على كامل التراب الليبي في زمن
قصير، وها هم الآن يدفعون باتجاه تشكيل حكومة وفاق وطني ووعدوا بدعمها
سياسياً ومادياً وعسكرياً بغية تمكينها من بسط نفوذها على كامل الوطن
الليبي.
نحن لم نفهم الغرب في مسعاهم هذا، فالكثير منا يُشكك في نوايا
الغرب، والبعض يعتقد أنهم يُريدون دمار ليبيا وتحويلها إلى دولة فاشلة لبسط
وصايتهم عليها وعلى نفطها على وجه الخصوص.
البعض يتناسى أن لكل دولة من
هذه الدول مصلحتها الخاصة والتي على الأرجح لا تتوافق مع مصالح الدول
الأخرى، فمن إذاً، من هذه الدول، تستطيع لوحدها بسط نفوذها على ليبيا؟
في المُقابل، لم يفهمنا الغرب ولا حتى سعى لفهم ما نُريد، ففي
ليبيا شعبٌ وسطي مُتجانس ولكنه شعبٌ طيبٌ وعاطفي وسهل الانقياد، فعقود من
الدكتاتورية جعلت منه شعباً قابلٌ أن يُقاد ولا يقود، ويُؤمر فيُطيع.
والمراحل الإنتقالية التي ممرنا بها زادت من قناعة الليبيين بأن الأمن
والأمان لا تُحققهما الديمقراطية بل يُحققهما حُكم الفرد.. فليكُن عسكرياً
أو حتى داعشياً.
لتغيير هذه القناعات التي توارثتها الأجيال المتعاقبة، ربما نحتاج
لسنوات طويلة. وطالما الغرب لم يفهم ثقافتا هذه، فسيظل السيد برناردينو
ليون يطرح مبادراته الواحدة تلوّ الأخرى إلى أبد الآبدين.
السؤال الذي يطرح نفسه هو، هل يمكن لليبيين أن يتوافقوا على عسكري
أو حتى على أحد من الدواعش، ليقود البلاد إلى الأمن والآمان؟ بالطبع لن
يتوافقوا لا على هذا ولا على ذاك، ولكن قد يتوافقون على عودة الملكية
الدستورية التي أنقلب عليها القذافي سنة 1969.
ولكن، هل ستُوحّد الملكية
الدستورية ليبيا سنة 2015 كما وحَدتها سنة 1951؟ ودائماً يبقى السؤال
الأصعب وهو هل لدى الأسرة السنوسية شخصية قوية قادرة على قيادة البلاد في
هذه المرحلة المفصلية من تاريخها؟
حفظ الله ليبيا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق