الأحد، 7 سبتمبر 2014

يعيشون الحاضر في ثوب الماضي


يعيشون الحاضر

في ثوب الماضي



ثويدر


بقلم: د. إبراهيم قويدر

عقارب ساعة التاريخ لا ترجع أبدًا إلى الوراء، قد تتشابه الأحداث في الزمان الحاضر مع ما وقع في الماضي فنقول: "التاريخ يعيد نفسه، لكن بأشكال مختلفة"، أشكال تختلف حتمًا عن أشكال الماضي من حيث المكان والزمان والكيفية، ولكن الشبه الوحيد قد يكون في المواقف، حتي الأفكار والتوجهات تختلف.

نعم لا يمكن لأحد أن يعيش .. بفكر وعقلية وحضارة من عاشوا منذ ألف وأربعمائة سنة في عصرنا الحالي.. بل إن هذا لا يستطيع الحياة حتي في العصور الوسطى وليس عصرنا الحديث.

مكونات وعوامل الحياة المادية والفكرية تتغير باستمرار وبسرعة، نحن في زمن أصبح فيه العالم قرية واحدة، نحن في زمن تم فيه تصنيع الإنسان الآلي الذي يقوم بإجراء العمليات الجراحية للمرضي عن بعد بواسطة الإنترنت، هل في هذا الزمن الذي يمكن فيه من خلال جهاز الموبايل أن تسير علي رجليك ويدلك على العنوان الذي ترغب في الذهاب إليه؟! وهل في هذا الزمن الذي يمكن فيه أن تصبح في القاهرة وتنام في كندا أو فيتنام؟!.. هل في هذا الزمن الذي يعد العدة بعد سنوات قادمة قليلة رحلات سياحية للقمر او  للمريخ؟!.

وهل يقبل أن يظهر علينا بشر يلبسون قمصان قصيرة ويكشفون عن سيقانهم ويلبسون فوق رءوسهم عمائم كانت تستعمل منذ أكثر من الف عام، ويريدون أن يفهموننا الحضارة وأنهم وحدهم من سيقود هذا العالم المتحضر في ثوب الماضي؟!

إن هؤلاء في الواقع عندهم خلط عظيم، وهذا الخلط سيؤدي بهم قبل غيرهم إلى التهلكة، لأنه حاصل في عقولهم بين الشكل والمضمون، وحتي المضمون فهموه من وجهة نظر واحدة فقط وتعصبوا لها، وبالتالي تعصبوا للشكل فأصبحوا يشكلون خطرًاعلي أنفسهم وعلى الأمة العربية والإسلامية، بل علي العالم بأسره.

ولكي أقرب المسألة كنت أيام ثورة فبراير في مطار جنيف متجها الي القاهرة وفي صالة الصعود للطائرة عند البوابة دخل اثنين من الاخوة المصريين يلبسون القمصان البيضاء القصيرة وبأرجلهم ( السباط القديم ) وعماماتهم وأذقنهم متروكة بدون تهذيب، وكان منظرهم مثيرًا لانتباه الجميع، وجلسوا بالقرب مني ولم يلقوا السلام، فتعمدت أن أحييهم رغم أن واجب التحية عليهم؛ لكن بعد أن شاهدوا علم ليبيا على صدري قالا لي: الأخ من ليبيا؟

 قلت: نعم.

قالا: ربنا ينصركم.

وبعد حين قلت لهم: هل يزعجكم لو قلت لكم شيئًا قد يكون تطفلاً مني.

قالا: لا يا أخ العرب، تفضل.

قلت لهم: ألم تلاحظوا أن شكل لباسكم ملفت للانتباه، خاصة أن تذاكركم درجة رجال أعمال، يعني أحوالكم المالية ميسورة، فلماذا هذا الشكل من اللباس وعدم الظهور بالمظهر المقبول أمام الآخرين؟!

قال أحدهم: ويحك يا هذا، إن هذا لباس عصر النبوة.

وهنا قلت له: ممتاز، وهل تعتقد أن عصر النبوة لو كان هو عصرنا الحالي، فهل كان النبي صلي الله عليه وسلم سيلبس هذا اللباس، يا أخي إذا كنت مرتبطا بالعصر القديم فلا يمكنك أن تعيش به الآن، هذه واحدة، والثانية إذا كنت تعيش عصر النبوة في الحاضر، فلماذا أرى في يدك "الموبايل" الذي صنعه الكفار، وتأتي هنا لمطار جنيف لتركب الطائرة؟ لماذا لا تسافر للقاهرة بالجمل كما كانوا يفعلون في عصر النبوة؟!

فنظرا إليَّ نظرة فيها غضب شديد، وانتهى الحديث بيننا.

إن القضية في الواقع، هي أن الدين الإسلامي بالذات دين حياة، دين سلوكيات، دين عبادة مسئول عليها العبد أمام المعبود الأوحد رب العالمين، دين علمنا في آيات محكمات أصول التعامل بيننا وبين بعضنا البعض، وكيفية عبادتنا للمولي عز وجل، بل أوضح لنا ما يجب علينا تجنبه وما يجب علينا فعله، فالدين زرع فينا حب بعضنا البعض وحبنا للناس أجمعين، ولو كانوا غير مؤمنين برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، دين علمنا كيف نحيا ونتعامل مع الآخرين، دين حرم علينا الظلم والطغيان والقتل، هذا القرآن جسده نبينا ومعلمنا محمد صلي الله عليه وسلم في سيرته العملية وأحاديثه النبوية المؤكدة، فبسّط لنا الأمور وأنار لنا الطريق؛ ليكون لنا منهجًا بديعًا في حياتنا مبنيًّا على أساس الإيمان والإحسان للغير.

نعم، هذا هو الدين الاسلامي العظيم الذي لم ينهنا أبدًا عن مجاراة العصر في كل الأشكال الحديثة، وأن نعيش عصرنا بروح الإسلام وبأخلاق الإسلام.

وانتقل بكم إلي شيء آخر، وهي حركة الإخوان المسلمين التي قاربت الآن على التسعين عاما، تصوروا لو أن هذه الحركة أو الجماعة سخرت كل جهودها في بعث جيل يحمل أخلاق الإسلام في كافة مناحي الحياة، ملتزم بأركان الإسلام قولاً وعملاً، وبعباداته فعلاً، حسبما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المؤكدة، لكانت النتيجة الآن أن لدينا مجتمعا مسلما يتحلى بأخلاق عصر النبوة، وبالتالي سيكون لدينا السياسي المسلم الحق، والضابط المسلم الحق، والموظف المسلم الحق، ولكنهم- للأسف- فضلوا السعي وراء بريق السلطة، وهذا في الواقع هو هدفهم الذي يسعون إليه، فخسروا دينهم ودنياهم.

إن الحقيقة الغائبة عن كثيرين أن المخابرات الإنجليزية والأمريكية، منذ جمال الدين الافغاني ومحمد عبده، استحدثوا الإسلام السياسي لمناهضة المد القومي العربي في تلك الحقبة الزمنية، ومن هنا ظهر مصطلح الإسلام السياسي.

نحن الآن نقولها بكل وضوح: نريد المجتمع المسلم، نحن نريد سياسيين مسلمين يحكمون البلاد بخلق الإسلام وبالوسائل والأدوات الحضارية العالمية التي تتماشى مع عصرنا الحالي، لأن مصطلح الإسلام السياسي بدعة، وكما يقول علماء الحديث والفقه: "كل بدعة ضلالة.. وكل ضلالة في النار".

والثانية للتدليل على أهمية السلوك الإسلامي في كافة مناحي الحياة في التعاملات التجارية والسلوكيات الاجتماعية، أقول لكم: إن الجزء الأكبر من القوانين الوضعية التي كانت سببًا في تقدم أوروبا وأمريكا تم أخذهامن الفقه الإسلامي وكتبه التي تم ترجمتها في العصور الوسطى، وبالتالي تجد في كثير منها روح الإسلام وانفتاحه على العالم لتحقيق مبدأ عالمية الدعوة المحمدية.

إن الثقة والمصداقية وعدم الكذب وعدم الغش والالتزام واحترام الآخرين وإتقان العمل والإخلاص في أداء الواجب، وعدم الاستيلاء على أموال الغير أو أخذ المال بدون وجه حق، وغيرها من الأسس المهمة التي وضعت في القوانين الغربية وتقدمت من خلالها أوروبا وانتقلت إلى أمريكا، والتي كانت، وما زالت، سببًا في تقدم هذه الدول، تم اقتباسها من أخلاقيات الديانات السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام.

والخلاصة، أننا لا يمكن لنا أن نعيش بثوب الماضي في عالم الحاضر، ويجب أن يعي شبابنا هذه الحقيقة، وعلي كل المثقفين وعلماء الدين الحق أن يواجهوا هذه الظاهرة التي ولّدت لنا العنف والتكفير، بل وضعت لنا دينًا موازيًا للإسلام بعقلية متخلفة تعيش الماضي في ثوب الحاضر.

i_guider@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق